مهزلة «جنيف 3»

حميدي العبدالله

تمخض الجبل فولد فأراً، هذا المثل ينطبق على «جنيف 3» الذي بدأ أعماله يوم الجمعة الماضي، إذا كانت الأمم المتحدة، مدعومة من روسيا والولايات المتحدة غير قادرة على تأمين انعقاد المؤتمر وفقاً لما جاء في قرار مجلس الأمن 2254 الذي تمّت الموافقة عليه بالإجماع ووفقاً لمقررات «فيينا 1» و«فيينا 2» التي شاركت فيها أكثر من خمس عشرة دولة، هي الدول الفاعلة والمؤثرة في ما يجري في سورية، فهل تستطيع هكذا أمم متحدة الوصول إلى حلّ يسهم في وقف الحرب في سورية وينهي هذه المأساة؟

واضح أنّ جهود الأمم المتحدة في سورية لن تأتي بنتائج أفضل من جهودها لحلّ الأزمة في ليبيا وإنهاء القتال هناك، على الرغم من أنّ المواقف الدولية والإقليمية في ليبيا أقلّ تصادماً وعداء بالمقارنة مع سورية.

ثمة أسباب كثيرة تفسّر خروج «جنيف 3» عن التوقعات وعن المسار الذي حدّده قرار مجلس الأمن وتوصيات لقاءات فيينا، السبب الأول يكمن في حقيقة أنّ الدول المنخرطة في الحرب على سورية فقدت تأثيرها على القوى الفاعلة على الأرض في سورية، فالجماعات المسلحة الأكثر فاعلية، هي الجماعات التي عرّفها مجلس الأمن بأنها جماعات إرهابية، وهي تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة». «داعش» يحتكر المواجهة ضدّ الجيش السوري وحلفائه وضدّ التحالف الأميركي وامتداداته في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، إضافةً إلى أنه القوة الوحيدة التي تقاتل الجيش السوري في ريف السويداء الشرقي وريفي حمص وحماه الشرقي، إضافةً إلى ريف حلب الشمالي والشرقي. و«جبهة النصرة» تهيمن على المواجهة في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، إضافةً إلى ريف دمشق. هذان التنظيمان يرفضان الحلّ السياسي، ولا يشملهما قرار وقف إطلاق النار، وهذا يعني أنّ أيّ قرار لوقف إطلاق النار سوف يفضح حدود تأثير المجموعات المسلحة المرتبطة بالغرب وحكومات المنطقة والمؤتمرة بأوامره، ولهذا هربت الدول الداعمة للجماعات المسلحة إلى الأمام لكي لا ينفضح أمرها، ولهذا تضع شروطاً تعجيزية، وكان لهذه الشروط أثر كبير على إنتاج «جنيف 3» على شكل مهزلة لا يُرجى منها فائدة، وتعيد تكرار مسار التفاهمات النظرية التي جرت في ليبيا، ولم يكن لها أيّ تأثير على الأرض. السبب الثاني، عقدة التمثيل الكردي، فالأكراد هم القوة الوحيدة الموجودة على الأرض غير الجيش السوري الذي يحارب الإرهاب، ولكن من الواضح أنّ تركيا تصرّ على استبعادهم من المشاركة في الحوار لحلّ الأزمة في سورية، وبديهي أنّ تجاوز الأكراد، سيعرقل إمكانية نجاح «جنيف 3» كما أوضح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، والهروب من مواجهة هذه العقدة بصراحة عبر صيغ التفافية لضمان بقاء تركيا جزءاً من مجموعة الاتصال الدولية بعدما هدّدت بالانسحاب منها إذا وجهت دعوة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي للمشاركة في حوار جنيف، وذلك أيضاً أسهم في تحويل «جنيف 3» إلى مهزلة، وبالتالي إجهاض أيّ رهانات على احتمال أن ينجم عنه أيّ شيء إيجابي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى