الدول المعادية لسورية تقامر بورقتها الأخيرة؟
جمال محسن العفلق
تمّ تصنيع وفد الرياض وكانت الضوضاء حوله أكبر بكثير من حجمة وفعله، فهذا الوفد الذي تمنّع عن الحضور ومن ثم أعلن أنه يفكر ليزيد الإضاءة الإعلانية والإعلامية حوله، وصل الى جنيف وكلّ أمله بالحصول على غرف واسعة في الفنادق، وتسهيلات تنقّل تتيح لأعضائه السياحة والتسوّق قبل وبعد المحادثات التي وضع عليها شروطاً مسبقة لنسفها، كما أنّ الرياض وأنقرة لم تستعجلا إرسال الوفد بانتظار أخبار من الميدان تعزز موقف الوفد، وتجعل أعضاءه أكثر قوة أمام عدسات الإعلاميين، ولكن فكّ الحصار الظالم عن مدينتي نبّل والزهراء وتوسّع رقعة سيطرة الجيش والقوات الحليفة في حلب ودرعا دفع المشغلين إلى سحب الوفد من التفاوض والمحادثات التي لم تبدأ أصلاً.
ما قاله وفد الرياض تحديداً لم يكن يحمل أيّ عنوان رئيسي أو فرعي، إنما مجرد كلام عام لا يعني الشعب السوري بشيء، أما الحديث عن الإرهاب فكان أبعد ما يكون عن لغة الوفد، ولا يمكن للمرء أن يصدّق أنّ داعم الإرهاب والمستفيد منه يريد محاربته.
في وقت اشتعل فيه الميدان الشمالي، وتراجعت الجماعات الإرهابية وكان العجز واضحاً لدى داعمي الإرهاب في مدّ يد العون للفصائل الارهابية، وتمّ تحرير نبّل والزهراء، واستكمال السيطرة النارية للجيش السوري والقوات الحليفة له على مدينة حلب.
تزامن ذلك مع توسّع رقعة الانتصارات في الجنوب وإخراج المسلحين من الشيخ مسكين في درعا، فقرّرت دول تحالف العدوان على سورية كشف الورقة الأخيرة بالإعلان عن إرسال قوات برية، أو الاستعداد لفعل ذلك، وتركت تلك الدول لنفسها مساحة استدارة صغيرة بعبارة إذا توافق التحالف الدولي!
هذا الإعلان الصريح للحرب على سورية والدخول المباشر لم يكن وليد اللحظة، إنما هو رغبة أعلنها تحالف العدوان على سورية أكثر من مرة، وعملياً تشير التقارير الأمنية إلى وقوع عدد لا بأس فيه من عناصر تلك الدول في الأسر، وخصوصاً في مناطق الشمال، حيث كانت تلك الدول ترسل ضباطاً ومجموعات صغيرة الى الميدان. حدث ذلك في معركة جسر الشغور حيث دفعت تلك الدول بمجموعة متخصصة محمّلة بصواريخ مضادّة للدروع، كما سهّلت تركيا حينها دخول قطعان المرتزقة لإتمام تدمير المنطقة وإعلان السيطرة عليها، وبالتعاون مع البيئة الحاضنة للإرهاب والتي تعيش اليوم على الحدود التركية تنتظر السماح لها بالهرب والاختباء.
هنا يجمع المحللون على أنّ ما أعلنته تلك الدول ليس أكثر من حرب نفسية ومحاولة رفع معنويات لمن تبقّى من الجماعات الإرهابية، عبر إيهامها بأنّ المدد قادم والمسألة هي مجرد وقت لا أكثر ولا أقلّ.
ولكن ماذا لو نفذت تلك الدول تهديدها هذا ودخلت بقواتها البرية؟ هنا تكون الولايات المتحده قد ورّطت هذه الدول بالفعل في حرب لا طاقة ولا قدرة لها عليها، فإشعال الحرب ممكن ولكن من يضمن عدم انتشار النار؟ ومن يضمن لتلك الدول الانتصار على أرض لا تعرفها ولا تستطيع البقاء فيها إنْ دخلتها.
إنّ هذا الدفع باتجاه التصعيد يثبت للمرة المليون أنّ داعمي الحرب على الشعب السوري لا يعملون وفق برنامج سياسي وأهداف واضحة، إنما ينفذون ما يُطلب اليهم من دون إدراك لحقيقة ما بعد التنفيذ، فالحرب التي تلوّح بها تلك الدول لن تكون أشدّ ألماً على الشعب السوري الذي أكمل عامة الخامس صامداً في كلّ الميادين، رغم الحصار والعقوبات، ورغم كلّ أنواع الدمار التي تحيط به، فالقضية اليوم ليست مسألة موالين ومعارضين كما يريد البعض تصويرها، إنما هي قضية وطن يكون أو لا يكون…
لقد تجاوز الشعب السوري هذا النوع من الحرب النفسية، فلو نزل أيّ باحث الى الشارع وسأل الناس عن تلك التهديدات لاكتشف ما لا يمكن أن يتوقعه، فقد تلقى الناس التهديدات العسكرية تلك بالسخرية والاستهجان، وهناك نسبة كبيرة لم تسمع بتلك التهديدات لأنّ هذا الأمر لم يعد يعنيهم ليس إهمالاً، إنما ثقة بالنفس وثقة بانتصارات الجيش السوري الذي
ما زال يقدّم الشهداء والتضحيات، ويحقق الإنجازات ويرسم خطوط عمل الموفد الدولي دي ميستورا الذي وقف عاجزاً أمام انتصارات الجيش وتبدّل الواقع الميداني حيث وجد مخرجا له بإيقاف التفاوض وتأجيله إلى وقت يعتقد أنه كاف للمعارضة لتحدث تغييراً ما على الأرض.
اليوم… وبالرغم من الحاجة إلى الحوار السياسي، إلا أنّ الأولوية هي للميدان، ولا يمكن للحكومة الدخول في مفاوضات مع جماعات إرهابية تسيطر على مربّع هنا أو هناك، وتفرض شروطاً على دولة ذات سيادة. وإذا كان السيد دي ميستورا خضع لابتزاز أو ضغط ما لإقصاء معارضين وتقريب آخرين، فعليه أن يعيد الحسابات في مسألة تحديد مَن يمثل الشعب السوري على الأرض.
المسأله ليست استعراض عضلات أو تلاعباً بالكلمات، كما يريد إعلام ونشرات ما يُسمّى ائتلاف الدوحة الخائن تصويرها، إنما هي حرب دفاع عن وطن وحماية وطن وإعادة بناء وطن، فاختلاف الدول المانحة وتردّدها في صرف ما عليها من مستحقات للشعب السوري قضية ليست ذات أهمية بالنسبة إلى السوريين، إنما ما يعني السوريين بالفعل تفعيل القرارات الدولية وخصوصاً التي تتحدّث عن وقف دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية وتقديم المال والسلاح لها، ورفع الحصار الدولي عن الشعب السوري، أما تحديد مَن هي الجماعات الإرهابية فالأمر أصبح محسوماً بالنسبة إلى الشعب السوري فهو على علم كامل بالفصائل الإرهابية ومن يموّلها ولصالح من تحارب.
ولهذا كله قرّرت الدول المعادية لسورية وشعبها المقامرة بورقتها الأخيرة وإعلان فكرة التدخل البري المباشر على الأراضي السورية، مصوّرة نفسها أنها اللاعب الوحيد في المنطقة، وأنها قادرة على اتخاذ أيّ قرار وفي أيّ وقت، وبالتأكيد للتسويق لنفسها على أنها قوة ضاربة موجودة على الأرض، وذلك للتغطية على فشلها في أكثر من ميدان رغم المبالغ الطائلة التي تدفعها لشراء ولاء البنادق والذخيرة، واستئجار المرتزقة من دول عدّة تحت اسم تحالف دولي أو إسلامي، وهو بحقيقة الأمر شراء أرواح الناس ودفعهم الى الموت المحتوم.