اعتصام شبابيّ في شارع الحمرا نصرةً للمقاومة في فلسطين
أحمد طيّ
يجلس إلى مائدة الطعام مع صديقه في أحد المطاعم الفاخرة مقابل مسرح المدينة في شارع الحمرا. يبدو من سحنته ولبسه وطريقة نظره إلى المارة أنّه خليجيّ. لم يهنأ ذلك الشاب بطبق السوشي الذي ابتاعه، فسرعان ما تحوّل المكان من معبرٍ للجميلات، إلى… ساحة اعتصام.
أعلام فلسطين غزت المكان. شباب وشابات من الجامعات اللبنانية والهيئات الطالبية في الأحزاب الوطنية، ولافتات مندّدة بالعدوان على غزة، وأخرى مندّدة بالصمت العربيّ المطبق، وأخرى أيضاً تحمل رسائل إلى كلّ مكان: فلسطين، الصهاينة، أميركا وعربان الخليج.
لم يكتف المعتصمون برفع اللافتات وحسب، بل تبرّع أحدهم بكتفيه لحمل أحدهم، الذي بدوره تبرّع بحنجرته لإطلاق الهتافات، فيما ردّدها المعتصمون الذين وصل عددهم إلى المئات خلفه. ومن ضمن هذه الهتافات ما جذب سمع الجالس في المطعم المقابل، فهي تتناول ربما بلاده، أو أكثر تحديداً، نظام الحكم في بلاده، وتخاذله.
نظّمت الهيئات الطالبية والشبابية في الأحزاب والقوى الوطنية والفلسطينية عصر أمس، اعتصاماً حاشداً في شارع الحمرا في بيروت، مقابل مسرح المدينة، ورفع المعتصمون أعلام فلسطين ولافتات داعمةً للمقاومة، ومندّدة بالعدوان على غزّة، وبالصمت العربي الذي تحترفه ممالك وإمارات ودول عربية عدّة.
وألقى محمد حماد من جامعة «LAU» كلمة بِاسم المعتصمين جاء فيها: «لم نقف اليوم لنرسل تحيّة إلى فلسطين التي وضعت مدن الاحتلال تحت نيران مقاتليها. ولا نتضامن مع أهلٍ لنا وأخوة سلاح. بل نقف لنضمّ قبضتنا وندق جدران الخزّان معكم، من قلب بيروت التي قاومت الدبابة بالرشاس. وبيد فلسطينيين ولبنانيين إلى جبهاتكم، نمسح تعب هذا الصيف وثقل الصواريخ المحمولة تحت الشجر.
نحن اليوم، طلاب فلسطينيون ولبنانيون، نرفع صوتاً أعلى من صوت الغارات التي تستهدف أهلنا في غزّة. والاعتداءات التي تحصل في الضفة وأراضي 1948 المغتصبة. ونقول للعدو إن ظننت أنّ الإمعان في جرائمك اللاإنسانية واللاأخلاقية ستكسرنا، فأنت واهم. واهمٌ من راهن على أنّ القضية الفلسطينية ستتلاشى مع تعاقب الأجيال. نحن هنا لنؤكد أننا أننا لم ننس وجهتنا، ولم نحد عنها على رغم الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيّ في لبنان. إنّ اعتصامنا هنا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على أن فلسطين ما زالت البوصلة والهدف، وسنعود ونعيدها من أيدي المحتل، ولو كلّفنا الأمر مئة انتفاضة. كلّنا أمل أن تكون هذه الانتفاضة انتفاضة العزّة وبداية مرحلة الحسم».
وختم: «من هنا، نعيد إعلانها قضية واحدة، كتفاً واحدةً تحمل السلاح وشعباً واحداً ضدّ كل الهجمات التي تهدف إلى طمر قضيتنا المحقة».
لقاءات
رئيس الحملة الوطنية لمقاطعة «إسرائيل» الدكتور عبد الملك سكرية كان حاضراً، وأدلى بتصريح لـ«البناء» جاء فيه: «إن هذه الوقفة، هي واحدة من الوقفات التي تشهدها بيروت مع المقاومة في فلسطين، ضدّ العدوان الصهيوني والإدارة الإمبريالية الأميركية الواقفة إلى جانبه، وأدواته من العرب المتأسرلين.
هي وقفة تحية لشعبنا في غزّة ومقاومته الباسلة التي فاجأت العالم أجمع بتصدّيها النوعيّ، وقصفخا كامل أرجاء المستطونات الصهيونية المنتشرة فوق كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما جعل أكثر من خمسة ملايين مستوطن صهيوني ينتابهم الرعب الدائم، وهذا نشهده للمرّة الأولى».
وأضاف: «إن هذا التصدي الرائع إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على أنّ خيار المقاومة هو الكفيل الوحيد لصون الكرامة. وشهدنا ذلك في لبنان عام 2006، وفي فلسطين عامَيْ 2008 و2012، ونشهده اليوم عام 2014.
إنّ هذا التصدّي البطولي، دفن إلى غير رجعة كل نهج غير نهج المقاومة، من مفاوضات واستجداء سلام».
وختم سكرية قائلاً: «إن المقاومة اليوم أثبتت جدواها، وأثبتت قوّتها، وبرهنت أنّ العدوّ لا يفهم إلا منطق القوّة، وأنها هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين وتحقيق العودة».
منفذية الطلبة الجامعيين في بيروت في الحزب السوري القومي الاجتماعي، شاركت في الاعتصام، والتقت «البناء» ناظر الإذاعة والإعلام في المنفذية شادي بركات، وصرّح لها بما يلي: «إنّ المشاركة الحاشدة من الطلبة الجامعيين في الحزب السوري القومي الاجتماعي هي رسالة تفيد بأنّ هذا الجيل الجديد يفعل، ويحمل لواء فلسطين جنوب سوريا، وأن بيروت خالد علوان لا يمكن إلّا أن تنتصر لفلسطين والمقاومة.
إنّ المقاومة التي انتصرت على العدو في بيروت، هي نفسها التي تدكّ اليوم تل أبيب بالصواريخ، هي نفسها منظومة المقاومة التي حرّرت الجنوب، وهي نفسها التي تنتصر على الفكر الوهابي وامتداداته التنظيمية في الشام والعراق.
نوجّه التحية إلى كافة فصائل المقاومة وإلى الرفقاء في مجموعات الفداء القومي التي تشارك في العمل المقاوم في غزّة، وتمطر مستعمرات العدو بالصواريخ. ونقول لهم ما قلناه لرفقائنا في نسور الزوبعة في الشام: قبضاتنا قبضاتكم متى احتجم إليها».
وأكّد بركات أنّ «الفداء القومي» وكافة فصائل المقاومة، تمثيل حي لدعوة الحزب إلى الاقتدار وفعل المقاومة، التي هي حق لشعبنا كفعل سيادي استقلالي متمرّد على قرارات الغرب المستعمر والدولة الصهيونية القائمة على المجازر في فلسطين جنوب سورية.
«البناء» التقت أيضاً قائد «كشاف فلسطين» في لبنان محمد الأشوح، الذي قال: «نحن هنا لنتضامن مع شعبنا في غزّة وفي كلّ فلسطين، ولنؤيد الانتفاضة الثالثة من أجل ترهيب المستوطنين الصهاينة، آملين أن تؤدي هذه الانتفاضة إلى تحرير فلسطين من الاحتلال الغاشم».
لم يشارك ولم يرحل!
لأكثر من ساعة استمرّ الاعتصام، حتّى الفتى الفلسطيني هلال ستة 13 سنة كان هناك مع أتراب له، يشدّون على أيدي المقاومين في فلسطين، ويرسلون لهم ألف تحية، ويطلبون منهم أن يستمرّوا في هذا الزخم وهذا العطاء دفاعاً عن أطفال غزّة ورضّعها.
لأكثر من ساعة استمرّ الاعتصام، والشاب الخليجيّ المستمتع بطبق السوشي لم تهزّه الهتافات المتطاولة على بلاده وحكّامه، استمر يأكل ويأكل، وبنظراته يأكل الجمال المار قربه. لوهلة خدّاعة ظننت أنّ شيئاً من الحميّة أو العروبة سينتفض فيه، وينخرط في الاعتصام نصرةً لغزّة، لكنه لم يفعل. لوهلة خدّاعة ظننت أنّ شيئاً من الحميّة أو العروبة سينتفض فيه ويقوم ويدافع عن بلاده وحكّامه، لكنه لم يفعل. لم يقم ولم يرحل… فقط استمرّ في أكل السوشي… وعلى العرب السلام.