جنون «الخلافة»
تركي حسن
– كثيرة هي الأسئلة التي تتداعى إلى تفكيرنا حول أسباب هذا الجموح المجنون في مجتمعاتنا لاستعادة الخلافة الإسلامية. إذ لا يوجد فصيل إسلاموي يتخذ الإسلام منهجاً ودليل عمل إلاّ ويدعو إليها، سواء كان سلفياً أو وهابياً أو من «الإخوان» أو من «حزب التحرير». وهي في مجملها منتج للاستخبارات البريطانية. ومن هنا يأتي العجب… فالخلافة الإسلامية مطلب للاستخبارات البريطانية منذ إنشائها هذه المكوّنات، وهو الآن مطلب للاستخبارات الأميركية.
عبر رحلة الوعي الإنساني ساهمت جميع الشعوب في بناء صرح الحضارة الإنسانية، فاغتنت منها وأغنتها، ولسنا نحن استثناءً من القاعدة، فقد استلهمنا التراث الإنساني بما يعزز إنسانية
الإنسان وقدسيته، على ما أراد الله سبحانه وتعالى من استخلافه للأرض لتعميرها.
تلقفنا ذلك التراث وأعدنا إنتاجه وحمله أكثر من مرة عبر الرسالات التوحيديّة الابراهيميّة والموسويّة والمسيحيّة والإسلاميّة.
هل لهذا العقل الذي أنتج وحمل ذلك كلّه أن يعجز عن تلقف تجارب اليوم وهو قد فعلها سابقاً؟ وهل مجتمعاتنا غير قادرة على صوغ أنظمة حكم مناسبة لعصرنا ونحن «أمة الاجتهاد»؟
إنّ القوى السياسية الإسلاموية تجد نفسها في حالة عجز عن مواجهة الواقع الراهن، وتشعر بالغربة وعدم القدرة على مجاراة تطور الشعوب، فتقف متحجّرةً تنظر إلى مستقبلها بخوف وريبة. تهرع إلى ماضيها، يشدّها الحنين إلى لحظات زهو فيه فتنعقد الآمال على أنّ الحلّ لقضايا اليوم في العودة إلى تلك الأيام، متجاهلة أنّ تلك الصفحات أنتجها أجدادنا في زمانهم ولزمانهم في لحظة تاريخيّة تحاكي تلك المجتمعات .
هنا تبدو المسألة صعبة جداً لأنّ تفكيرها وسلوكها يعودان إلى تلك الأيام، وترغب في تطبيق أحكام تلك الأيام على واقعنا اليوم، كأنّ الأحكام لا تتغيّر بتغيّر الأزمان، وأنه ليس لعقول البشر اجتراح الحلول. ويذهبون إلى حدّ تكفير حكوماتهم ومجتمعاتهم. ولتحقيق ذلك يذهبون إلى التكليف الشرعي في إعادة المجتمعات إلى تلك الأيام، ينطبق عليهم الفيلم المصري «ما أزال أعيش في جلباب أبي» يتحفوننا باستعادة «الخلافة».
ولكن أين هي «الخلافة»؟
الخلافة هي الخلافة الراشدية للخلفاء الأربعة الذين لم يضعوا فيها نظام حكم معيّناً، فخلافة أبو بكر تختلف في صيغتها عن عمر، وعمر عن عثمان، وعثمان عن علي، وعلي عمّن سبقه.
أما الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية، فليس فيها من الخلافة إلاّ اسمها، وإنّما هي ملكية تورّث للأبناء. ولو أمعنا النظر في تلك الملكيات الخلافة بسلوكياتها وأسلوب قيادتها لوجدناها أبعد ما يكون عن الخلافة وأسسها وشروط الخليفة من تقى وورع وإيمان وعلم وعدل غير مستكرهة أو مسترهبة، والحكم بما أنزل الله. وقرأت كتاباً حديثاً للأستاذ حسن قبلان عنوانه «الحنين إلى الاستبداد». يميط فيه اللثام عن سيرة 11 خليفة أموياً و32 خليفة عباسياً و32 عثمانياً تعاف النفوس عن ذكر أفعالهم، وأكتفي بنموذج من كل مرحلة.
1 – الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الذي لم يؤمن بقرآن ولا بإسلام وهو من مزّق القرآن ورماه بالنبال قائلاً: إذا لاقيت ربك يوم حشر… فقل لله: مزّقني الوليد».
2 – أبو العباس السفاح، الذي قتل من بني أمية ثمانين شخصاً بعدما اعطاهم الأمان، ثم مدّ بساطه على أجسادهم وأخذ يتناول وليمته.
3 – السلطان سليم الأول، الذي قتل اخوته وأبناءهم خوفاً من منافسته على السلطة.
خلفاء لا يحكمون بشرع الله ويقطعون رؤوس لمن الذين يشكّون في آرائهم ويسفكون دماء عشرات الألوف من البشر ويبدّدون الثروة ويتخذون لأنفسهم الجواري. إذن، لِمَ ندعو إلى «خلافة» ونعرف سلفاً ما ينتظرنا من «الخليفة». «خليفة» على صورة ملوك وأمراء الخليج الراهنين، مثل الأسر السعودية والقطرية والكويتية، بما تحفل به من جهل وتخلّف وتبديد للثروة وتحكّم في رقاب الشعب، فلا حرية ولا كرامة ولا حقوق ولا علوم، مع فقر يجثم على الصدور ومواطنين يعيشون في بيوت الصفيح بلا بنية تحتية، وأدعياء دين يفتون لهم على هواهم.
لِمَ هذه الحفلة من الجنون لإعادة هذه «الخلافة»!
– اليوم نستعيد «الخلافة» في أبي بكر البغدادي وإمارة أبي محمد الجولاني عبر القتل والاغتصاب والخراب والدمار وجهاد النكاح والسرقة وأكل الأكباد، وتدمير البنى التحتية وإغلاق المدارس وتدميرها.
«خلفاء» جدد يستعيدون سيرة خلفاء سبقوهم… فانظروا إلى ما تعدنا به الحركات الإسلامية التكفيرية في مقبل الأيام التي لا نأمن فيها على أنفسنا وأولادنا وبلدنا ومستقبلنا… فهلموا نبايع… وافرحتاه!
باحث في الشؤون الاستراتيجية