«غزو» سورية… انتحار «طوعي» للغزاة
محمد شريف الجيوسي
البعض يريد غزو سورية مباشرة براً، بعد 5 سنوات من الفشل الذريع والتحشيد البشري ضدّ الدولة الوطنية السورية من بقاع الأرض الأربع، وبعد كلّ ما أهدروه من أموال وأسلحة وتدريب وإعلام… وماء وجوه إنْ توفرت على شيء من كرامة أو حكمة أو حصافة أو وطنية أو إيمان أو حسن تقدير .
أرادوا سورية قاعاً صفصفاً، أرضاً محروقة، ذلك أن من يريد الاستيلاء على نظام حكم ما أو تغييره في أيّ اتجاه أفضل أو أسوأ، يحرص على الإبقاء على الإنجازات والموارد والمقدّرات ليرثها هو أو هم، ويحرص على كسب الناس ولو زيفاً والى حين، والظهور ولو كذباً ونفاقاً في حالة أفضل مما هو قائم، ولكن أولئك أرادوا إسقاط سورية، وتحويلها إلى حال أسوأ من دولة فاشلة وإعادتها الى مجاهل التاريخ بكلّ ما فيه من تخلّف وتذابح وتشرذم من دون أدنى مقوّمات.
لكن الذي حدث أنّ سورية صمدت رغم كلّ الجراح والآلام والضحايا والخسائر، والتفّ حول الدولة أغلب السوريين حتى من كان متردّداً أو مضلّلاً، فيما فقدت العصابات الإرهابية التكفيرية الوهابية والإخوانية أغلب البطانات الحاضنة، وتوجه العديد ممن وقفوا فترات ضدّ الدولة مصالحين ومندمجين في بنيتها ضدّ الإرهاب ومصنّعيه ومموّليه.
ولم يقتصر التحوّل على الداخل، فقد انتصرت جهات عديدة لصالح سورية بشكل أقوى عما كان عليه الحال في البدايات دولاً وقوى، فيما انكفأت عنهم جهات كانت تقف بقوة شديدة لصالح من يفكرون بغزو سورية الآن، وحرصت الدول الغربية الكبيرة المتآمرة على سورية، الظهور علناً بشكل مختلف، ولكن مراوغ، تحت تأثير المتغيّرات على الأرض في سورية والإقليم.
هؤلاء المراوغون يضعون قدماً مع الحلّ السياسي ظاهراً، والقدم الأخرى باتجاه تسعير الحرب على محور المقاومة وساحته الرئيسة سورية، ودعم أولئك المشهرين صفاقتهم، ومضيّهم الطوعي نحو نهايات أنظمتهم.
الولايات المتحدة الأميركية ومعها عواصم أوروبية غربية كبرى، توصلت إلى قناعة مفادها أنّ التابعين من الجهات المعادية لسورية، ليسوا جديرين بشيء، لا من حيث القدرة على تحقيق الأهداف النهائية في سورية، ولا من حيث إحداث تغييرات جوهرية في بناها السياسية والاجتماعية والثقافية على الطريقة الغربية… فهي من وجهة نظر واشنطن وعواصم الغرب الرئيسة باتت تشكل عبئاً عليها غير محتمل، ولا تريد في آن تحمّل أكلاف إسقاطها، ولا انتصار محور المقاومة عليها بالضربة القاضية .
فالأفضل بالنسبة للمحور الغربي بقيادة واشنطن، زجّ أولئك المتباهين بتخلّفهم، في حرب برية تسقطهم، وتكبّد محور المقاومة أكبر قدر ممكن من الخسائر، رغم علمها الأكيد بأنّ هذا المحور هو المنتصر، ولكن إشغاله في الحرب يخفّف من اهتماماته الأخرى، كلّ في مجاله، وهو انشغال مفيد ولو موقتاً للغرب، ريثما يخرج من أزماته المتعددة، لكن الحسابات الاستراتيجية تشير إلى أنّ محور المقاومة سيكتسب خبرات عسكرية وستجعله التحدّيات أقوى إيران مثلاً ، فضلاً عن ارتدادات الإرهاب الفارّ من المنطقة نحو الغرب، والتي نرى مقدّماتها.
يريد الذين يهدّدون بغزو سورية، الخروج من أزماتهم بنقلها إلى خارج حدودهم، حيث بدأت حروبهم الدونكيشوتية ترتدّ عليهم داخل أراضيهم، وحيث باتت دولهم مهدّدة بالتفكك، و فكرهم الوهابي والإخواني بالتعرّي، وحيث تكشّف عداؤهم للإسلام بذريعة الإسلام، وارتباطهم المشين بالغرب وفي خدمته، وبهذا فإنْ هم أشعلوا النار أكثر مما أوقدوا، فلأنها سهامهم الأخيرة، علهم يقنعون أنفسهم ويرجئون إلى حين اليقين بالزوال.
ولا بدّ أنهم سيدفعون قواعدهم البسيطة المضللة المؤمنة، للموت دفاعاً عن قياداتهم الإرهابية التي ملأها الرجس والغدر والعمالة والضلال، تحت مسمّى الشهادة وحوريات العين والدفاع عن الإسلام، فيما تلك القيادات الإرهابية تختبئ في جحورها، وقد انتفخت بطونها وأوداجها من مال حرام، وقد انتهكت الحرمات واغتصبت الحرائر من نساء المسلمين من كلّ المذاهب ومن أتباع الديانات الأخرى.
بكلمات، هل ستبلغ الجهالة والحماقة والصلف حدّها عند من يهدّدون بغزو سورية براً، ومن يحرّضهم على ذلك من خارج المنطقة، لاستكمال الدرس الذي لم يقدروا على فهمه، ولم يسعوا للخروج من ورطتهم بأقلّ قدر من الخسائر، ليس لشيء، وإنما للحفاظ على ما لديهم، والتخلص الآمن من لعب الغرب بهم والضحك على ذقونهم؟
m.sh.jayousi hotmail.co.uk