تركيا: «داعش» في مواجهة «العدالة والتنمية»؟
هدى رزق
خسرت تركيا «العدالة والتنمية» حربها على سورية. لم تستطع إسقاط النظام ولا إقامة حكم إسلامي. انتهى حلم أوغلو العثماني ولن تتمكن تركيا من التمدّد اقتصادياً وسياسياً، للعب دور إقليمي يشلّ قدرة إيران على التأثير سياسياً وعسكرياً في المتوسط.
تتحضّر تركيا اليوم للعيش قي جوّ من الأزمات والتهديدات. تنبّأ أوغلو في 12 تموز 2012 إبان محاضرة في أنقرة بأهمية إسقاط الحدود «المصطنعة» بين القامشلي والموصل، وكتب مثقفو «العدالة والتنمية» عن «تركة الرجل العربي المريض» وزوال الحدود. يعتقد «العدالة والتنمية» اليوم أنه في حال تقسيم العراق ستعود الموصل الى تركيا التي تخلّت عنها بموجب اتفاقية عام 1926.
إذن، تتحمّل تركيا اليوم مسؤولية أساسية في تحوّل الحدود السورية مركزاً لـ»القاعدة» والجهاديين المهاجرين، وهي مسؤولة على نحو غير مباشر عمّا جرى من تمدّد واحتلال «داعش» للموصل. تدفع البعثة الدبلوماسية في الموصل، أي نحو 48 شخصاً، بالإضافة الى القنصل العام المحتجزين من قبل «داعش»، فاتورة خلاف الاستخبارات التركية وسياساتها مع هذه الحركة. ومهما برّر داوود أوغلو للمعارضة التركية التقصير في إنقاذ الرهائن، إلاّ أنّ قطعه الزيارة التي كان يقوم بها إلى الولايات المتحدة، عشية سيطرة «داعش» على الموصل، كان دليلاً صارخاً على صحة معلومة تؤكد أنّ الخارجية كانت طلبت من القنصل في الموصل عدم ترك موقعه، لأنّ «داعش» لن تستهدف المصالح التركية ولا تعتبرها عدوّاً لها.
فوجئت أنقرة باحتجاز الرهائن، وذهبت للتنسيق مع نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي كخطوة أولى للتوسط، واتصلت بالناتو والاتحاد الأوروبي لأجل ذلك. كما مُنعت الصحافة التركية من تناول موضوع الرهائن. وفرض القضاء القرار على جميع وسائل الإعلام، بما فيها الإنترنت، لأجل «الحفاظ على سلامة المواطنين الأتراك»، بعدما أحالت هيئة مراقبة الإعلام الملف إليه. وفي حال خرق هذا الحظر يحقّ للهيئة فرض غرامات ثم منع وسائل الإعلام المخالفة من العمل.
تؤكد تصريحات نائب رئيس الوزراء بولنت أرينش خطأ الوجهة الحكومية، إذ رأت أنّ «داعش» لا تستهدف تركيا ولا عداء بين الطرفين. وفيما تتهم قيادات كردية في البرلمان التركي الحكومة منذ العام الفائت، بتقديم دعم لوجستي للتنظيم خلال قتاله ضدّ أكراد سورية في المناطق الحدودية وفي تل أبيض تحديداً، تؤكد اتهامات حزب الشعب الجمهوري تلك العلاقة الملتبسة مع حكومة رجب طيب أردوغان بسبب دعم التنطيم لوجستياً وتقديم العلاج لجرحاه في المستشفيات التركية وتسهيل مرور مقاتليه والتغطية على بيعه النفط الذي يصدّر من المناطق التي يسيطر عليها في سورية الى داخل تركيا، ما يؤمّن لها دخلاً. لكن لماذا تخطف «داعش» مواطنين وموظفين أتراكاً؟ هل من خلاف جذري على العراق وسورية؟
تعود العلاقات بين الاستخبارات التركية وكبار قادة التنظيمات «الجهادية» الى فترة الصراع مع روسيا التي كانت تدعم أرمينيا، وفي المقابل دعمت تركيا الحركات الجهادية في القوقاز عبر أشكال مختلفة من الدعم والتمويل والاحتضان. بعض قادة الجماعات الشيشانية كان يقيم في تركيا قبل قدومه إلى سورية للقتال، وإقامته في تركيا كانت هرباً من ملاحقة السلطات الروسية.
غالبية تلك الجماعات نشأت قريباً من الحدود السورية التركية، سواء في ريف اللاذقية أو ريف حلب، لسهولة الانتقال والتواصل بين الاستخبارات التركية وقادة الشيشان، علماً أنّ معظم هذه الاجتماعات كانت تتمّ داخل الأراضي التركية، فالانشقاقات التي حدثت كانت سبباً لاغتيال «النصرة» أبرز القادة الشيشان الذي انشقّ بعدما استشعر تغييراً في تطوّر الأمور، قد يكون في غير مصلحته. حدث ذلك بعد تحذير الغرب لحلفائه الأتراك والخليجيين من تمدّد الإرهاب وانتشاره حتى حدود أوروبا من ناحية، وبسبب اتفاقات أبرمها الشيشانيون مع «داعش» ودخولهم في مشروعها من ناحية أخرى.
منذ ذلك الحين، تعرّض «جيش المهاجرين والأنصار» ومعظمه من الشيشانيين لهزّات كثيرة كانت للاستخبارات التركية اليد الطولى فيها بعدما بايع عمر الشيشاني «داعش» مع نحو 3500 مقاتل، ليصبح القائد العسكري لـ»داعش» في الشام. واتسمت علاقته مع الطرف التركي بالسوء وعدم التفاهم. يمكن القول إنّ انسحاب مسلحين شيشانيين وأتراك وأكراد إسلاميين من «النصرة» الى «داعش» شكل أزمة أخرى مع الاستخبارات التركية التي لم تستطع ضبط الأمور.
تعتقد فئة من الشعب التركي أنّ وجود «داعش» على حدودها، كما قال أوغلو، يشكل خطراً عليها، لكنها لا تعلم أنّ الخطر أصبح في الداخل التركي. عاد ألوف من الأتراك والأكراد الإسلاميين الذين ذهبوا للجهاد في سورية، وما زال قسم منهم في «دولة الخلافة الإسلامية» يعمل في صفوف «داعش». قلّل الإعلام التركي من أهمية خطر الجهاديين على تركيا، وادّعى أنّ جميعهم أتى من الغرب وسيعود اليه، ولم يذكر ألوف الأتراك الذين انضووا في معارك سورية واليوم في العراق.
في المقابل، وفي ظلّ الانقسام السياسي الحادّ في تركيا، ذهب بعض العلويين الأتراك للدفاع في سورية، وما تفجير المسجد الشيعي إلاّ مؤشر على حالة مذهبية تسود تركيا منذ شروعها في السعي إلى إسقاط النظام في سورية، ما يهدّد الهدوء المصطنع الذي يسود الأجواء السياسية، خوفاً من تأثير ما في الانتخابات الرئاسية وتوجه أردوغان الى قصر شنقايا.