تقرير
تبالغ وسائل الإعلام الغربية كثيراً حين تقول إن أوروبا هي الجهة الأكبر التي تستقبل اللاجئين في العالم. ومع أن القنوات الفضائية والصحف والمجلات تعجّ بصور الآلاف من البشر وهم يعبرون الحقول في المجر وتكتظ بهم قوارب الصيد وهي تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط، فإن الحقيقة غير ذلك تماماً.
هكذا صوّرت مجلّة «فورين بوليسي» الأميركية الوضع في ما يتعلق بأزمة المهاجرين غير النظاميين الفارين من ويلات الحروب أو براثن الفقر في بلدانهم. وتقول المجلة إن الغالبية العظمى من النازحين من أوطانهم يعيشون الآن في دول تفتقر إلى الموارد اللازمة لاستضافتهم، مثل الأردن ولبنان وغيرهما.
فبلد مثل الأردن يملك موارد طبيعية شحيحة، وأرصدة مالية محدودة ومساحة أرضية ضيقة غمرها اللاجئون بأعداد كبيرة، متحملاً بذلك وطأة الحرب السورية والصراع المستمر في العراق. وحده الأردن آوى زهاء 685 ألفاً من النازحين من بلدانهم منتصف 2015، وهو عدد تصفه المجلة بأنه هائل مقارنة بتعداد سكان المملكة البالغ 6.6 ملايين نسمة.
ووفق المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن الأردن يحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث نسبة عدد اللاجئين إلى سكانه بواقع تسعين لاجئاً لكل ألف من مواطنيه. ويسبقه لبنان بواقع 209 لاجئين لكلّ ألف من السكان.
وتركيا الأكبر والأكثر ازدهاراً من الأردن، يعيش فيها حوالى مليوني نازح تقريباً، غالبيتهم تقيم في جزء من هذا البلد يعاني أصلاً من اضطرابات سياسية واقتصادية من جرّاء الحرب السورية والتمرّد الكردي.
ولا يقتصر الوضع على تلك الدول وحدها، فللقارة الأفريقية نصيب من تلك الأزمة. وطبقاً للمفوضية العليا للاجئين، فإن الصراعات الملتهبة في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصومال وأفريقيا الوسطى يعزى لها القدح المعلى في نزوح البشر، والذي من المرجح أن يوازي ضعف تعداد سكان القارة 4.2 مليارات بحلول عام 2050.
وتحتل إثيوبيا في تصنيف المفوضية المرتبة الخامسة في الدول الأكثر استضافة للاجئين في العالم. وتقول «فورين بوليسي» إن العالم قد يشهد قريباً مجاعة في هذا البلد تضرب نحو 15 مليوناً من سكانها.
وتخلص المجلة إلى أن شيئاً من ذلك لا يحدث في أوروبا، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي لديه القدرة على التصدي لهذه الأزمة. لا بل إن «فورين بوليسي» ترى أن التحدّي الذي يمثله اللاجئون قد يكون في حقيقة الأمر بمثابة حافز لأوروبا لتدرك ما فاتها من مهام داخلية ظلت طيّ الإهمال زمناً طويلاً ألا وهي تشديد القيود على حدودها الخارجية، وتعزيز تكاملها السياسي وتبني إجراءات جادة نحو سياسات خارجية وأمنية مشتركة.
فإذا نجحت تلك القارة العجوز في التعامل مع تلك المسائل بما يرضي الناخبين في دولها، فإن من شأن ذلك أن ينفخ روحاً جديدة في فكرة أوروبا الموحدة وحفّز النمو فيها.
وتختم المجلة الأميركية بالقول إن العالم اليوم أصغر من أن يسمح بغرق جزء منه ـ أيّ جزء ـ في الفوضى واليأس.
إلى ذلك، قال عمال الإغاثة في برنامج الرعاية الدولية كير إنترناشيونال في الأردن إن نصف مليون لاجئ سوري يدرسون مغادرة البلاد والانضمام إلى الهجرة الجماعية المتجهة إلى أوروبا، إذا لم يحصلوا على عمل أو مساعدة أخرى.
جاء ذلك بعد مناشدة الملك عبد الله الثاني الغرب مزيداً من المساعدة عندما قال إن بلاده وصلت إلى نقطة الغليان في صراعها لدعم مليون لاجئ قدموا إلى الأردن عبر الحدود الشمالية.
وكان برنامج الرعاية الدولية قد أجرى مسحاً للاجئين في الأردن كشف أن نصفهم يفكرون في المجازفة بمحاولة الذهاب إلى أوروبا لأنهم يفتقدون مستقبلاً بكرامة.
يذكر أن أكثر من 4.5 ملايين سوري فرّوا من بلادهم، وهناك نحو ثمانية ملايين آخرين نازحين داخلياً.
ويقول عمال الإغاثة إن العائلات ترسل الأبناء للعمل بدلاً من البالغين لأن احتمال معاقبتهم أقل إذا قبض عليهم. ويتقاضى هؤلاء الأطفال 60 دولاراً شهرياً، ويقومون بأعمال مثل تنظيف الأرضيات في المقاهي.
وتأمل الأمم المتحدة أن تستغل فرصة انعقاد مؤتمر لندن للمانحين اليوم لجمع 7.7 مليارات دولار لمساعدة أكثر من 22 مليون شخص تأثروا بالحرب السورية.
وقال المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» إن وحشية الحرب وحقيقة أنها تبدو بلا نهاية، تجبر الأسر على مواقف مستحيلة لدرجة أن المزيد من الفتيات القاصرات يتم بيعهن للزواج، والمزيد من الأسر بدأت تتخلى عن أمل العودة إلى ديارها.
وأضاف أن 2.8 مليون طفل سوري خارج المدرسة، والكثير منهم ظلوا من دون تعليم خمس سنوات أو لم يتعلموا على الإطلاق، وهناك 50 ألف معلم فقدوا وظائفهم.