الدكتور بشار الجعفري لـ«البناء»: ثمّة دول بدأت تراجع مواقفها من سورية وتسعى إلى إعادة فتح قنوات الاتصال الدبلوماسي وتنسيق التعاون الأمني
حاورته جودي يعقوب
هو أكثر من سفير وأكاديمي ومتبحّر في السياسة وحقوق الإنسان، إنّه ذلك الرجل القوي ومتّقد الذكاء، والمتحدث اللبق والنشيط، والحريص على مصلحة بلاده، من خلال تصدّيه في الجلسات والاجتماعات، لخصومه من الشرق والغرب والعرب، وأيضاً من خلال إيصاله الرسائل العلنية وغير العلنية، إلى أرفع الجهات في المحافل الدولية. تمكّن بحكمته وصلابة مواقفه من الدفاع عن حقوق سورية وكرامتها، هذه الحكمة والصلابة اللتان جعلتا منه لسان الحكومة السورية الأول بعد وزارة الخارجية في دمشق. وبفضل شجاعته، استطاع أن يكتسب احتراماً عظيماً من قبل الجميع، خصوصاً أبناء أمته، فهو يعتبر نابغة في السياسة إذ تمكن من إبراز ثقافته ومطالعاته الرفيعة في كل المناسبات، وهو الذي أحسن ويحسن الصياغة في جلسات مجلس الأمن بلغة أعطت مواقفه أبعاداً معنوية وقوية لأنه يقول الحقيقة بحزم وبصراحة، وبعيداً عن الدبلوماسية في وجه المتآمرين على بلده وشعبه، وعلى مرأى من العالم أجمع.
مندوب سورية في كل المناسبات، جاء من سورية العظيمة التي جسّدت معاني الصمود والحق والخير والجمال في مواجهة التحديات الصهيونية، جاء من شعب يعشق الحرية ويضحّي من أجلها. عملاق المواقف بذخيرة من مخزون تاريخي يقلّ نظيره، ضيّق على تجّار هذا النهج في كل مداخلاته السياسية في أروقة الأمم المتحدة، وتتجلّى العبقرية السياسية بأسلوبه الأدبي الذي يمزج فيه بين الفكر والسياسة. لذلك تبوّأ مكانة كبيرة سياسياً إلى جانب قائمة طويلة من النشاطات السياسية والدبلوماسية والإنسانية.
إنه الدكتور بشار الجعفري الذي التقته «البناء» وأجرت معه حواراً غنياً، فتحدّث بحركات يديه وإشارات عينيه، وابتسامته وحنكته السياسية، وبتواضعه المميز وصوته العميق، ووطنيته التي لا تحدّها حواجز ولا تخوم.
على ضوء الإنجاز السوري في الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس بشار الأسد، ما هي رؤيتكم للحركة الدبلوماسية المعادية لسورية في المدى الدولي؟ وهل تتوقّعون تصعيداً بعد الإخفاق في إجهاض هذا الاستحقاق؟
أودّ بدايةً أن أشير إلى أن الانتخابات الرئاسية هي استحقاق وطني سوري يندرج ضمن إطار السيادة السورية، وبالتالي ضمن هذا المنظور الدستوري السيادي، فإنه لا يحق لأيّ دولة أو هيئة إقليمية أو دولية التدخّل فيه. حاولت أطراف دولية عدّة كانت تراهن على الدفع باتجاه تطبيق نظرية «الفوضى الخلّاقة»، عرقلة هذا الاستحقاق من خلال الزعم بأنه يمثل تقويضاً للحل السياسي ويتعارض مع بيان «جنيف 1» المؤرّخ في 30/6/2012. وفي الواقع، فإن مواقف هذه الأطراف هي التي تتعارض مع بيان جنيف الذي يؤكد ضرورة الحفاظ على المؤسسات الدستورية، وهو أمر أشرت إليه في بياني الأخير أمام مجلس الأمن بتاريخ 26/6/2014. كان هدف هؤلاء إيجاد فراغ مؤسساتي ودستوري في الجمهورية العربية السورية، يفتح الباب أمام إضعاف الدولة السورية التي بقيت صامدة زهاء ما يزيد عن ثلاث سنوات من الاستهداف الشرس الذي تعرّضت له، وبالتالي استنزاف مؤسساتها الدستورية وتحويل سورية إلى «دولة فاشلة»، بما يزيح عن كاهل القوى الغربية وعملائها الإقليميين «وزر السيادة»، كما هو وارد في ميثاق الأمم المتحدة.
أما بالنسبة إلى سؤالك المتعلق بالحركة الدبلوماسية المعادية لسورية، فإن موقع سورية الجيوبوليتيكي وضعها دوماً في مواجهة تحدّيات جسيمة، وإن ما تتعرّض له سورية اليوم له بعد داخلي، إلا أن هذا البعد محدود جداً إذا ما قورن ببعد الأزمة إقليمياً ودولياً. إذ لا تزال بعض الدول النافذة المعروفة مكابِرةً في نهجها المعادي لسورية الذي يخدم مشاريعها الرامية إلى الهيمنة وخدمة مصالح حليفتها «إسرائيل» في المنطقة، مستخدمةً في سبيل تحقيق ذلك كلّ الأدوات الإقليمية المتاحة. ويتجلّى هذا السلوك المعادي، المغلّف بقناع «الحرص على الشعب السوري»، بدعم الإرهاب الذي يعاني منه السوريون، والذي أضرّ كثيراً بممتلكاتهم وبالمنجزات التنموية والبنى التحتية التي أرساها الشعب السوري على مدى عقود طويلة من الزمن منذ عهد الاستقلال. وكذلك من خلال فرض التدابير القسرية أحادية الجانب التي ألقت بظلالها وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، وعلى وضع السوريين المعيشي وقدرتهم على تأمين متطلبات حياتهم اليومية كالغذاء والدواء والمازوت، والمتاجرة بالوضع الإنساني للشعب السوري من خلال عقد مؤتمرات دعائية استعراضية لما يسمى بـ«المانحين»، تعلن خلالها بعض الدول، المنغمسة أساساً في تصدير الإرهابيين إلى سورية وتمويلهم وتسليحهم وتدريبهم والتغطية على أنشطتهم الإجرامية إعلامياً، تعهّدات ومساعدات للشعب السوري لا تفي إلا بجزء ضئيل منها.
بالمقابل، فإن بعض الدول أصبحت تدرك الأخطاء التي ارتكبتها في التعامل الدولي مع الأزمة السورية، ووجود جماعات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة تسعى إلى زعزعة استقرار سورية وتهديد نسيجها الاجتماعي الوطني الذي تميزت به دائماً، والذي يشكل فخراً واعتزازاً بالنسبة إلينا. بدأت هذه الدول تراجع مواقفها إزاء الوضع في سورية، وتسعى إلى إعادة فتح قنوات الاتصال الدبلوماسي وتنسيق التعاون الأمني، خصوصاً مع تزايد ظاهرة الإرهابيين عابري الحدود أو ما اتفق على تسميته بـ«المقاتلين الإرهابيين الأجانب» والتهديد الذي يمثله هؤلاء على الدول كافة، بما فيها دول المصدر والعبور والمقصد. تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الدول الغربية تحاول، ومن يدور في فلكها، استخدام تسمية «المقاتلون الأجانب» أو «المناضلون» أو «المتمرّدون» أو «الجهاديون» بغية تفادي الاعتراف بالطابع الإرهابي لهؤلاء. وقد نحت الأمانة العامة للأمم المتحدة، للأسف، على هذا النحو أيضاً إذ دأب أمين عام الأمم المتحدة في تقاريره وتصريحاته على اعتبار تنظيمات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة ومدرجة على لوائح الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية، كتنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، بأنها «معارضة سورية مسلحة»، لا بل أن الأمين العام قال في تقريره الأخير الخاص بتطبيق القرار 2139 إنّ الأمم المتحدة عاجزة عن تقديم معلومات موثّقة عن وجود إرهابيين غير سوريين ينشطون على الأرض السورية. وهذا يبرز حجم المغالطات وتجاهل الحقائق التي نقلناها في أكثر من خمسمئة رسالة رسمية إلى أمين عام الأمم المتحدة ورؤساء مجلس الأمن المتعاقبين، كما يبرز تجاهل الأمانة للتقارير الموثقة والتصريحات الرسمية الصادرة عن وزراء خارجية وداخلية عددٍ من الدول في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية وكندا وتونس والمغرب وتركيا ومشيخات الخليج وغيرها من الدول حول ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين قدموا إلى سورية. وبالطبع فإن هؤلاء لم يسقطوا من السماء، بل استقدمتهم ودرّبتهم وموّلتهم وسلّحتهم وسهّلت تسلّلهم عبر حدودنا المشتركة مع الدول المجاورة، كلّ من تركيا والسعودية وقطر و«إسرائيل» برعاية غربية مباشرة. هذه المسألة لم تعد خافية على أحد، وقد بدأت هذه الدول بدفع ثمن ممارساتها الداعمة للإرهاب في سورية، ونحن نتابع العمل من خلال الأمم المتحدة لمساءلتها على ما قامت به من انتهاكات للقانون الدولي والصكوك الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب وإلزامها التعويض للشعب السوري عمّا ألحقته به من أضرار. ولدينا الآن أرشيف متكامل لكافة الجرائم التي ارتكبت فوق الأراضي السورية والأضرار التي نجمت عنها.
رفضت موسكو المقايضة بين فتح ممرات «إنسانية» في أوكرانيا وفتح ممرات إلزامية في سورية. من موقعكم كمدير للدبلوماسية السورية في الأمم المتحدة، ما هو تقويمكم للموقف الروسي وهل ترون أنه سيستمدّ اندفاعة قوية من نتائج الانتخابات الرئاسية السورية؟
منذ بدء ما يطلق عليه البعض اسم «الربيع العربي»، والأحداث المؤسفة التي تعيشها سورية، أدركت القيادة الروسية ما قامت به دول بعينها من استغلال وتلاعب بالمطالب الإصلاحية المشروعة للتدخل وزعزعة استقرار المنطقة العربية وأمنها. البعض لا يحبّذ حتى هذه التسمية، ويستعيض عنها بتسميتَيْ «الشرق الأوسط» و«شمال أفريقيا» اللتين تحملان في طيّاتهما بذور تقسيم الوطن العربي والتباعد بين مشرقه ومغربه.
كان لتجربة التدخل العسكري الغربي في ليبيا أثر كبير في تأكيد سعي دول غربية وحلف الناتو إلى استغلال المطالب الإصلاحية وشعار الديمقراطية البرّاق لتغيير أنظمة بعض الدول غير الحليفة وسياساتها الوطنية بالقوة في الوقت نفسه الذي تقوم فيه هذه الدول بدعم أكثر الأنظمة معاداةً للديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامة المرأة. وبعد فشل محاولات قلب نظام الحكم في سورية بالقوّة من خلال أعمال الجماعات الإرهابية المسلحة، واستبعاد التدخل العسكري، بدأت الدول المعادية لسورية بالسعي إلى التدخل في الشؤون السورية عبر بوابة الشأن الإنساني من خلال توجيه الاتهامات للحكومة السورية بالتقصير، على رغم كلّ ما تبذله الحكومة من جهود، والدعوة إلى إيصال المساعدات الإنسانية عبر حدودنا المشتركة مع دول الجوار على نحو يتعارض مع السيادة السورية والضوابط التي وضعتها الأمم المتحدة ضمن القرار 46/182 لإيصال المساعدة الإنسانية إلى محتاجيها في حالات الكوارث والأزمات، والتي تؤكد على ضرورة احترام سيادة أراضي الدولة المتلقية للمساعدات واستقلالها وسلامتها، وتوليها الدور الاساسي في عملية إيصال المساعدات إلى محتاجيها.
لقد تميّز الموقف الروسي باستمرار بالحكمة والثبات، الأمر الذي حدا بالغرب لمحاولة الضغط على روسيا في أوكرانيا. الإ أننا على ثقة بأن الموقف الروسي لن يرضخ لأيّ ضغوط، وسيحافظ على موقفه المستند إلى مبادئ القانون الدولي والمواثيق الدولية الناظمة للعلاقات بين الدول، وازداد هذا الموقف صلابة في ضوء تعبير الشعب السوري العظيم عن إرادته خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ما هي قراءتكم لتكرار الفيتو المزدوج الروسي ـ الصيني في وجه المشاريع الغربية ضدّ سورية؟
استخدمت روسيا والصين حق النقض «الفيتو» بشكل مزدوج أربع مرات لإحباط مشاريع قرارات مسيّسة منحازة تتعلّق بالأزمة السورية. يتعلّق الأمر بمشروع قرار غربي طرح على التصويت في 4/10/2011، ومشروع قرار غربي ـ عربي أو بشكل أدقّ غربي ـ قطري ـ سعودي صُوّت عليه بتاريخ 4/2/2012، ومشروع قرار غربي آخر طُرح على التصويت في 19/7/2012، وشهدنا بتاريخ 22/5/2014 الاستخدام الرابع لإسقاط مشروع قرار يقضي بإحالة الوضع في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
بالتأكيد، إن الاستخدام الروسي ـ الصيني للفيتو المزدوج لم يأت عن عبث، إنما هو ناجم عن تمسّك هاتين الدولتين بمبادئ القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وإدراكهما المخططات الغربية القائمة على السعي إلى تفتيت الدول من خلال إثارة النزعات الإثنية والدينية والطائفية داخلها، وقناعتهما الوطيدة بأن خسارة سورية معركتها مع الإرهاب الأصولي ستؤدي إلى خسارة العالم بأسره حربه ضد الإرهاب، ومعارضتهما تكرار السيناريو الليبي الذي نلمس آثاره السلبية على الدولة الليبية والشعب الليبي الشقيق بشكل يومي، وكذلك رفضهما اتخاذ مجلس الأمن أيّ قرار يتعامل مع الحالة في سورية بموجب الفصل السابع من الميثاق الخاص بالتدابير العقابية التي تتراوح بين العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري المباشر كي لا تتكرّر مأساة الغزو الأميركي ـ البريطاني للعراق. السبب الأخير الذي لا يقلّ أهمية أيضاً، يتمثل بتشبّث بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن المقدّمة مشاريع هذه القرارات، بمواقفها المنحازة ورفضها التعديلات المقترحة من الجانبين الروسي والصيني التي من شأنها تحسين لغة هذه القرارات وضمان تماشيها مع مبادئ القانون الدولي والنأي بها عن التسييس وازدواجية المعايير.
يمثّل هذا التناغم الروسي ـ الصيني في مجلس الأمن فاتحة مرحلة جديدة تعيد التوازن المطلوب والبعد الأخلاقي إلى الساحة الدولية، وتضع حدّاً لممارسات الأحادية القطبية التي حاولت الولايات المتحدة الأميركية تكريسها للهيمنة على العالم ومقدراته من دون وازع، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك الكتلة الشرقية.
لطالما استُخدمت الأمم المتحدة كمنظومة للتدخل على حساب قضايانا القومية. هل ترون متغيّراً في ذلك تأسيساً على القضية السورية؟ وما هي رؤيتكم للعوامل التي تلعب دوراً في هذا المسار؟
كشفت الأزمة السورية مدى هشاشة الأمم المتحدة وعمق هيمنة دول معدودة عليها، وقد تجلّى ذلك، كما أسلفت، في التقارير والتصريحات الصادرة عن كبار موظفي هذه المنظمة الدولية، الذين يفترض بهم الحفاظ على مصالح الدول الأعضاء الـ193، لا خدمة مصالح حفنة من الدول النافذة أو أجندات دولهم هم.
لقد آمنت سورية، العضو المؤسّس في الأمم المتحدة، بهذه المنظمة والمبادئ والأهداف التي تضمّنها ميثاقها. وعلى رغم ما أبرزته خبرتنا المتراكمة في التعامل مع الأمم المتحدة إزاء القضايا المتعلقة بالاحتلال «الإسرائيلي» للجولان السوري المحتل والأرضي العربية المحتلة الأخرى من ثغرات ونواقص تشوب عمل الأمم المتحدة، وآليات اتخاذ القرارات وتنفيذها، فقد حافظنا على نشاطنا ضمن هذه المنظمة وتعاونّا مع القائمين عليها. وكذلك كان الأمر خلال الأزمة السورية إذ تعاونت الحكومة السورية مع الأمم المتحدة وسعت إلى إنجاح جهود الوسيطين الأممين كوفي عنان ومن بعده الأخضر الإبراهيمي. واستضافت سورية بعثة مراقبي الأمم المتحدة والبعثة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية وفريق التحقيق في استخدام السلاح الكيماوي الذي شُكّل بناءً على طلب من الحكومة السورية في رسالة رسمية وجّهتها إلى أمين عام الأمم المتحدة. وكذلك استقبال بعثة التحقيق في المزاعم المتعلقة باستخدام مادة الكلورين. كما تعاونت الحكومة السورية مع مكتب الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية المعروف اختصاراً بِاسم «أوتشا» في وضع خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية وتنفيذها في سورية على مدى السنوات الثلاث الماضية وحتى الآن. وهذا التعاون السوري المشهود والمشاد به هو نتيجة إدراك القيادة السورية أهمية الأمم المتحدة باعتبارها المحفل الدولي الوحيد الذي يضمّ جميع دول العالم، ويسعى إلى تنسيق العلاقات الدولية على نحو يحفظ السلم والأمن الدوليين ويجنّب البشرية ويلات الحروب.
بالطبع نحن لا نعوّل على دور الأمم المتحدة في إنهاء الأزمة السورية، إنما نعوّل على وعي الشعب السوري وحرص الأطراف السورية في الحكومة والمعارضة الوطنية على إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع وطننا والشروع في عملية إعادة البناء على نحو يتلافى أخطاء الماضي ويعيد لسورية دورها الأساسي على الساحتين الإقليمية والدولية. أما دور الأمم المتحدة فهو دور مكمّل ومساعد لدور الشعب السوري الأساس.
هل فرضت الانتخابات الرئاسية السورية معادلة جديدة في الرؤية الدولية للحلّ في سورية وما هو مصير جنيف؟
إن ما أبرزته عملية الاقتراع من إقبال جماهيري على الانتخابات التعددية التي تجري للمرّة الأولى في سورية، يؤكد حيوية الشعب السوري وتمسّكه بوطنه وحرصه على سيادته وسلامته. ولا يمكن لأحد تجاهل إرادة الشعب السوري في التعامل مع الأزمة السورية، لا سيما بعد أن شارك الملايين من أبناء هذا الشعب في الانتخابات الرئاسية.
أما في ما يتعلق بعملية جنيف فقد انخرطت فيها الحكومة السورية انطلاقاً من حرصها على الحل السياسي للأزمة وبعد التنسيق مع الجانب الروسي الصديق. لم يكن لدينا أوهام بأن مؤتمر «جنيف 2» سيحقق الحل الذي ينشده السوريون لأسباب عدّة تتمثل في مواقف الدول التي تدّعي زيفاً صداقة الشعب السوري، وتعمل على إطالة أمد الأزمة. المواقف والتصريحات غير البنّاءة للمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي التي تتعارض مع مهمة الوساطة المكلّف بها، حرمان المعارضة الوطنية ومعارضة الداخل من المشاركة في اجتماع «جنيف 2»، وافتقار المعارضة الخارجية الممثلة بما يسمى «الائتلاف» أي شرعية وطنية أو قاعدة شعبية أو سلطة على الجماعات الإرهابية المسلحة التي تنشط في سورية بما فيها تلك الكيانات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة، علاوة على أن احتكار «الائتلاف» الصفة التمثيلية لأطياف المعارضة السورية كان مخالفاً لأحكام بيان «جنيف 1» الذي كان قد تمّ التوصل إليه بتاريخ 30 حزيران 2012، وبالتالي فإن هذا العيب البنيوي في التمثيل كان أحد أسباب عدم وصول عملية الحوار في «جنيف 2» إلى أيّ نتيجة ملموسة.
وعلى رغم كل ذلك، انخرطت الحكومة السورية في مفاوضات «جنيف 2» التي أبرزت هيمنة دول غربية وعربية على ممثلي ما يسمى بـ«الائتلاف» ورضوخهم لمطالب هذه الدول وسياساتها التي لا تريد الخير لسورية ولا لشعبها.
نحن ما زلنا متمسكين بقناعتنا بأن الحوار الوطني الشامل بين السوريين هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة وصنع مستقبل سورية الجديدة بعيداً عن الأجندات التدخلية الخارجية والأطماع الاستعمارية. وقد أثبتت تجربة التواصل والمصالحات الوطنية في مناطق كثيرة كانت متوترة سابقاً، جدواها في إعادة الأمن والاستقرار إلى هذه المناطق وإعادة المهجرين منها إلى منازلهم، ونأمل أن تعمّ هذه المصالحات، وأن ينجح الحوار في إعادة اللُحمة بين أبناء البيت السوري بما يصبّ في مصلحة بلدنا وشعبنا.