وقف إطلاق النار المستحيل

حميدي العبدالله

ينصّ قرار مجلس الأمن، وكذلك تفاهمات فيينا، على أن تبدأ مسيرة الحلّ السياسي، إذا ما قيّض لـ«جنيف 3» أن يبدأ وفق السيناريو الذي رسمه قرار مجلس الأمن 2254، بوقف إطلاق نار شامل. ومعروف أنّ مجلس الأمن وكذلك تفاهمات فيينا أكدت على أنّ وقف إطلاق النار لا يشمل وقف العمليات الهجومية والدفاعية ضدّ تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» وكلّ تنظيم آخر يُتفق على تعريفه بأنه منظمة إرهابية.

في ضوء ذلك، إذا ما نفذ قرار وقف إطلاق النار على هذه الأسس فهذا يعني أنّ الاتفاق لن يشمل أيّ منطقة في سورية تتمركز فيها الجماعات المسلحة وتخرج عن سيطرة الدولة.

محافظات دير الزور والرقة والحسكة، يتواجد فيها حصرياً تنظيم «داعش» بمفرده، وبالتالي لا يشملها قرار ووقف إطلاق النار. ريف محافظة السويداء الشرقي، وكذلك ريف حماة الشرقي، وريف حمص الشرقي وريف حلب الشرقي والشمالي هي مناطق يسيطر عليها تنظيم «داعش» من دون منازع، وبالتالي لا يشمله قرار وقف إطلاق النار. وهذه المناطق توازي أكثر من 70 من جبهات القتال في مواجهة الجيش السوري. ما تبقى من مناطق وتحديداً محافظة إدلب وريف حلب الغربي وأرياف درعا والقنيطرة، وما تبقى من ريف دمشق، وريف حمص الشمالي، فهذه المناطق ثمة وجود أساسي فيها لـ«جبهة النصرة» وتشكيلات أخرى تنتمي، إما لتنظيم «داعش» أو لتنظيم «القاعدة»، مثل «حركة المثنى»، و«أحرار الشام»، ويصعب على التنظيمات المرتبطة بوفود المعارضة المشاركة في «جنيف 3» الوقوف في وجه التنظيمات المصنّفة إرهابية في هذه المناطق وإلزامها بقرار وقف إطلاق النار. وحتى إذا قرّرت بعض التشكيلات المسلحة تحت ضغط الحكومات المموّلة لها الموافقة على وقف إطلاق النار والالتزام به، إلا أنّ التنظيمات المصنفة إرهابية لن تلتزم بالقرار، وبالتالي سيظلّ قرار وقف إطلاق النار حبراً على ورق، بمعنى قرار يفتقر إلى قابلية التنفيذ.

ولعلّ هذا هو السبب الذي يدفع وفود المعارضة، وتحديداً وفد الرياض، إلى المطالبة بوقف شامل لإطلاق النار ووقف أعمال القصف التي يشنّها الطيران الروسي، ولا تستثنى من وقف إطلاق النار المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش» و«النصرة»، ويحاول وضع هذه المطالب كشروط مسبقة خلافاً لما نص عليه قرار مجلس الأمن 2254 وتفاهمات فيينا 1 و2.

على أية حال عامل الوقت لم يعد يفيد القوى المعادية، فكل يوم يمرّ ويتأخر فيه انطلاق مسيرة البحث عن حلّ سياسي، ستخسر المجموعات المسلحة والدول الداعمة لها المزيد من الأراضي السورية التي كانت تسيطر عليها، وبالتالي يؤثر ذلك على وضعها التفاوضي في حال القبول في وقت لاحق. كما أنّ الرهان على إعادة إنتاج قرارات لوقف إطلاق النار تشبه ما حصل في عامي 2011 و2012 بما يمكن ويساعد التنظيمات المسلحة على السيطرة على المزيد من المناطق، لم يعد هو الآخر خياراً قابلاً للتنفيذ لأنّ قرار مجلس الأمن واضح على هذا الصعيد، ويقظة سورية وحلفائها تجعل منه خياراً مستحيلاً.

وهكذا، فإنّ أمام القوى المعادية واحداً من خيارين، إما قبول الحلّ السياسي الآن وفق فيينا 1 و2، وإما الحسم العسكري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى