الردّ الروسي أثبت سقوط الأحادية الأميركية وفاجأ الرؤوس الغربية «الحامية»
حسن سلامه
بعيداً عن تفاصيل الصراع الدائر في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم، يبقى السؤال حول أفق العلاقات الروسية ـ الأميركية، وهل يمكن الوصول إلى تفاهمات في شأن القضايا الساخنة على أكثر من ساحة إقليمية ودولية، بعد الحدث الأوكراني، وفي ضوء انسداد أفق الحل السياسي في سورية؟
وفق المعطيات التي تملكها مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما متردداً قبل انفجار الأزمة الأوكرانية في الذهاب بعيداً نحو إنجاز تفاهم شامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل إن تردده في إنجاز هذا التفاهم فسح المجال أمام معارضيه ليس داخل الإدارة الأميركية فحسب إنما أيضاً داخل كيان العدو «الإسرائيلي» وبعض الإدارات الغربية، لمحاصرته ومنعه من الذهاب بعيداً في التفاهم مع الروسي، خاصة بعد تراجعه عن عدوانه ضد سورية واندفاعه نحو إنجاز الاتفاق مع إيران.
بدا واضحاً أن بعض الدوائر القوية التي تضمّ المحافظين الجدد مع آخرين في وزارة الخارجية الأميركية، بالإضافة إلى دوائر غربية في فرنسا وبريطانيا ودول غربية أخرى تحوي مجموعات فاشية، استغلت ما حصل في أوكرانيا ليس لإطاحة الرئيس الأوكراني المنتخب ديمقراطياً فيكتور يانوكوفيتش فحسب، بل لدفع الرئيس الأميركي إلى التشدد في سياسته مع روسيا، فهؤلاء على دراية تامة بأن موسكو لن تسمح بوصول التدخل الغربي إلى داخل البيت الروسي، لأن الرئيس بوتين وإدارته يعتبران أن المعركة في سورية مصيرية بالنسبة إلى الدور الروسي في العالم، خاصة في الشرق الأوسط، ولا يقبلان وصول المعركة إلى داخل البيت الروسي، فكان الرد حاسماً من جانب بوتين على التدخل الغربي الذي يمس المصالح الروسية مباشرة.
هنا يبرز سؤال: لِمَ هذا الهجوم من جانب الدوائر المؤثرة في واشنطن والغرب في هذا التوقيت تحديداً؟
في المعلومات التي استقتها المصادر الدبلوماسية من دوائر عربية وأوروبية متفرقة أن الهدف من الهجوم الغربي على روسيا ثلاثيّ:
أولاً، إن المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية ومعهم دوائر متطرفة في الغرب لم ترق لهم الإنجازات التي حققها الرئيس الروسي وإدارته في العالم من خلال إسقاط الهيمنة الأميركية الغربية على العالم، فكان الهجوم عبر الساحة الأوكرانية لإضعاف روسيا وإشعارها بأنها غير قادرة على تشكيل ثنائية مع الصين وإيران في وجه الولايات المتحدة والغرب.
ثانياً، أرادت الدوائر الأميركية والغربية توجيه رسالة إلى الروسي بأنها تستطيع الرد على الدعم الروسي لسورية، من خلال الجبهة الأوكرانية، وظنّت أن موسكو ستضطر إلى التعامل مع الواقع الجديد في أوكرانيا والحصار للدور الروسي.
ثالثاً، إن تفجير الأزمة في أوكرانيا رمى إلى دق إسفين في العلاقة بين الرئيسين الروسي والأميركي، وحصل ذلك إلى حد بعيد.
إلاّ أن المصادر الدبلوماسية تؤكد أن الرد الروسي خالف توقعات الدوائر المحافظة في واشنطن والغرب، بل فاجأ تلك الدوائر على عدة جبهات أبرزها:
1 ـ رد موسكو الحاسم على الانقلاب في أوكرانيا ومحاصرته بالخطوات السريعة لإعادة القرم إلى السيادة الروسية عبر استفتاء.
2 ـ اتخذت روسيا مواقف أكثر تشدداً في شأن الأزمة السورية، بما في ذلك تزويد سورية الأسلحة النوعية لمواجهة «الحرب الإرهابية» التي يقودها الغرب ضدها.
3 ـ لوّحت موسكو للغرب بإقامة قواعد عسكرية في دول قريبة من الولايات المتحدة مثل كوبا وفنزويلا وغيرهما.
4 ـ أظهرت روسيا قدرتها على إعاقة المفاوضات بين إيران والغرب حول الملف النووي الإيراني، في حين تمهد واشنطن لإنجاز الاتفاق الذي يسهل لها الانسحاب من أفغانستان ويطمئن حليفتها «إسرائيل».
5 ـ ما حصل من عمليات ضد دوريات «إسرائيلية» في الجولان وقصف للمستعمرات من داخل قطاع غزة لم يكن بعيداً عن الإيحاء الروسي بامتلاك الكثير من الأوراق رداً على الهجوم الغربي في أوكرانيا.
تدلّ المؤشرات في أكثر من ساحة إقليمية ودولية على أن الصراع بين روسيا وحلفائها من ناحية، والولايات المتحدة ومن معها في الغرب و«إسرائيل» يتجه نحو مزيد من السخونة، خاصة على مستوى الأزمة السورية، ووفق «اشتدّي أزمة تنفرجي».