مَن كان منكم بلا حجر
بلال شرارة
بينما تواصل «إسرائيل» السير نحو الفاشية وترفض مبادرة وزير الخارجية الفرنسي لعقد مؤتمر دولي جديد، تواصل السلطة الرسمية في الضفة ومعارضتها الرسمية في غزة إبداء حسن النيات تجاه إمكانية الوصول إلى تفاهمات أو سلام مع «إسرائيل».
قال لي مرجع أمني عجوز ذو شهرة سابقة وصل إلى حدّ قيادة جيش الجيوش في لبنان ولو رمزياً، وسبق أن تولى حقيبة وزارية أمنية قال: ما تسمعه من عبارات حول تنسيق أمني على جغرافيا واحدة أمر مستحيل حتى بين أجهزة الدولة ذاتها، فكيف إذا كان الأمر بين الدولة ودولة ظلّ ترفع أو لا ترفع شعارات مقدّسة، أو بين الدولة ومسمّيات قُطرية مثل حشد شعبي أو قوات عشائر أو الحرس الوطني أو أنصار الجيش الخ… أو شركات أمنية أو قوات إقليمية وقوات برية جوية لتحالف دولي.
وأضاف المرجع: التنسيق الأشدّ استحالة هو بين قوات احتلال وسلطة وطنية، إذ كيف سيجري التنسيق بين الذئب والحمل؟ بين السلطة الوطنية التي ترفع مثلاً شعار تحرير الأرض وإقامة الدولة وتقرير المصير وبين قوات احتلال تريد الاحتفاظ بالأرض واستمرار احتلالها، تحت زعم أنّها أرضها التاريخية والسلطة الوطنية بالنسبة إليها – قوات الاحتلال – مجرّد وكيل، إذ إنها لا تتقبّل مجرد فكرة الثنائية القومية.
لذلك استغرب المرجع بشدّة التصريح الرسمي الفلسطيني بشأن استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي كشفت مصادره بعد أقلّ من 24 ساعة عن خطة لبناء 162 وحدة استيطانية جديدة. وأكثر ما استغربه المرجع تصريح رئيس الأمن الوطني الفلسطيني حول إحباط حوالي 200 عملية طعن أو رشق بالحجارة لجنود صهاينة.
في المقابل، فإنّ سلطات الاحتلال منعت على غير السكان الأصليين لمدينة رام الله دخول المدينة، فيما رئيس المعارضة «الإسرائيلية» اسحاق هرتسوغ الأقلّ يمينية من بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة ورئيس الليكود، رأى أنّ على الحكومة إعطاء الأوامر للجيش بقصف أنفاق. وفي قطاع غزة قوات الاحتلال تطلق النار باتجاه مراكب للصيادين وتعتقل 8 فلسطينيين في أنحاء متفرّقة من الضفة المحرّرة التي تحتفظ بها سلطات الاحتلال ويعبث بها جنودها.
المعارضة الرسمية الفلسطينية في غزة التي تحتلها «إسرائيل» من الخارج تعلن عن فقدان الاتصال بإحدى مجموعاتها التي كانت تعمل على صيانة نفق قديم في غزة ومصادر «إسرائيلية» تتحدّث عن خطة لبناء ميناء عائم مقابل سواحل غزة.
كلّ ما تقدّم إشارات قديمة فيها نوع من المقاربة بين القاتل والقتيل وبعض التورية السياسية، ولكن الجديد هو التطوّر النوعي في صورة حركة الشعب الفلسطيني، حيث أقدم شرطي فلسطيني على إطلاق النار على حاجز لإحدى المستوطنات، مما أسفر عن إصابة ثلاثة جنود، جراح اثنين منهم خطرة، وقد استشهد منفذ العملية بنيران قوات الاحتلال.
التنسيق لن يكون مجدياً، إلا إذا صادر مشاعر النقمة على الاحتلال وممارساته بمصادرة الأراضي وتجريفها وإقامة الجدار العازل وحرق المزروعات وتحويل الوطن الفلسطيني معتقلاً كبيراً.
فمن ذا الذي يعرف ماذا يدور بعقل كلّ فلسطيني لم يعد يفوّض أمره إلى سلطات الدولة هنا وهناك، وهو بات يبحث عن الثورة التي أهيل التراب على ضريحها مع الكثير من القادة الفلسطينيين الذين سقطوا في الميدان بمن فيهم الرئيس عرفات الذي لا يُراد له أن يكون ضحية عملية اغتيال.
مَن وكيف سيعرف أنّ فلسطينياً ما يحمل تحت سترته أو كمّه سكين مطبخ، وأنه عقد النية على طعن أحد أفراد العدو جندياً كان أو مستوطناً بالله عليكم أفيدونا عن الفرق، أفادكم الله .
أنا من جهتي أعتقد أنه قد أفلت زمام الأمور من يد الفلسطينيين جميعهم، و«إسرائيل» لن يكون باستطاعتها سوى ممارسة المزيد من القمع فماذا ستفعل أكثر من استصدار الأوامر والقوانين بإطلاق النار على راشقي الحجارة أو على أيّ فلسطيني بدعوة الاشتباه أنه يحمل سكيناً وأننا أمام جيل جديد من الثوار الفلسطينيين لا ينتمون إلى الماضي بمرّه وحلوه ، وأننا سنعاود اكتشاف الفرق بين الدولة والثورة، وانّ عقد الاتفاقيات لاستمرار دولة الأخوة مقابل السلام المستحيل ودولة الإخوان إقامة ميناء عائم مقابل الاعتراف بـ«إسرائيل» هو صرف للوقت على أضغاث أحلام هنا، والحلّ في الواقع أن تذهب كلّ فكرة مع جيلها، وأن نترك للشبان أن يقاتلوا المخرز «الإسرائيلي» بالعين الفلسطينية.
أمام جيل مسلح بلا شيء سوى سكينة مطبخ،
أمام جيل من راشقي الحجارة،
فمَن كان منكم بلا حجر فليرجمني بخطيئة.