بغداد بحاجة إلى تحالفات جديدة لإلحاق الهزيمة بـ«داعش»
عمّان ـ محمد شريف الجيوسي
ساهمت المقاومة العراقية التي نشبت بعد احتلال العراق من قبل المستعمر الأنكلو أميركي ومن معهما من الحلفاء عام 2003، في إشغال الغرب عن التفكير بغزو سورية، التي رفضت تلبية مطالب واشنطن التي حملها وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول في حينه إلى الرئيس السوري د. بشار الأسد، والمتضمّنة المشاركة في حصار العراق وإخراج المقاومة الفلسطينية من أراضيه الخ.
ونذكر أنه تتابع على سورية بعدها سلسلة ضغوط لتركيعها وصدرت قرارات أميركية مثل قانون معاقبة سورية!، بل وصدرت قرارات من مجلس الأمن تواكب السياسة الأميركية حيث لم تكن روسيا والصين بعد قد شبّتا عن الطوق الأميركي.
وأن ما يحدث في العراق في جانب منه يشبه ما حدث في سورية في أعقاب غزو العراق .. وبخاصة اعتباراً من آذار 2011، كعقاب شديد اللهجة ، وفي كل الأحوال تستغل الأخطاء ليس لتصويبها وإنما للمتاجرة بها ، وصولاً الى ما هو أسوأ من الوضع الراهن في العراق، مثلما كان مطلوبا ذلك في سورية قبل الآن .
سورية في جانب مما حدث لها كانت تدفع ثمن عدم تلبية المطالب الأميركية تجاه العراق، فيما تدفع العراق في جانب مما يحدث لها الآن، عدم تلبية مطالب واشنطن تجاه سورية.
بغض النظر عن الدافع السوري والدافع العراقي، وبغضّ النظر عن الواقع الذي كانت عليه سورية وقت احتلال العراق والآن، والواقع الذي كان عليه العراق وقتها والآن .
لقد لعبت المقاومة العراقية كما دوراً في جعل الإدارة الأميركية تعيد حساباتها المبيّتة بغزو سورية في ذروة الشعور بنشوة الانتصار في العراق.. فيما انعكس سلباً على العراق تقدّم سورية العسكري، ودور العراق الإيجابي في ضبط الحدود مع سورية، وفي تحقيق مرورٍ آمن وسريع لإمدادات إيران الغذائية وغيرها الى سورية عبر الممرات العراقية، لذلك تدفع بغداد الآن في جانب من استهدافها من قبل الدواعش والأميركان ثمن هذا الموقف. ومن الطبيعي بالتالي ان تكون إيران وسورية والمقاومة اللبنانية وكل القوى القومية واليسارية ضد هذا استهداف العراق .
ولكن هل هذه هي الصورة الكاملة لما يحدث، خصوصاً وأن «الدواعش» والسعودية وتركيا وقطر، ليسوا هم فقط أعداء النظام السياسيين الوحيدين؟
أي أن للنظام العراقي خصوماً آخرين ولا أقول أعداء.. هم أقرب إليه من الدواعش وأسيادهم ..هؤلاء الخصوم هم البعثيون والحرس الجمهوري والطريقة النقشبندية.. وهؤلاء عقدياً وموضوعياً أبعد ما يكونون عن «داعش» .. في وقت لم تعد القيادات السنية من مطلق وهاشمي ونجفي إلخ… قيادات سنية مقبولة حتى على صعيد الطائفة السنية، ما يستوجب ظهور قيادات سنية مقبولة شارعيّاً، هي موجودة بقوة بين البعثيين والنقشبنديين والحرس الجمهوري.
إن نهج المحاصصة الطائفية مدمّر حتى لمن يتبناه، ومن هنا نجد أن اتباع النظام السياسي السابق موجود بقوة، لكونه كان بعيداً عن المحاصصة الطائفية، فبعد مرور 11 عاماً، ما زال يحظى بوجود حقيقي في العراق، على رغم قانون اجتثاث البعث، الذي شمل نحو 3 ملايين عراقي بعثي،هم مع أُسَرهم يشكلون قسماً كبيراً من سكان العراق، مع التذكير أن قائمة المطلوبين العراقيين للمحتل الأميركي والبريطاني قبل احتلال العراق، كان 62 في المئة منهم من اتباع المذهب الشيعي العراق، ما يعني على خلاف ما كانت تزعمه آلة الدعاية الأميركية من ان شيعة العراق مضطهدون، زرعاً للفتن، فيما هي الآن تقول العكس، وتتاجر بالسنّة بعد أن زرعت شروخ الفتنة .
الدولة العراقية بحاجة الآن للعودة عن هكذا قانون، اجتثاث البعث للتصالح مع نصف العراق والعراقيين، ومد الجسور معهم ومع الحرس الجمهوري والنقشبنديين الذين هم كطريقة صوفية أقرب للمذهب الشيعي، وستجد الدولة العراقية بين هذه المكونات حلفاء سنّة وشيعة وأكراداً ومن المكونات العراقية الأخرى، بدلاء لمن ينفخون بالمحاصصة الطائفية والإثنية التي أوصلت العراق الى ما هو عليه من اصطراعات، لن يوضع حدّ لها من دون مصالحات وإصلاحات وطنية عميقة .
لا بد من تضييق قاعدة الأعداء وتوسيع قاعدة النظام .. لا بد من كسب البعثيين الذين هم كعلمانيين ليسوا أعداء لأي مذهب، وبالتالي فهم أقرب لكل المذاهب من التكفيريين والوهابيين والاخوانيين، وهم أقرب للدولة من حيث أنهم مع وحدة العراق وعدم انفصال الكرد.
إن قانون اجتثاث البعث يشكل عبئاً على العراق، في حين أن الخطر الحقيقي على العراق هي «داعش» والولايات المتحدة وانفصال الأكراد والوجود الاستخباري التجسسي «الإسرائيلي» وبقايا النفوذ العسكري الأميركي في العراق والسعودية وتركيا.. فلا بد من جبهة تحالفات عراقية جديدة تعيد تشكيل خريطة القوى الفاعلة لإلحاق الهزيمة بالـ «داعشية».