«حماس»… وجدليّة الرأس المزدوج!

خالد العبّود

أمين سرّ مجلس الشعب السوري

في مشهد المواجهة الأخير، من خلال الحرب التي يشنّها كيان الاحتلال على غزة، يبدو واضحاً أنّ حسابات وحيثيات عديدة لم تكن في الحسبان، وأنّ حيثيات لم يكن وارداً ذكرها، أو حتى التعبير عنها، كونها سارت في اتجاهين، الأول اتجاه حسابات العدو ذاته، والثاني في اتجاه حسابات الأصدقاء أنفسهم.

لم يكن وارداً أن تقع المفاجأة على قادة كيان الاحتلال على نحو وقوعها، من خلال الحسابات الصاعدة والحاصلة على مستوى قدرة المقاومة الفلسطينية، لناحية السلاح أولاً، والثقة ثانياً، كما أنّ هناك عمى استخباريّاً لم يكن وارداً أو موجوداً ضمن حسابات العدو ذاته، فالفرق في الحسابات، والغموض والجهل الكبيران بقدرة المقاومة، دلالات مهمّة على عنصر المفاجأة ذاته.

الأصدقاء أنفسهم عاشوا عنصر المفاجأة عينها، ومن خلال العناوين والمعاني ذاتها التي فاجأت العدو نفسه، فعنصر المفاجأة كان قاسياً على الطرفين، لأنّ الطرفين يحتاجان إلى حسابات محدّدة ومعيّنة لإمرار مصالحهما من خلالها، ونعني هنا بالأصدقاء نسقاً معيّناً محدّداً، فثمة من الأصدقاء من استعمل «حماس» في لحظة معيّنة، وبالتالي همْ في حاجة إلى هذا الاستعمال ثانية لترتيب جملة أوراق تعنيهم، مع الأخذ في الاعتبار أنّ مثل هذا الاستعمال يحتاج إلى قدرة ومعرفة حسابية دقيقة، ليكون الاستعمال مثمراً في النهاية.

يُفهم إلى حدّ معيّن عنصر المفاجأة بالنسبة إلى كيان الاحتلال، فثمة قدرة استخبارية تضليليّة مارستها المقاومة الفلسطينية، لإمرار جملة عناوين عسكرية وأمنية أدت إلى تمكينها من خلق موازين قوى جديدة امتلكتها المقاومة ذاتها ومكّنتها من تسجيل جملة نقاط مهمّة على مستوى حيثيات المعركة والمواجهة ومفرداتهما، ما أدى إلى إفشال كثير ممّا أرادته قيادات كيان الاحتلال، وما دفع في اتجاه تشكيل خرائط جديدة لناتج اشتباك لم يكن في الحسبان.

كما أنّ عنصر المفاجأة بالنسبة إلى الأصدقاء أعاد ترتيب، أو تطلّب إعادة ترتيب أوراق الأصدقاء، والأصدقاء هنا مفهوم ملتبس تماماً، فنحن نعني به من أراد أن يكون إلى جانب المقاومة خلال مرحلة إمرار «الربيع العربي»، عندما حاولت أنساق من المقاومة الفلسطينية أن تنحاز صوب عناوين جديدة صاعدة ذات علاقة بالـ»الأيديولوجيا» وبالجذر النظري الذي شكل فصائل محدّدة من مكوّنات المقاومة، فثمة أولويات تبدّلت، وصعدت أولويات جديدة جعلت من المقاومة جسداً بارداً إلى حدّ بعيد، كون هذه البرودة عُبّر عنها سياسياً من خلال قادة «حماس»!

يقول الواقع إنّ قيادات الصف الأول من «حماس» عملت على أن تكون في مكان آخر، إذ ظهرت تلك الأولويات الجديدة في ظلّ تغيّرات وتبدّلات مهمة، رافقت «الربيع العربي»، لكن هناك أسئلة بارزة في هذا السياق، وفي ظلّ هذه التبدلات الجديدة: أين كانت المقاومة، أو فلنقل، الجسد المقاوم في «حماس»؟

يبدو جليّاً أنّ المقاومة بمختلف أنساقها طوّرت نفسها جيداً، ولم يكن ذلك مقتصراً على فصيل دون آخر، حتى أنّ التطوّر كان متجانساً جداً ويوضح أنّ جهة بعينها أو نسقاً بعينه كانا وراء هذا التطوّر أو هذه القفزة، لناحية الضلع المسلح في جسد المقاومة، وهذا دليل على أنّ شيئاً لم يتغيّر، أي أنّ الضلع العسكري لـ«حماس» لم يتأثر نتيجة موقف الحركة مما حصل أخيراً على مستوى المنطقة، رغم أنّ ضلعها السياسي أضحى في مكان آخر.

هذا يدلّ على أنّ هناك مشكلة مهمّة في «حماس»، وهي أنّها أكثر من «حماس» واحدة، فهناك «حماس» في المعنى السياسي، وهناك «حماس» في المعنى العسكري، ويبدو أنّ مسافة التباين بين هذين الضلعين كانت واضحة، أو تجلّت واضحة خلال تلك المواجهة، وذاك دليل إضافيٌّ على أنّ «حماس» لم تُلحق بقياداتها، بالمعنى السياسي والعقائدي، خاصة عندما انزاحت هذه القيادة كي تصبح جزءاً من مشروع عدوانيّ على مقاومة المنطقة.

يبدو واضحاً أيضاً أنّ نسق المقاومة ذاته لم يشأ أن يلعب على هذا التباين أو هذا الانزياح سلباً، إذ أبقى على معادلة «حماس» موجودة وحاضرة، وقد أدرك جيداً أنه ليس من المفيد أنّ تتمّ هزيمة جزء من قيادات «حماس» التاريخية، لأنّ الهزيمة بحدّ ذاتها سوف تفيد العدو بالتأثير سلباً في «حماس»، وبالتالي في المقاومة، ثم في الشعب الفلسطيني أخيراً، وهذا ضارّ جداً بمشروع المقاومة الفلسطينية.

إذن، يبدو واضحاً أنّ «حماس» تعيش جدلية ازدواجية الرأس، وهذا ما سوف يقود إلى خطوات جديدة يمكن أن تؤثر سلباً في نتيجة المواجهة أو المعركة، لأنّ رأساً في «حماس»، ونعني به الرأس السياسي، سوف يحاول البعض استغلاله لإنهاء المواجهة بالشكل الذي يخدم مصالحه، وما سيؤدي إلى آلية «صرف» لناتج المواجهة لا يرقى إلى تضحيات الشعب الفلسطيني، وهذا يستلزم فعلاً إضافياً سياسياً يجعل بعض رؤوس «حماس»، في رأسها السياسي، في أماكن مختلفة عن تلك التي هي فيها الآن!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى