النزاع في المنطقة مستمرّ وثقافة الاعتذار خط أحمر…
هاشم أبو رعية
في الوقت التي تسير فيه المنطقة إلى الوراء، وإلى المزيد من الضحايا الأبرياء سواء أكأن في عراق الرافدين، أم سورية وحتى اليمن الذي ينزف بمرارة شديدة في الجزيرة العربية، وفي فلسطين التي تشهد أنتفاضة شعب ضد الاحتلال الإسرائيلي وتهمه الباطلة منها التذرع بالطعن والدهس، وليس هذا فحسب بل تعالت أصوات الصحف الإسرائيلية عن خطر الدولة الإسلامية وتهديدها لأمن الدولة اليهودية وغياب الحكومة الفلسطينية سواء أكأنت في الضفة أم القطاع، وغيرها من الأحداث التي تشهدها المنطقة وعلى رأسها اعتداء الحكومة التركية على الأقلية الكردية التي تسعى للحصول على الاعتراف بثقافتها وثقافة أجدادها.
وبعد كل هذا تبقى سياسة الاعتذار غائبة، التي يمكن أن تقلل من حدة الصراع إلى مستوى أقل من ذلك ولكن تبقى المنطقة مشتعلة، لأن كل طرف في النزاع له هدف. وهنا الأهداف تختلف حسب القوى التي يتمتع بها هذا الحليف ضد الطرف المعارض الآخر، وبالتالي تسعى دول المنطقة للنزول في هذا المستنقع بكل ما لديها من قوة في دعم حلفائها على الأرض لتحقيق قوة لها على الطاولة السياسية التي تجري الآن في جنيف 3. وتتنوّع وسائط هذه القوى منها الإعدام والاغتيال، وإغراق السوق بكميات كبيرة من براميل النفط وآخرها سلاح الأفراد المتحاربين، والجميع يعلم التأثير الذي يلحق بالطرف الآخر جراء هذه الأنشطة اللاشرعية التي ألحقت الويل وكل الويل بالإنسانية فزادت العجز وارتد على المنطقة.
ومثل هذا التناقض يطرح مبدأ وثقافة عدم الاعتذار لدى الدول العربية وحتى الإسلامية. ولماذا لدى جميع الدول الإسلامية سواء في هذا الوقت أو قبله وحتى في المستقبل، ولكن الآن تتشارك بهذا المبدأ كل من إيران والسعودية وتركيا التي ما زالت ترفض الاعتذار لوزارة الدفاع الروسية أو للحكومة في موسكو على إسقاط طائرتها «سوخوي 24» وإنها أسقطتها بعد اختراقها للحدود التركية كما تدّعي تركيا فأمرت بإسقاطها من دون علم أردوغان، وقال جنرالات في سلاح الطيران التركي إنهم لم يعرفوا مسبقاً أنها طائرة روسية، وإلا لما أقدموا على إسقاطها، ورغم الضرر الكبير، السياسي والاقتصادي، الذي لحق بتركيا جراء العقوبات الاقتصادية الروسية خاصة.
السعودية التي أصبحت كالطفل الصغير غير قادرة على اتخاذ القرار الصائب بخاصة بعد تولي الملك سلمان الذي يبدو عليه الخرف بسبب تقدمه في السن ليكون ملكاً على السعودية وتسلم ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان لوزارة الدفاع، وقد أقدمت السعودية على إعدام العالم والشيخ نمر باقر النمر بسبب مطالبته المشاركة في الحكم واتهمته بالإرهاب وهي تعلم تماماً قيمة هذا الرجل في السعودية أو في إيران وحتى لدى الأقليات الشيعية في دول العالم. وهذا ما شاهدناه في وسائل الإعلام من مظاهرات واحتجاجات على المستويات كافة، وخرجت الأمم المتحدة منددة بهذا القرار وغيرها من مؤسسات الإعلام وطالبت السعودية بالاعتذار، ولكنها أبت الاعتذار لأنها تعتبر مثل هذا الاعتذار يقلل من قوتها كقوة إقليمية وهي في صراع استنزاف مع إيران وبخاصة بعد التخلي الجزئي من أميركا تجاه السعودية كحليف يجب الدفاع عنه.
وليس هذا فحسب، الرياض امتنعت عن تقديم اعتذار آخر لإيران بعد أن ذهب أكثر من 400 مواطن إيراني في موسم الحج العام الماضي، وبينهم رجال دين وقادة سياسيون كبار ورغم كل هذا رفض الملك سلمان تقديم اعتذار رسمي لطهران، بل أقدمت على التأخير بتسليم الجثامين وحاولت إخفاء بعض جثث الشهداء الإيرانيين لاستفزاز طهران، ولكن القادة الإيرانيين كانوا على قدر هذا التحدي وطالبوا بحقوقهم بالمحاسبة والتحقيق من خلال الأمم المتحدة. وهنا تبقى سياسة الاعتذار غائبة من قاموس الرياض التي تسعى لإشعال المنطقة بعد فشلها الكبير على المستوى الداخلي وإخفاقها في اليمن والهزيمة غير المباشرة في سورية.
احتجّت الرياض على إحراق السفارة السعودية في طهران إثر اعتداء مجموعة من المواطنين على ممثليتها هناك واعتبرته خرقاً للقانون الدولي وتقصيراً في حماية مواطنيها هناك، وهنا خرج المرشد الأعلى علي خامنئي وأدان هذا الهجوم وطالب بمحاسبة من أقدم عليه، ومن ثم خرج وزير الخارجية جواد ظريف ودان بالطريقة نفسها، ويعتبر خامنئي جهة أكثر من رسمية بل من مرجعية دينية للشيعة كافة، بينما السعودية تجاهلت هذه الإدانات وطالبت باعتذار رسمي من الرئيس حسن روحاني، ولكن الأخير تجاهل هذا الطلب في زيارته الأخيرة لإيطاليا.
إسرائيل لا تقدم الاعتذار لأحد على الإطلاق، والجميع يعلم بأن القيادة في الجيش الإسرائيلي لديهم المبررات على ما يقومون به، ومع كل اعتداء تلقى التهمة ملصقة على جبين الشهيد وتبدأ القنوات الإعلامية الإسرائيلية بالتحريض على المزيد من العنف وليس التهدئة وتقديم الاعتذار للحكومة الفلسطينية التي لم يبق لديها شيء من التنازلات لتقدمها للحكومة الإسرائيلية.
لماذا هذه الثقافة، ونحن نعلم بأن الله غفور رحيم، بالرغم من قوته المطلقة، وهذا يدلّل على أن دائماً من يقدم الاعتذار هو القوي، ولن يخسر شيئاً من تقديم مثل هذا الاعتذار سوى تقليل حدة التوتر، لوقف نزف الدماء وبتر الأطراف وتهجير الأبرياء ومكوثهم في الدول الأجنبية من دون أي رعاية إلا من رحمة ربي أو النزوح الداخلي، ولكن على ما يبدو أن سياسة الاعتذار غير مرغوب بها حالياً لدى دول المنطقة أو لكل طرف له هدف يريد أن يحققه على حساب الشعب في هذه الدول.
إعلامي فلسطيني