إعلامنا السوري صباح الخير… هل استيقظت هذا اليوم؟!
توما عبّاس
كلّ ما سأقوله الآن ليس هجوماً على الإعلام السوري ولا تحقيراً له، وليس إنكاراً أنه في بعض الأحيان كانت لديه إضاءات معيّنة، والتي قامت بجهود دافعها وطني وإمكانيات بسيطة جدّاً ما سأقوله الآن هو واقع عشناه وعايشناه من ما قبل الحرب على سورية وحتى الآن بعد خمس سنوات من الحرب.
ولذلك، سأبدأ بالحديث عن مصطلح يرتبط بإعلامنا مثل إعلام دولة. أي إعلام يرتبط بمصالح الدولة. الدولة المجرّدة بدستورها ومواطنيها ونظام حكمها. وقدرتها على إيصال كلمتها إلى الداخل والخارج وتصويب أخطاء الدولة والمسؤول. وإعلام الدولة لا يعني إعلام رئيس ووزير وسفير، أو إعلام مؤسّسة فاسدة حتى نبرّر لكلّ خطأ في الإعلام أنه إعلام دولة، أي إعلام لا يمكن أن يتكلم عن الفساد وعن الأخطاء وعن الجيش. وكونه إعلام دولة، فهذا يجعله إعلاماً بميزانية دولة، أي بإمكانيات خارقة ومساحات واسعة وبإماكنه توظيف كفاءات وقدرات كثيرة لا العكس.
لماذا عجزت هذه المؤسسة الإعلامية حتّى الآن عن القدرة على النهوض بالإعلام؟ من هو السبب؟ ومن الذي يقف وراء هذه النتيجة؟ كان المفروض أن يكون كل خبر مهرجاناً إعلامياً يوجّه العالم أنظاره إليه بشكل يومي. ويوجّه الشعب إليه آماله وأحلامه ومشاكله، خصوصاً أنّ الحرب كانت فرصة غاية في الأهمية لإحداث هذه النقلة النوعية، وإنجاح هذا التوجه. وهذا يعني أمراً واحداً، أنه بالأساس لم تكن هناك نيّة لإخراج الإعلام السوري من قمقمه، وكلّ من يأتي من البوّاب وعامل الخدمة إلى الفنّي والمذيع ومدير الإنتاج والمخرج والوزير، كان يكرّر سابقه ويمشي على خطوط رسمها قبله.
لا أصدّق أنه، وبعد خمس سنوات، لم يُخرج التلفزيون برنامجاً حقيقياً واحداً تتّجه إليه الأنظار دائماً، ويُحدث نقلات نوعية في السياسة والإعلام السياسي. وأنه لم يقم بإخراج برنامج يخاطب العالم بِاسم المواطن والدولة، أو ينال مشاهدة عالية. البرامج كلّها تكرار سخيف لِما قبلها، على رغم توفّر الوجوه السورية المحبوبة على مستوى العالم العربي والعالم، وعلى رغم وجود كفاءات إخراجية ومواهب قادرة على تغيير وجه الكون. لماذا لم نرَ برنامجاً حقيقياً يضيء على الأخطاء في الشارع والسوق والمؤسّسة، أي مؤسّسة، مدنية كانت أم عسكرية، وتوجيه النقض وتعرية تاجر الأزمة ومحاسبة التقصير من أيّ مسؤول سواء كان وزيراً أم رئيس بلدية صغيرة.
هل يعقل أن نشغّل التلفاز صباحاً بحثاً عن تأكيد لخبر قرأناه على مواقع التواصل الاجتماعي كما حدث منذ أيام، وجيشنا يحرز الانتصارات في حلب، لنجد برنامجاً صباحياً يتحدّث عن صحة الطفل والأبراج وربطات العنق وأنواعها؟ وعندما ننتقل إلى محطة إخبارية، نجد إعادة لأخبار اليوم السابق، وحديثاً عن وقائع قديمة في اليمن وليبيا ومناطق أخرى؟ بينما محطات أخرى مثل «الميادين»، تطالعنا بنقل وبثّ مباشرَين لكل ما يحصل، مع مراسلين حاضرين على الأرض، من مدير مكتب «الميادين» إلى عامل الخدمة فيه، كلّهم على الأرض لنقل عمليات التحرير والانتصارات بالتواصل مع الأقمار الصناعية، وحديث مع خبراء عسكريين وسياسيين وغيرهم. فهل تخيّلتم شعوري مثلاً، وشعور أيّ مواطن آخر، وأنا من أملك إيماناً بصدق دولتي ومحطتي الوطنية، ولا أريد خبراً من محطة لا أعرف بالضبط متى ستنقلب عليّ وعلى دولتي، ولا أملك إيماناً كاملاً فيها. وفي حين كان الجيش يحرز تقدّمه الذي يُتابع أثره في جنيف وعلى الوقع السياسي في جنيف، كم كان جميلاً ربط الصورة وتنصيف الشاشة بين انتصارات حلب وانتصارات جنيف واجتماعاتها، لإعطاء صورة كاملة عن أنّ الميدان لنا وستكون لنا القرارات السياسية؟
وردّاً على من يقول إن التلفزيون لا ينقل الصورة حتى لا يعلم المسلّحون تخطيط الجيش، سأقول له: «ليش يعني ما بيجي إلا تردّد سورية عند المسلحين؟». الأرض كلها تحت مجاهر الأقمار الصناعية وحتى باطن الأرض وأعماق البحار، وقسم كبير من هذه التكنولوجيا وُضع لخدمة هؤلاء، ولا تنتظر المجموعات المسلحة التلفزيون السوري ليخبرها عن مواقع الجيش ولا عن تحرّكاته.
للأسف، لم ينجح الإعلام الحربي السوري ولا الإعلام على الأرض، على رغم أنّه قدم شهداء في هذا المجال، وعلى رغم الجهود الفردية الجبّارة، لم ينجح التسويق الإعلامي على رغم الإمكانيات المادية الكبيرة، ولم ينجح التلفزيون في خلق وجوه جديدة وتنمية إمكانيات أو تحقيق نتائج مهمة ولا على أيّ صعيد لم ينجح إلا في صرف الأموال الطائلة على المسلسلات الشامية القديمة التي تعكس واقعاً مغايراً لِما كان يحدث في ذالك الزمن، وتكذب في واقع المرأة والرجل والعلاقات الاجتماعية. ولمن يريد أن يتأكد، ليشاهد أحد مسلسلات «غوّار» مثل «حمام الهنا» و«فطوم حيص بيص» صاحبة الأوتيل التي ترتدي ملابس ملونة وأنيقة وتضع شالاً بسيطاَ ويسعى الجميع إلى كسب ودّها. أليست هذه مسلسلات شامية أيضاً؟
لم ينجح الإعلام السوري إلا بصرف الأموال على برامج من دون فائدة، ومراسلين من دون أخبار. هناك الكثير في المؤسسة الإعلامية السورية لنقده لكننا سنتركه لوقت آخر، من باب الغيرة على الإعلام السوري في حرب عالمية يلعب بها الإعلام دور رأس الحربة. فلا تلعبوا حربكم بحربة مكسورة. استيقظوا باكراً فلكلّ صباح وقع انتصار جديد.