مقاومة غزّة تمسك بزمام المبادرة
نور الدين الجمال
دخل العدوان «الإسرائيليّ» على قطاع غزة أسبوعه الثاني في ظل معطيات دولية وإقليمية وفلسطينية أقل ما يُقال فيها إنّها تشكّل تواطؤاً على الشعب الفلسطيني لتصفية قضيته المحقة لحساب العدو والكيان الصهيوني المدعوم أميركياً وأوروبياً وبعض العرب، استكمالاً للمشروع الأميركي ـ الصهيوني الهادف إلى تقسيم دول المنطقة العربية وتفتيتها خدمة للأجندة «الإسرائيلية» الاستراتيجية.
مصادر دبلوماسية تعتبر أن ما يحصل حالياً من عدوان «إسرائيلي» على غزة لا يمكن فصله عما تشهده الساحة العراقية في هذه المرحلة، ومعها الساحة السورية، ففي العدوان على غزة دخلت «إسرائيل» مباشرة على الخط بغض النظر عن تعدّد الأهداف التي رسمتها للعدوان، علماً أن المصادر الدبلوماسية تؤكد أن الأهداف غير واضحة بسبب الإرباك الذي أصاب قادة العدو، والدليل توجيه الضربات العسكرية إلى المدنيين العزّل وتدمير المنازل والمساجد على أصحابها، لغياب الهدف السياسي الحقيقي، فالمتعارف عليه في الحروب أن لكل حرب هدفاً سياسياً، بيد أن هذه الحرب على غزة هي حرب عمياء إذ لا يملك قادة العدو السياسيون والعسكريون والأمنيون المعلومات الكافية حول نشاط المقاومة الفلسطينية في غزة بجميع فصائلها، ولذلك صب العدو الصهيوني جامّ غضبه على المدنيين الأبرياء، خاصة على الأطفال والنساء والشيوخ.
ترى المصادر الدبلوماسية أن زمام المبادرة حتى الآن هو في يد المقاومة بمختلف فصائلها، وأن العدوان الحالي سيفشل أكثر من فشله في عدواني 2008 و2012، خاصة مع دخول عناصر قوة جديدة على أرض المعركة في المواجهة مع العدو الصهيوني يمكن تسميتها حتى اللحظة بحرب الصواريخ، طالما أن هذا العدو لم يجرؤ على الدخول في عملية عسكرية برية واسعة ضد غزة، ورغم التهديدات المتكرّرة عن لسان بعض المسؤولين الصهاينة.
تضيف المصادر الدبلوماسية: طالما أن المبادرة هي في يد المقاومة فإن العمل على أي تهدئة لن يتمّ إلا بالشروط التي تفرضها قوى المقاومة الفلسطينية ولن تكون هذه المرة كسابقاتها من اتفاقات الهدنة والتهدئة، علماً أن الكيان الصهيوني لم يلتزم بها، وأن مبدأ التهدئة مقابل التهدئة سقط إلى غير رجعة، فالظروف اختلفت تماماً عن السابق. لذا فإن التحركات الدولية والإقليمية التي حصلت متأخرة انطلاقاً من وهم أن غزة والمقاومة يمكن أن يهزما على يد الكيان الصهيوني، وأنها قد تكون فرصة أمام المقاومة لتقدم تنازلات في مقابل عدم إلحاق الهزيمة بها، هي أوهام سقطت وبدأت الاتصالات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة بالتنسيق مع الدول الأوروبية وبعض دول المنطقة، وتحديداً مصر لتحقيق وقف إطلاق النار بين المقاومة والعدو الصهيوني، ليس كرمى للمقاومة بل لحفظ ماء الوجه لـ«إسرائيل». السيناريو نفسه تكرّر عام 2006 خلال العدوان «الإسرائيلي» على لبنان والذي فرضت فيه المقاومة الإسلامية وحزب الله معادلة جديدة في المنطقة بعدما لقنت الجيش الصهيوني درساً قاسياً وهزيمة نكراء توّجت باتفاق وقف العمليات العسكرية عقب صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي. لكن المقاومة وبحسب المعلومات المتوافرة ليست ضد وقف أعمال العنف وإطلاق النار والتهدئة، إنما بشروط جديدة ليس أقلّها فك الحصار بصورة كاملة عن قطاع غزة.
تشير المصادر الدبلوماسية عينها إلى أن الكيان الصهيوني حاول بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية جسّ نبض القيادة المصرية لناحية عودتها إلى لعب دورها السابق وأن تكون وسيطاً بين المقاومة والكيان الصهيوني والعمل على وقف إطلاق النار إنما بشروط جديدة، ومحاولة ربط الدور المصري بتغطية دولية، بعيداً عن التنسيق مع الجمهورية الإسلامية في إيران التي تدعم المقاومة الفلسطينية بجميع أشكال الدعم طالما هي مستعدة دائماً لمواجهة الكيان الصهيوني وإعادة حق الشعب الفلسطيني. والهدف الأميركي و«الإسرائيلي» من التركيز على منح مصر دوراً وحصره فيها هو إبعاد إيران عن المشاركة في أيّ تسوية مرتقبة.
على صعيد موقف السلطة الفلسطينية ممّا تتعرّض له غزة من عدوان صهيوني عليها، تؤكد المصادر الدبلوماسية أن السلطة الفلسطينية لم تكن على مستوى الحدث في مواجهة العدو لا سياسياً ولا شعبيّاً لجهة ممارستها المزيد من الضغوط على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وعدم إطلاق انتفاضة ثالثة ضد العدوان، بالإضافة إلى عدم تخليها عن التنسيق الأمني مع الاستخبارات «الإسرائيلية»، وهذا الأخطر. كما أن الحكومة الفلسطينية الراهنة لم تكن أيضاً في مستوى الطموحات الشعبية الفلسطينية، فالمواقف الضبابية والمائعة من قِبل السلطة والحكومة تشبه إلى حد كبير مواقف بعض الأنظمة العربية المخجلة مما يتعرّض له الشعب الفلسطيني في غزة من قتل ودمار على يد جيش العدو «الإسرائيلي».