نبيل عبد الساتر لـ«البناء»: نملك ما يكفي من الوعي لتقديم مرح لا يخدش العين والسمع
حاورته: عبير حمدان
يفصل بين الرقي والابتذال خيط رفيع قد لا يراه معظم كتّاب المشهد الكوميديّ المتنقل على قنوات التلفزة. منهم من يعتبر الوقاحة وخدش حاسة السمع والبصر جرأة مشروعة، ومنهم من يلقي باللوم على المتلقّي، مبرّراً أنه يطلب نكاته مشبّعة بالايحاءات الجنسية. وقلّة ممّن يبرعون في زرع الفرح الممتزج بالدموع، لكنّه يبقى أكثر المشاهد الكوميدية رقيّاً وديمومة.
نجح الكاتب نبيل عبد الساتر في خلق هوية خاصة له جعلته يسير عكس التيار الكوميديّ التهريجيّ السائد. وعلى مدى عشر سنوات، كان وتوأمه حسين عبد الساتر ثنائياً قادراً على مواكبة التفاصيل اليومية البسيطة للناس، بما تضمّه من تناقضات.
القدرة على النقد في مكانه الصحيح يشكّل إطاراً للمشهد الذي يخطّه عبد الساتر وهو الذي استفزه عدوان تموز 2006 ليبدأ مشروعه ويصبح رقماً صعباً في المعادلة. فكان «إربت تنحل» فاتحة الكلام، ثم «محلو»، مروراً بـ«مش معقول»، وصولاً إلى «أول ع آخر» الذي تعرضه قناة «المنار» الملتزمة بضوابط معروفة لدى الجميع، بحيث يصبح الرهان على النجاح أكثر صعوبة. إلا أن عبد الساتر استطاع الإمساك بزمام المبادرة، وباتت أمسية يوم الجمعة موعداً ثابتاً لمن يبحث عن مساحة من الفرح بأسلوب أنيق.
يرى عبد الساتر أن الضحكة التي تنبع من القلب لا تقترن بنصّ قوامه الإسفاف، إذ إنّ التاريخ الفني الذي سبق موجة الانفتاح الإعلامي المتصاعد لم يعتمد على البذاءة وتسليع الأنثى، وتمكن من ترك بصمته في الذاكرة.
نبدأ من مفهوم آداب الطرح لدى الكاتب ولو كان نصّه كوميدياً وقدرته على خلق التوازن بحيث لا يخلط بين الجرأة والوقاحة فيقول عبد الساتر: إذا نظرنا مليّاً إلى أعمال السلف الصالح من الذين قدّموا الكوميديا، سنجد أنهم لم يستندوا يوماً إلى نصوص مبتذلة ونكات رخيصة وألفاظ بذيئة، وتمكّنوا من زرع الفرح في قلوب الناس، وكلّنا نتذكّر مسرح شوشو وغيره من الأسماء التي لمعت في مجال الكوميديا مثل أحمد الزين وفريال كريم وغيرهما. وأبعد من ذلك، لا ننسى الأعمال المسرحية الكوميدية المصرية مثل «العيال كبرت» و«مدرسة المشاغبين» و«شاهد ما شافش حاجة»، لم تتضمن أيّ إيحاءات جنسية، وكان الناس يضحكون ملء قلوبهم، وهي أعمال عاشت لسنوات وما زالت. برأيي، إنّ اختراع الكوميديا التافهة واعتماد الايحاءات الجنسية ما هو إلا دليل ضعف لدى الكتّاب أو استسهال الأمور، بحيث أن أحدهم إذا أراد إضحاك الناس يذهب فوراً إلى النكته البذيئة، وهذا أمر موجود في الحياة اليومية للأسف. أنا لا أنكر أنني في «إربت تنحلّ» كنّا نعتمد بعض التسميات التي تأخذ المُشاهد إلى مكان محدّد مثل شخصية «صوفيا» وعلاقتها ببعض السياسيين لنقول هذا مستواهم، وكذلك شخصية «صبري» وضعها الناس في خانة محدّدة.
لكن المشهد يختلف على شاشة «المنار»، وعن ذلك يقول عبد الساتر: الطرح يختلف كلّياً على شاشة «المنار»، حتى إذا لاحظت لا امرأة في فريق العمل، لا لأن «المنار» لا تريد ذلك، إنما لقناعتي أن الأنثى أكبر من أيّ إطار كوميديّ آنيّ. إذ إنّ وجودها في معظم الأعمال الكوميدية التي تشهدها الساحة يرتبط بشكلها فقط، لتأتي صورتها رخيصة أو سطحية أو مغرية. وإذا ما نظرت جيداً سترين أن قلة من الفنانات برعن في الكوميديا خارج هذه الدائرة، ومعظم ممثلي الكوميديا من الرجال. في الماضي كانت فريال كريم حالة استثنائية، وبرأيي لم تتكرّر. من هذا المنطلق أفضّل أن يبقى الفريق كما هو الآن في «أول ع آخر» ولا يتّهمنّ أحد «المنار» باستبعاد المرأة. إذ إن عدداً من الأعمال الدرامية التي عرضتها القناة كانت المرأة حاضرة بقوّة كما يليق بها أن تكون.
أما عن مواكبته الحدث السياسي من خلال لوحاته التي تُعرض مساء كلّ جمعة فيقول: يمكن القول إنها «مَلَكة»، أو أن التجربة تعلمك، ونحن من الأشخاص الذين يكتبون تحت الضغط منذ بدأنا في هذا المجال. وهذا ما يجعل العمل أفضل ويمنحه النجاح المرجوّ. مثلاً، قد يكون التصوير مساءً، فنحن نكتب النص صباح اليوم نفسه، لذلك نبقى على تماس مع الحدث.
ونسأل عبد الساتر عن احتمال تأطيره في زاوية سياسية محدّدة لمجرّد أنه ملتزم مع قناة «المنار»، فيقول: في الأساس ـ قبل أن أكون مع «المنار» ـ توجّهي مع السياسة التي تؤيدها «المنار»، سواء كنت في «أل بي سي» أو في «أو تي في» أو في أيّ مكان آخر. قناعاتي ثابته وسياستي واضحة ولم ولن أتغيّر.
ونعبر مع عبد الساتر بشكل سريع على محطات سبقت، فيشير إلى أن خروجه من «الجديد» لم يك لأسباب سياسية، بل هو خلاف شخصي مع المخرج. وفي ما يتصل بالمؤسسة اللبنانية للإرسال، فالسبب مادي وكذلك الأمر مع «أو تي في» ومبدأ عصر النفقات. وأكثر من يشعره بالأسف، غياب ميلاد رزق وشربل اسكندر عن الساحة الفنية الكوميدية.
نعود إلى البرنامج الحالي لنسأل عن أهمية الانسجام بين أعضاء فريق العمل فيقول: أنا أبحث عن فريق قادر على العمل بانسجام كامل ويملك صفة الممثل الحقيقي والمحترف. وصدقيني إذا قلت لك إنني لا أكتب نصّاً لممثل لا أحبّه، كما يمكنني تخيل المشهد قبل أن يؤدّيه أيّ ممثل. في «أول عَ آخر» فريق العمل متجانس، ولا ننسى أنه يضم نجمين كبيرين هما بيار جماجيان وأحمد الزين مع احترامي ومحبتي لباقي الفريق.
لكن، هل نجح عبد الساتر في تظهير اللهجة البعلبكية لأنه ابن بعلبك ـ الهرمل؟ يجيب: في مكان ما وصلنا إلى مرحلة استُهلكت فيه اللهجة الجنوبية سواء في المسلسلات أو في الكوميديا مع منير كسرواني وشخصية «أمّ طعّان». واللهجة البعلبكية محبّبة. ففي تلك البقاع والقرى شعب يحبّ المرح والنكات، فلماذا لا نعمل على إظهار هذا الجانب المحبّب؟ من هنا أتت اللوحات التي أقدّمها وأظنّها وصلت إلى الناس كما يجب أن تكون.
يؤكد عبد الساتر أنه وصل إلى هذه المرحلة من دون تخطيط مسبق وهو لم يختر أن يكون كاتب كوميديا، يقول: دخلت هذا المجال بالصدفة، يمكنني القول إنها كانت «فشّة خلق» بعد حرب تموز التي استفزتني وأخي حسين وبدأنا من هذه النقطة. مع الإشارة إلى أننا نملك الحسّ النقديّ منذ الصغر. وكثيراً ما كان والدي يطردنا من الغرفة حين كان يتابع البرامج السياسية بسبب تعليقاتنا اللاذعة. أحبّ أن أشير إلى شهادة أعتزّ بها من رئيس تحرير الغرّاء «البناء» الأستاذ ناصر قنديل، إذ قال لي ما حرفيته إنّه يطلّ على الشاشة أو المنبر ويتكلّم لساعات لإيصال فكرته، بينما أنا بدقائق أتمكن من إيصال الفكرة ومع ضحكة. وهذا التوصيف أعتبره أكثر من رائع.
لا يرى عبد الساتر أنّ جمهور «أول ع آخر» من لون سياسي واحد، بل هو قادر على تحقيق الانتشار. والدليل تفاعل الناس مع الصفحة الخاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهة ثانية، يقول عبد الساتر إنه يملك المقدرة على كتابة الدراما، ولكنه لا يفكر بالأمر الآن، لأنّ هذه المهمة تتطلّب الكثير من الوقت والجَلَد.
ونطلب من كاتب الكوميديا أن ينظر إلى الدراما العربية والمحلية والإنتاج المشترك بعين الناقد، فيقول: بصراحة، الدراما اللبنانية لا تقنعني، وهي لا تشبهنا في ما عدا بعض الإنتاجات التي تناولت المقاومة، إذا نظرت إلى القصص التي تطرحها الدراما المحلية سترين أنها تتحدّث عن مجتمع ثانٍ لا علاقة لنا به حيث أن الجميع يعيشون في القصور، والزحمة تغيب عن الشوارع، والجمال البارز في التسريحة والماكياج، حتى اعتماد الأسماء للشخصيات لا علاقة له بالواقع كي لا يُقال إن الكاتب يميل إلى طائفة معينة. شخصياً، أنا معجب بالدراما السورية كونها تقدّم صورة حقيقية لأيّ واقع. فالكاميرا السورية تدور في العشوائيات إذا تطلّب منها ذلك وفي أيّ مكان يقترن بالدور.
ويضيف في الإطار نفسه: للأسف، هناك اتجاه إلى التسطيح في معظم الأعمال الدرامية اللبنانية، وجزء بسيط جداً من قرينتها السورية. أما في ما يتصل بالإنتاج المشترك فأراه هجيناً وبلا روح، وكذلك يدعو إلى الاستسهال. ما نشهده من انحدار فنّي يُعبّر عن ثقافة مَن يُنتج هذه الأعمال، إذ تصبح الخيانة مشروعة، والأنثى سلعة، إلى ما هنالك من قصص مستوردة لا تشبه مجتمعنا. المشكلة أننا بتنا في زمن أصبح كلّ شيء فيه مباحاً، وكلّ شخص يقدّم نفسه كناقد أو كممثل في فضاء إلكتروني مفتوح للجميع.
ويختم عبد الساتر بالقول: نحن نبذل جهداً مضاعفاً على قناة تمثّل مجتمعاً مقاوماً ويحق لها أن تعتمد رقابة خاصة بنهجها. وفي المقابل نحن كفريق نملك الوعي الكافي لنقدّم مادة فيها المرح الذي لا يخدش العين والسمع، ويكفي أن لوحاتنا شغلت مواقع إعلام العدو الصهيوني، وفي ذلك مقاومة من نوع آخر.
يذكر أنّ برنامج «أوّل عَ آخر» الكوميدي، يبثّ كل مساء جمعة الساعة 8:40 على قناة «المنار»، ويعاد بثه الأحد عند الساعة الواحدة ظهراً. ويقدّمه كلّ من الممثلين: أحمد الزين، بيار جماجيان، محمد شمص، عبدو شاهين وداني حرب. النصوص لنبيل وحسين عبد الساتر، أما الإخراج فتولّاه موريس رزق.