سفير فلسطين في سورية أنور عبد الهادي لـ«البناء» و«توب نيوز»: العدوّ فشل في فصل غزّة عن الضفة الغربية وزرع الشقاق بينهما
حاوره سعد الله الخليل
حلقة جديدة أرادها العدو الصهيوني في مسلسل إجرامه بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني. منازل ومنشأت وبنى تحتية تُقصف وتُدمّر، أطفال ونساء يذبحون. اعتقد العدو أنه قادر أن يدمّر المقاومة الفلسطينة وسط انشغال دول المنطقة بأزماتها، ظنّ أن الأمر ينتهي ببيانات إدانة واجتماعات هنا وهناك، ربما اعتقد أنّ صواريخ المقاومة لن تصل إلى ما بعد حيفا، وأنها ستمطر تل أبيب، وربما اعتقد أن فلسطين أصبحت قضية قديمة وضعها المؤمنون بها على الرف، كل شيء جائز، إلا أن الثابت الوحيد، أنّ العدو بدأ معركة لا يدرك تبعاتها وكيف ينهيها، تاركاً المهمة للولايات المتحدة الأميركية.
«البناء» التقت السفير الفلسطيني في سورية، مدير الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية أنور عبد الهادي، وأجرت معه الحوار التالي:
الأمور على الساحة الفلسطينية… إلى أين؟
الأمور ذاهبة نحو استمرار الصمود والتحدّي والتمسك بالحقوق والمبادئ، وحقنا في العودة وإقامة دولتنا المستقلة.
يجب أن تفهم «إسرائيل» ومعها العالم أجمع ألا استقرار في المنطقة وفي الشرق الاوسط والعالم ما لم ينل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة، وحقه في العودة بل السيادة الكاملة. لا قائد فلسطينياً يمكنه التخلي عن الحقوق الفلسطينية بأيّ شكل من الاشكال. نحن نقاتل «إسرائيل» بكل الوسائل المشروعة. قتال «إسرائيل» ليس فقط بالبندقية والصاروخ، بل بالموقف الدبلوماسي السياسي والرأي العام، في الثقافة وفي العلم.
هل ما زالت القيادة الفلسطينية تعوّل على المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة بلعب دور مناصر للقضية الفلسطينية؟
نحن لا نعوّل على أحد ليتحقق ما نطالب به. لكننا نثبت مواقف للتاريخ وللجميع بالتزامنا الشرعية الدولية، للوصول إلى تحقيق الهدف النهائي لأنه سياتي يوم ويصحو العالم ويعرف أن اكبر خطر على مصالحه يتمثل بـ«إسرائيل» لا بالشعب الفلسطيني. وأنّ استمرار احتلالها الارض سيشكل خطراً على مصالح الدول الغربية.
لماذا نقل العدو «الإسرائيلي» المعركة من الضفة الغربية إلى قطاع غزّة؟
الحرب على الشعب الفلسطيني في الضفة وغزّة، ولكن في الضفة نزعت منه فرصة توجيه ضربة عسكرية عندما قام شعبنا بانتفاضة الحجر. ولكن يومياً في الضفة هناك انتفاضة، والشعب يواجه الدبابة وأطماع العدو. لذلك، عندما يعتدي العدو على غزّة، يسعى إلى الحفاظ على فصل الضفة عن غزّة وشقّ الصف الفلسطيني واعتبار الضفة أمراً، وغزة أمراً آخر. وهو واهم، لأنّ الضفة وغزة أرض واحدة فلسطينية، ومعترف بها من الامم المتحدة.
من يقود المعركة على الأرض اليوم؟
المقاومة والصواريخ هي أعمال توازن رعب ليس أكثر، لا نستطيع بكل صراحة و وضوح ، من دون دعم عربي كامل وإمكانية تسليح، أن نحرّر الأراضي الفلسطينية. ولكن هذه الصواريخ تنتج توازن رعب لكنها لا تستطيع تحقيق تحرير جزءٍ من الأراضي. وسنبقى نناضل بكل الوسائل للوصول إلى حقوقنا. الشعب الفلسطيني لا يملك الدبابة ولا الطيارة ولا القوة المناسبة، لأن العرب لا يقدّموا لنا أيّ نوع من الاسلحة.
ما هو شعور أنور عبد الهادي عندما سمع بضرب تل ابيب؟
بلا ادنى شك كنت سعيد جدا ويجب أن يفهم الاسرائيلي أن لدينا القدرة على أن نرعبه وهو مرعوب والمجتمع الاسرائيلي مجتمع مركب تركيب ليس مجتمع متكامل كثيرين يهربون من إسرائيل ويذهبون الى السفارات لكي يغادرو خوفا من الصواريخ وهدف الفلسطينيين أن يوقفوا قتلهم باقل خسائر
إلى أيّ مدى يمكن القول إن ما تشهده الأراضي الفلسطينية نذر انتفاضة ثالثة؟
المقاومة الشعبية مستمرة والانتفاضة موجودة في كل وقت، والعمل الشعبي هو ما يمنحني القوة، لأن العدو حين يواجهها يواجه شعباً أعزل. أما العمل المسلح فيدعم الموقف «الاسرائيلي» كونها متفوّقة في هذا الجانب.
الرئيس محمود عباس قال إنه لن تحدث انتفاضة في عهده. لماذا هذا الموقف؟
الرئيس محمود عباس مع المقاومة الشعبية التي اتفقنا عليها جميعاً، لأن المقاومة المسلحة مطلب «إسرائيلي»، فهي تريد أن تجرّنا إلى حمل السلاح لتنزيل سقف الفلسطينيين وتحميلهم الخسائر الأكبر لأنها الأقوى، بينما المقاومة الشعبية التي يمكن أن تحاصر «إسرائيل» من منطلق الحرص على دماء شعبنا. فلو كنت أمتلك الامكانات العسكرية التي تخلق التوازن لكنت مع المقاومة المسلحة. نحن شعب نقاتل بالدم واللحم، فتح حركة الشعب الفلسطيني وأوّل من بدء الكفاح المسلح، وأجبرت «إسرائيل» على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. لكل مرحلة أسلوبها بالنضال. نحن نعطي فرصة للمفاوضات وللمرّة الأولى يحمّل العالم «إسرائيل» مسؤولية فشل المفاوضات، وبدأنا نراكم المواقف. الأوروبيون يقولون لديكم الحقوق، ولغاية الآن لا تجرؤ دول أوروبا على مجابهة «إسرائيل»، ونراهن أن يأتي يوم وتعترف أوروبا بحقوقنا، وما قرار الاتحاد الأوروبي وقف التعامل مع المستوطنات والاعتراف بالدولة إلا جزءاً من نتج نضالنا الدبلوماسي.
ما الذي كسبه الشعب الفلسطيني من المفاوضات غير المماطلة والمزيد من الاستيطان وهدر الحقوق؟
على العكس، منذ الاعتراف بالدولة كل ما بني من مستوطنات هو زائل. كل مستوطنة تقام على أرض فلسطين ملك الشعب الفلسطيني، وفي القانون الدولي كل المستوطنات داخل أراضي 67 غير شرعية لأن القرار يقول بالاعتراف بدولة فلسطين حتى خط الرابع من حزيران. والعدو واهم إذا اعتقد أن بناء المستوطنات يقسّم الأراضي الفلسطينية.
إلى أيّ مدى تُعدّ السلطة فعلاً كما تُصوَّر، أداة «إسرائلية» لقمع الشعب الفلسطيني؟
هذا كلام من لا عمل له سوى الكلام والثرثرة. إنها فصائل عاجزة ولا قدرة لها على المواجهة، ولا عمل لها سوى الانتقاد وإعادة أسطوانة «مشروخة»… التنسيق الأمني عبارة عن تسهيل دخول المواطنين الفلسطينيين وخروجهم، وتبادل البضائع والمواد الغذائية والجمارك لضمان مصالح الشعب الفلسطيني. أما التنسيق بالمعنى الأمني غير موجود، والكلام عن التنسيق لضرب مصداقية السلطة لدى الشعب الفلسطيني جزء من مخطط «إسرائيلي». فالسلطة لم تعتقل يوماً مقاوماً من أجل «إسرائيل»، المناضلون وعناصر أجهزة الشرطة قضوا في مواجهة مع «إسرائيل». وفي الانتفاضة الثانية ضربت «إسرائيل» مقرّات الشرطة الفلسطينية لأنها تعلم أنّ عناصر الشرطة المناضلون الحقيقيون.
ما السبيل لإنهاء الانقسام الفلسطيني؟
نحن نؤمن بالديمقراطية، وكما قال الراحل ياسر عرفات «لدينا ديمقراطية سكر زيادة». في السياسة نختلف، ومن حقّ أيّ فصيل أن ينتقد ويقول وجهة نظره. ونحن نعمل وفق مؤسسات المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، ومن حق أي فصيل أن ينتقد ويختلف معنا. كثيرون ممن كانوا ضد أوسلو دخلوا الأراضي الفلسطينية عبر أوسلو، وشاركوا في انتخابات أوسلو، وطبقوا المثل القائل «أسمع كلامك يعجبني أشوف أعمالك أستعجب»، ونحن نحترم خياراتهم لكن هناك سياسة موحدة للشعب الفلسطيني أقرتها المجالس الوطنية التي تعمل لهدف ثابت يتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على أراضي 67، وحق العودة. ولا وقف للنضال السياسي من دون تحقيق هذا الهدف مهما قدّمنا من تضحيات.
حين يقول ممثل فلسطين في الأمم المتحدة إنّ صواريخ غزّة جريمة ضدّ الإنسانية، ماذا تتوقعون أن يكون ردّ فعل الفصائل والشعب الفلسطيني؟
هذا التصريح شُوّه تماماً، كان يقول كشخص قانوني، يقول العالم عندما تطلق أيّ صاروخ على مدنيين يعتبرونه ضد الانسانية. هو يقول إنّ «إسرائيل» ذكية، تحذّر الفلسطينين قبل القصف لتضمن شرعية عملها. والتصريح شُوّه من الأصوات المنافقة التي تسعى إلى زرع الفرقة بين أفراد الشعب الفلسطيني، والمقصود من ذلك تشويه مواقف القيادة الفلسطينية.
هل إمساك الرئيس عباس برئاسة فلسطين إضافة إلى رئاسة فتح يعطّل عملها؟
على العكس، فإنّ الدول الغربية تؤكد أنه لولا السياسة الحكيمة والمتوازنة للرئيس عباس، والتي تستشف المستقبل لشطب الشعب الفلسطيني من المنطقة العربية، وتحافظ على التمثيل الشرعي للشعب الفلسطيني من خلال المنظمة، وما يجري في المنطقة ممّا يسمى «الربيع العربي»، الذي بدأ باكراً في فلسطين عندما انقلبت «حماس» على السلطة عام 2007 بهدف إلغاء منظمة التحرير الفلسطينية، وفشل الانقلاب وانطلق المشروع إلى المنطقة العربية. فالمطلوب نزع ثقة الشعوب بقياداتها ونشر الفوضى. ماذا تفعل قيادات حماس في قطر؟ ومن هناك تلقي خطاباتها والكل يعرف دور قطر. أترك الإجابة للجمهور العربي.
إلى أيّ مدى ترون أنّ ما يجري في فلسطين اليوم ارتدادات لما يجري في سورية؟
بلا أدنى شك، إنّ صمود سورية في وجه التنظيمات المتطرّفة، أثّر على الشعب الفلسطيني الذي يريد سورية دائماً قوية متماسكة، ويدعو إلى وقف العنف والحفاظ على وحدة الشعب السوري. وخروج سورية من أزمتها يريح الشعب الفلسطيني ويضمن حقوقه والصمود.
يقول البعض إن هذا الوقت ليس وقت فلسطين التي توحّد، فيما المطلوب التجزئة، ما رأيكم؟
قضية فلسطين مكتوبة بالحبر لدى غالبية زعامات العالم العربي، فمنذ اجتياح عام 1982 أصبحت قضية فلسطين ثانوية على رغم أنها قضية الصراع العربي ـ «الإسرائيلي». وتمكنت أميركا أن تفك ارتباط الأنظمة مع قضية فلسطين، وتتعاطف معنا كلاماً. لدينا أمل كبير في أن تستعيد هذه الأنظمة رشدها وأن تتعافى سورية وتعود مصر إلى دورها القومي، وألّا يرهن السيسي مصر للمساعدات الاقتصادية، بل لدورها القومي الرائد.