حكيم فلسطين… أيقونة الثورة

نظام مارديني

يكتب ماركيز في ذكرى رحيل بورخس: «أن المتميزين لا يرحلون كأفراد، يرحلون، باعتبارهم مرحلة متوهّجة، صار رحيلهم خاتمتها»، بهذه الرؤيا نفتتح الذكرى الثامنة لرحيل أيقونة الثورة الفلسطينية جورج حبش وفاءً لأخلاقه الثورية النبيلة التي ميّزته طوال مسيرته النضالية في حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية، وإيمانه قبل رحيله برؤية سعاده.

وفي هذه الذكرى تفتتح الكثير من الأسئلة التي لا نهاية لها، ولكن وفي كل ألم يصيب عمق ذاكرتنا نكون قد عدنا إلى الكبار في بلادنا، فكيف نتحدث بأسلوب يليق بأبجديتهم ولا تتجدّد دماؤنا..؟ والاستثناء هنا هو انتماء حبش لسجل النجاح لا الفشل، فكان قائداً سياسياً وعبقرية تنظيمية لم تشهد الساحة الفلسطينية بل العربية مثيلاً لها.

هكذا تحوّل الحكيم حبش إلى أيقونة مركزية ليس في إطار الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير فحسب، بل في الوعي الشخصي لعشرات الآلاف من المؤمنين بأفكاره السياسية وخطه الثوري.

لا يمكن اعتماد الرؤية التجزيئية في التعامل مع شخصية كشخصية حكيم فلسطين والثورة، مثلما لا يمكننا أيضاً اعتماد هذه الرؤية في القضايا القومية. ولهذا، ينفلت – في كثير من الأحيان – البُعد التاريخي لهذه الشخصية، وما عرفته من تحوّلات. لأن الوعي بالتشكل التاريخي لقضايا بلادنا ومظاهره، يُنتج تفكيراً متسلسلاً، ومرتّباً، كما حدث مع حبش خلال مسيرته في الجامعة الأميركية، حيث عمل على تأسيس حركة القوميين العرب، وحتى تأسيسه للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

لقد تأخرنا في عملية الوعي بحالات التحول التي عرفتها هذه الشخصية صاحبة الكاريزما العالية، عندما ظل المنطق التجزيئي عندنا هو المهيمن على تفكيرنا وعقلنا، فالأعمال الكبيرة والشامخة لا تأتي من فراغ بل هي حصيلة جهد وإرادة وطنية مخلصة تؤمن أولاً وأخيراً بأن تقدم الوطن ونهوض الشعب مهمة مقدسة ترقى إلى مستوى التضحية والاستبسال من أجلها حتى الاستشهاد.. وهكذا كان هذا الأيقونة التي ستظلل صدورنا بكل فخر.

فأمام التحديات العاصفة التي تواجه بلادنا، بالتأزم والتفاقم في شرور الأزمة الدموية الخانقة في سورية والعراق، والاحتلال الجاثم فوق أرض فلسطين من النهر إلى البحر، نقفُ أمام ذكراك وقد امتلكت الشجاعة الأدبية وأنت المؤمن بالفكر الماركسي، بأنك قلت للباحث صقر أبو فخر في عام 1997: «أهدرنا خمسين عاماً من النضال ونحن نصرّ على صوابية رأينا، وكان من الممكن أن نختصرها ونعود للإقرار بأولوية وأحقية وراهنية ما قاله أنطون سعاده حول وحدة سورية الطبيعية وأولوية العمل لهذا الهدف».

مسيرته أسبغت عليه لقب «حكيم الثورة»، ولكن ليس المهم ارتداء لقب الطليعة… فهو لم تخدشه إغراءات ومؤامرات الزمن ومحاولات التصفية والاغتيال وهو القائل «لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه»، و«إن السلطة السياسية تنبع من فوهات البنادق»، ولذلك بقي مثابراً بشكل استثنائي على زيارة ضريح يوسف العظمة.. ولهذا دلالات روحية كبيرة.

بينَ الأمل والرجاء، والخيبة والخذلان، نعود إليك أيّها الحكيم.. لقب سنردّده وننشره ونجعله بيارق من العناوين الواضحة في الأزمنة والأمكنة. وسنظل نتذكر أننا عشنا في زمن جورج حبش.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى