ضرورة التنويه…

سناء أسعد

الخيارات كثيرة أمام كلّ الأمور التي يمكن أن يثار من أجلها الجدل… ولكن أمام انعدامية الجوهر والافتقار إلى المصداقية التي يجب أن تتمحور حولها هذه الخيارات، تتسع الفراغات، وتتعدد إشارات الاستفهام، وتؤول النتائج إلى العدم الذي لم تفرضه الطبيعة بقدر ما فرضته الإدارة التي تفتقد الى الإرادة الهادفة، وإلى المسؤولية التي يجب توفرها كأولوية أساسية لا بدّ منها حتى تنتظم تلك الإدارة، والتي تتطلب فرض خطط ثابتة وممنهجة وبطريقة متسلسلة وواضحة لاعتماد مشروع بناء، ووضع جملة من الرزم الاحتياطية كبديل من الأساسيات الأصلية في حال عجز الأخيرة عن إنتاج المبتغى والمُراد من وضعها…

وهذا يستحضر أمامنا المشهد الدولي والسياسي والإقليمي الذي تعيشه الدول كافة، وبالأخصّ بالنسبة لعملية الحلول السياسية… بأبسط الجزئيات والتفصليات المتمثلة بمؤتمر «جنيف 3» والذي أثبت فشله منذ أولى لحظات بدايته أو بالأحرى من قبل أن يبدأ.

في العمليات التجارية يُعتبر البدء بطرح البضائع في السوق مغامرة، قبل التأكد من جودتها من حيث الكمية والنوعية، لضمان الإقبال وضمان الربح وتحقيق المكاسب المرجوة سواء المكاسب المادية أو المكاسب التجارية والمتمثلة بالاسم والشهرة والأفضلية.

وعليه كان من المفترض قبل الدعوة إلى مؤتمر جنبف، قياس الخطوط والأبعاد كافة بدقة متناهية، بما يرسم خططاً مدروسة واعتماد مشروع بنّاء على أساسه يندرج ضمن بنود عديدة تتمثل ببنية حقيقية في تحقيق عملية السلام… ومن ثم طرح هذا المشروع من دون القبول بأيّ تعديل أو تغيير يخدم مصالح شخصية يغيب معها الجوهر الأساسي الذي يجب الانطلاق منه دون التمحور حوله والتحايل لإطالة إنتاج القرارات ووضعها في حيّز التنفيذ…

هذا المشروع يكون كمذكرة، التوقيع عليها يعني الموافقة العلنية لما يتضمّنه من بنود، ويكون ذلك الاجتماع تحصيلاً حاصلاً وإجراء روتينياً لا أكثر لعملية تطبيق الحلول، ولكن ما يجري في مؤتمر جنيف يثير السخرية التي لا تصل بنا الا إلى العدم في كلّ شيء.

فما يسمّى بـ»معارضة الرياض» المهزوزة وافقت وطبعاً بعد الضغوط للحضور وإجراء المفاوضات، ولكن مع التنويه أنها وافقت على ذلك لا لشيء وإنما لـ»تختبر مدى حسن نوايا الحكومة السورية بالموافقة على شروطها ومطالبها». بفك الحصار على المناطق المحاصرة. وإيصال المساعدات الإنسانية التي يتاجر بها الإرهابيون في تلك المناطق… والإفراج عن السجناء الذين هتكوا الحرمات وقتلوا وسفكوا دماء الأبرياء.

كما انّ تركيا تقبل المشاركة في عملية التفاوص ولكن مع التنويه الى ضرورة غياب التمثيل الكردي الذي يشكل خطراً على حزب العدالة والتنمية. فبرأي أردوغان الشخصي الإخواني أنّ الأكراد منظمة إرهابية، غير أنها تحارب «أبرياء داعش»، فهي تشكل خطراً بدعمها لحزب العمال الكردستاني الذي يحاول أردوغان جاهداً بالأساليب المبتذلة كافة نفيه عن خريطة الوجود… تبعاً لسياسة إلغاء الآخر، وخوفاً من المدّ الكردي الذي يرعب أردوغان، والذي يقابله الرعب السعودي من المدّ الشيعي… والذي دفع بالسعودية الى شنّ الحرب الرعناء ضدّ اليمن. هؤلاء اتبعوا ذات السياسة في خياراتهم وشروطهم من أجل المفاوضات، والتي تتمثل بإلغاء الآخر.

ألا تستوقفنا هذه السياسة للسؤال عن أيّ مفاوضات يتكلمون أمام غياب الآخر، أمام حرية التعبير والتمثيل للأطراف كافة حتى يكون الحوار كاملاً ومكتملاً ليخرج بقرارات ناصجة.

فأمام هذا الفكر الوهابي الداعشي الإخواني يستحيل لأي قرار أن يبصر النور.

وأمام هذا العجز الواضح والمفضوح الذي لبس عملية تمثيل الوفود لا بدّ من التنويه بأنّ أيّ قرار هو حتماً عقيم ولا سيما وقف إطلاق النار الذي لا يمكن ربطه بعد كلّ هذا بعملية الرقابة وتقديم الضمانات، إذا لم تكن هناك ضمانات متفق عليها بأبسط الأمور، كما أنّ وقف المدّ والدعم الإرهابي لمجرمي الداخل لا يمكن أن يتوقّف من مجرمي ودواعش الخارج.

الحكومة السورية تعلم حقيقة ما يجري وما سيجري ولا بدّ من التنويه إلى أنّ ذلك الوفد الحقيقي بتمثيله للشعب السوري ما ذهب الى هناك إلا ليثبت للعالم كله حقيقة انتصاره على الأصعدة كافة، بل هو يحقق انتصاراً أكبر بالمقاييس والأبعاد كافة. الدولة السورية قلبت المعادلات والموازين وفرضت وجودها أكثر بكثير من قبل. فقد تحوّلت من دولة داعمة للمقاومة الى دولة مقاومة والهدف الصهيوني المُراد من هذه المؤامرة والمتمثل بتفتيت وتجزئة مساحات الأرض السورية سينقلب لضمّ مساحات من الأراضي السورية المحتلة الى الأراضي السورية التي حاولوا اغتصابها واحتلالها.

فالقلق «الاسرائيلي» صار واضحاً أمام الانتصارات التي يحققها أبطال الجيش العربي السوري بمساندة الحلفاء في الجنوب السوري والذي بدأ بتحرير الشيخ مسكين ولن ينتهي إلا بتحرير الجولان.

ولا بدّ من التنويه إلى أنّ «جنيف 3» هو سباق لا أكثر سباق فوضوي مستعجل متهوّر لا يخرج عن أنه حصيلة العجز العسكري في قلب الموازين والفشل في تحقيق المشروع الصهيو أميركي في المنطقة فكلّ ما جرى ويجري لم يكن في الحسبان.

فما بني على أسس مهترئة مهزوزة سينتهي الى السقوط في الهاوية مهما تمّ الترقيع والقصّ واللصق به هنا وهناك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى