في ساحة النجمة… «تشليع لا تشريع»
هتاف دهام
خلت الشوارع المحيطة في ساحة النجمة أمس من الاعتصامات والتظاهرات التي طغت على يومي الثلاثاء والأربعاء بالتزامن مع انعقاد الجلسة العامة.
تحققت مطالب المياومين فأنهوا تحركاتهم. متطوّعو الدفاع المدني الذين شاركوا أمس رمزياً مع اعتصام هيئة التنسيق، ينتظرون الجلسة العامة الأسبوع المقبل ليُبنى على الشيء مقتضاه، أما هيئة التنسيق فتحركها يتوقف على عمل اللجان المشتركة التي تجتمع اليوم في المجلس النيابي برئاسة نائب رئيسه فريد مكاري.
خلت الشوارع من التحركات المطلبية، فتقلصت الإجراءات الأمنية عمّا كانت عليه أثناء الاعتصامات، ما انعكس على حركة السير التي أراحت المواطنين في الوصول كل إلى عمله، بعد أن عانوا الأمرّين من الزحمة التي شهدتها شوارع العاصمة والمحيطة بالبرلمان يومي الثلاثاء والاربعاء الفائتين.
ولما كان للنواب حصة في زحمة السير التي أبدى النائب مروان حمادة انزعاجه منها، على الرغم من أنّ مواكب النواب التي تحمل سياراتهم اللوحات الزرقاء، هي التي تسبّب الزحمة، فإنّ هذه اللوحة الزرقاء لن يعمل بها في وقت قريب، بناء على الاقتراح المقدم من النائب محمد قباني، والذي كان قد صدق عليه، ثم أعيد سحبه بناء على طلب رئيس الحكومة تمام سلام، فأحيل إلى اللجان للمزيد من الدرس.
الأولوية للسلسلة
ولئلا يتكرّر يوم الثلاثاء مجدداً، فإنّ الأولوية في الجلسة العامة هي لسلسلة الرتب والرواتب، كما أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري في ختام الجلسة العامة التي ترأسها أمس. ولما أعلن رئيس المجلس أن «الهمّة» هي همة النواب، أكدت مصادر نيابية في اللجان المشتركة أنه من الصعوبة الانتهاء اليوم من «السلسلة»، فالجلسة مخصصة فقط لدراسة مصادر الإيرادات، وبناء على هذه الجلسة يتحدّد مصير جلسة اللجان المشتركة الاثنين التي بدورها ستحدّد مصير جلسة الاربعاء المقبل، التي دعا اليها رئيس المجلس مبدئياً، لجهة إقرارها للسلسلة، وإحالتها إلى الهيئة العامة.
نيسان للتشريع وأيار للرئاسة
إذن، شهر نيسان هو للتشريع. رئيس المجلس أعطى رئيس الحكومة والوزراء مهلة بين أسبوع وثلاثة أسابيع على أبعد تقدير لدراسة مشاريع واقتراحات القوانين، ليعودوا بها إلى الجلسة العامة للتصديق عليها.
وهكذا، فإنّ الشهر الحالي كما تقول مصادر نيابية في 8 آذار لن يخصَّص للانتخابات الرئاسية، فأول جلسة ستعقد في هذا الخصوص، في شهر أيار المقبل، على الرغم من تلميح الكثير من النواب من مختلف الكتل النيابية، إلى عدم إمكانية إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده، كما ورد على لسان النائب اسطفان الدويهي: «الهيئة ما في انتخابات».
بينما حاول النائب سيرج طورسركسيان جسّ النبض حول اسم النائب روبير غانم كمرشح لرئاسة الجمهورية حين قال لغانم: «فخامتك نحن معك في عهدك».
ولما كان الغموض سيد الموقف حيال الاستحقاق الرئاسي، فإنّ الاستحقاق النيابي، ليس أفضل حالاً، فدرس قوانين الانتخابات النيابية، تأجل البحث بها إلى مرحلة مقبلة، ما يعني أنّ المجلس النيابي، الذي لا يتعاطى مع الانتخابات النيابية على أنها أولوية، أحال طرح اقتراح القانون المعجل المكرّر المتعلق بالانتخابات النيابية «النسبية هي النظام في التمثيل النيابي» المقدم من النائب غسان مخيبر، إلى لجنة الإدارة والعدل. وفي السياق، اعتبر النائب نقولا فتوش في حديث لـ»البناء» أنّ طرح النائب مخيبر الذي سقطت عنه صفة الاستعجال بعد التصويت، هو استباق للقانون الذي تعهّدت الحكومة أنها ستقوم بإنجازه. وبالتالي فإنه لا مجال اليوم للبحث في هذا الاقتراح الذي من المفترض أن يطرح مع قوانين الانتخابات عندما يحين الوقت كدفعة واحدة.
في المقابل، يشير النائب عاصم قانصوه لـ»البناء» إلى أنّ الرئيس بري وعد بأن يُصار إلى وضع اقتراح القانون المتعلق بالانتخابات النيابية على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية ومشروع الحكومة على جدول أعمال الجلسة المقبلة، بعدما كان النائب عن حزب الكتائب سامي الجميل تمنى على الرئاسة ان تضع على جدول أعمال الجلسة المقبلة قوانين الانتخابات النيابية التي تشمل، وفق الجميّل، المشروعين الارثوذكسي والمختلط، لتكون جاهزة وحتى لا يصبح الوقت ضاغطاً قبيل موعد الانتخابات النيابية، التي يبدو أنها مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي. ما كان من الرئيس بري إلا أن ردّ عل النائب الكتائبي بالقول: «إن رئاسة المجلس لا تنحني الا للشرعية والمجلس النيابي، وهي التي لم تقصّر في السعي لقانون الانتخابات الجديد».
ويشير النائب فتوش إلى «أنّ الغاية من اقتراح النائب مخيبر غير معروفة على غرار الكثير من الاقتراحات والمشاريع المقدمة، وما جرى في الجلسة العامة لم يكن تشريعاً بل تشليعاً».
يضيف النائب فتوش: «الحاج علي عمار عـلى راسي في كلّ ما يقوله»، بمعنى أنه يتوافق إلى حدّ كبير مع مواقف نواب كتلة الوفاء للمقاومة الذين اعتبروا أنّ بعض الممارسات داخل الجلسات على مدار الأيام الثلاثة كانت بمثابة استخفاف بالأمور من قبل أعضاء الكتل السياسية، فتلطيف الأجواء مع بعض الكتل ومراعاتها انعكس على أداء نواب هذه الكتل، لا سيما في موضوع مشروع الإيجارات، الذي أقرّ من دون الأخذ بملاحظات نواب حزب الله الأمر الذي خلف انزعاجاً في أوساطه.
بموازاة ذلك، سارت الجلسات في الأيام الثلاثة بهدوء، خرقها سجال وحيد بين النائبين سامي الجميّل وعاصم قانصوه عند طرح اقتراح العماد ميشال عون المتعلق باحتساب المعاش التقاعدي وتعويض الصرف للعسكريين المنتهية خدماتهم خلال سنة 1994، وهو اقتراح يشمل الضباط والعسكريين الذين كانوا معه في 13 تشرين الأول 1990، لتمكينهم من المراجعة امام القضاء والمحاكم، فاعترض النائب نقولا فتوش معتبراً انّ الأمر سقط بمرور الزمن.
وردّ النائب سامي الجميّل بأنه خلال الفترة التي وصفها بفترة «الاحتلال السوري»، لم يتمّ إنصاف ضباط الجيش ولا يمكن الحديث عن مرور الزمن لأنه لم يكن هناك وضع طبيعي، حيث كانت هناك مقاطعة وكان جزء من اللبنانيين مغيّب في تلك الفترة.
فاعترض النائب قانصوه على وصف الجيش السوري بجيش الاحتلال، قائلاً: «الذين يتحدثون كانوا في الحكم وعلى رأسهم حزب الكتائب، لذلك يجب ألا يستعملوا كلمات أكبر منهم». وطلب بري شطب كلمة الاحتلال السوري من المحضر، فاعترض الجميّل على هذا الشطب، مؤكداً أنّ الوجود السوري كان احتلالا بالنسبة الى «الكتائب» وأحزاب مسيحية أخرى، فقال بري: «بالنسبة إلينا لا». ليُحال الاقتراح بعد ذلك الى لجان الإدارة والمال والدفاع على أن تعطى الأولوية لدرسه بعد الانتهاء من سلسلة الرتب والرواتب.
6 قوانين
وبموازاة ذلك، أقرّ المجلس النيابي ستّة قوانين هي: ضريبة قانون الدخل المقدم من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، إعفاء ورثة شهداء الجيش اللبناني والقوى المسلحة من رسوم الانتقال، مزاولة مهنة الصيدلة، الاقتراح المعجل المكرّر الرامي الى تعديل بعض أحكام القانون رقم 243 الصادر بتاريخ 22 10 2012 المتعلق بقانون السير الجديد. كما صدق تخفيض الغرامات المتوجبة على متأخرات تسويات مخالفات البناء، وتخفيض الغرامات المتوجبة على متأخرات الرسوم البلدية، المقدمين من النائب علي فياض الذي اعتبر أنّ إعفاء الغرامات مطلب حاجة عند المواطنين.
في مقابل ذلك، كان الإرجاء والإسقاط والإحالة الى اللجان العنوان الأبرز في جلسة أمس، فأحيل 17 اقتراحاً إلى اللجان المشتركة وبعضاً منها الى لجان مختصة، أبرزها تثبيت الأساتذة المتعاقدين للتدريس بالساعة في معاهد ومدارس التعليم المهني والتقني الرسمية في الملاك التعليمي في وزارة التربية والتعليم العالي الذي أحيل إلى لجنة التربية، اكتساب الأجانب حقوقاً عينية، المقدّم من النائب سامي الجميّل، الذي أكد انّ الهدف منه وقف معاملات البيع بانتظار صدور القانون وتنظيم موضوع تملّك الأجانب، حيث لم يصوّت الى جانبه بصفة العجلة، نواب كتل الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير وتيارالمستقبل، وبالتالي أحيل الاقتراح الى لجنة الإدارة والعدل.
كما أحيل اقتراح قانون الضريبة على القيمة المضافة، الى لجنتي المال والدفاع والداخلية. فيما أحيل إنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، الى لجنتي الإدارة والعدل والمالية، بعدما أكد عدد من النواب أنّ هذا الاقتراح لا يقرّ بصفة معجل مكرّر، بل يحتاج إلى دراسة في اللجان المختصة، لأنه يأخذ في الاعتبار محاكمة الرؤساء. ويبدو أن مصلحة التغيير والإصلاح عدم إقرار هذا الاقتراح الذي اغتاظ منه الرئيس فؤاد السنيورة، في القريب العاجل، لأنه سيعكر صفو العلاقة المستجدة بين الوطني الحر والمستقبل، على أبواب الاستحقاق الرئاسي.
وشهدت الجلسة مداخلة للنائب علي عمار أثناء نقاش قانون السير تطرق فيها الى مسألة تعيين محافظي عكار والبقاع، مناشداً الرئيس تمام سلام في ظل هذه الخطة الأمنية، إعطاء هذه المناطق حقها وتعيين محافظين لبعلبك الهرمل ولعكار، وان يدرج الأمر على جلسة مجلس الوزراء المقبلة، فما كان من سلام الا أن أعرب عن سعادته للتفاعل الفوري والسريع مع ما حصل من تعيينات كان يجب ان تتمّ سنوات، وكنا جميعاً نترقب ذلك بقدر ما هو حاجة وطنية. كلّ ذلك لم يرُق للنائب أحمد فتفت الذي وجد نفسه محشوراً في الزاوية، فنائب بعبدا يطالب بتعيينات لمنطقة عكار، فتوجه الى بري قائلاً: أنت تسمح لنواب من الفئة نفسها بالكلام بالنظام أكثر من غيرهم. فأجاب بري: لا أسمح لك. فما كان من النائب معين المرعبي إلاّ أن وجّه صفعة جديدة إلى فتفت بترحيبه بدعوة النائب عمار وضمّ صوته إلى صوته.
لم يصدّق النواب متى رفع الرئيس بري الجلسة، ليخلوا مقاعدهم، ويغادروا. إلا أنّ مطرقة الرئيس بري أجبرتهم على الانتظار لسماع ردّه على النائب الجميّل في شأن الانتخابات النيابية. هؤلاء هم أصحاب السعادة الذين سيعودون مجدداً الأربعاء إلى مقاعدهم، المقاعد الشاغرة حتى أثناء وجودهم عليها، فالغالبية من هؤلاء النواب يوجدون داخل القاعة باستمرار، لكن لا حسّ ولا خبر.