فتحعلي لـ«البناء»: الاستحقاق الرئاسي اللبناني شأن داخلي ولا نضغط على أيّ فئة أو حزب التزامنا بدعم الجيش ثابت وينبغي أن لا تكون مصلحة لبنان رهينة الحسابات السياسية
هتاف دهام
التزمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ الثورة الإيرانية قضية فلسطين كشعار ووجدان وبوصلة، ومن هذا الوحي بَنَتْ سياساتها على الجغرافيا المشرقية كاملة، فكانت علاقة الدولة الإيرانية المعاصرة مع الجوار لخدمة القضية الأمّ. أما بالنسبة إلى لبنان وسورية وبحكم ارتباطهما المحكَم بقضية فلسطين استمرت إيران طويلاً برفد المقاومة في لبنان وسورية بعوامل القوة كلّها، وخاضت مع هذين البلدين ومقاومتهما مواجهات عديدة على مسرح السنوات السبع والثلاثين الماضية، وحققت الانتصارات، وصولاً إلى تشكيل ما يشبه المحور العابر للدول والطوائف والمذاهب سُمّي محور المقاومة بدءاً في غزة مروراً ببيروت ودمشق وبغداد وصولاً إلى طهران.
شكل هذا المحور وعياً ورافعة لصناعة الحدث المقاوم والوقوف في وجه العدو حتى لحظة ما يُسمّى »الربيع العربي» مطلع عام 2011، حيث نجحت التوجّهات المذهبية في استقطاب مقاومات بعينها في مسعى واضح لضرب عناصر الانسجام داخل هذا المحور، وتسليط المؤامرة على سورية وعلى المقاومة في لبنان كرأس حربة للمشروع المقاوم، وسحب فلسطين القضية من أن تكون الراية.
ولأنّ إيران شخّصت باكراً مع سورية والمقاومة الأهداف البعيدة المدى، فإنّ التصدّي لهذه المؤامرة منذ خمس سنوات كان استمراراً للتصدّي للعدوان الصهيوني، رغم أنّ الأداة في مشروع الداخل كانت التكفيريين الإرهابيين.
خاضت طهران ولا تزال مع المستهدَفين في هذا المحور مشروع إسقاط الإرهاب التكفيري، كعنوان في صلب إسقاط المشروع الصهيوني. وشكل صمود سورية الدولة بالتعاون مع حزب الله وبالتكاتف مع إيران ذروة التحطيم للمؤامرة الكونية التي تشنّ على المقاومة كرؤية وقضية.
وإذا أردنا أن ندرك أهمية ما قام به الإمام الخميني، فعلينا كما يقول السفير الإيراني في لبنان محمد فتحعلي »أن ندرك الظروف التي كانت قائمة، بحيث كان الشاه يتسلّط على القرارات وعلى الحوزات العلمية، ولم يخطر له أن تظهر شخصية مثل شخصية الإمام الخميني الذي طرح خطاباً جامعاً، واعتقد أنّ الثروات والخيرات موجودة في هذه المنطقة، خصوصاً بوجود النخب، وهي تستطيع أن تلبّي حاجات العالم كله، ولا يوجد أيّ اكتشاف علمي إلا وكان لأبناء تلك المنطقة دور فيه».
كان الشعب الإيراني، وفق فتحعلي، يتطلع إلى الشخص الذي يخلصه من الذلّ والقسوة، فخطاب الإمام الخميني كان يستقطب شعوب العالم كلّها، لهذا السبب نحن نشاهد إيران رائدة بالإنجازات العلمية في سياق متابعتها هذا الخطاب، ونرى أنها تحتلّ المرتبة الثالثة في العالم تكنولوجياً، ومن بين الدول الخمس الأُوَل عالمياً، بحسب مؤسسات محايدة في مجال الليزر، والسابعة في مجال «النانو».
هذا التطوّر العلمي والتكنولوجي حققته طهران رغم الحصار الاقتصادي والسياسي عليها قبل توقيع اتفاق جنيف النووي مع مجموعة دول 5 + 1، والذي شكل انتصاراً كبيراً للجمهورية الإسلامية وللمرشد الأعلى السيد علي الخامنئي ولحكومة الرئيس حسن روحاني، وألحق في الوقت نفسه هزيمة كبرى برافضي الاتفاق.
رغم كلّ العقوبات والحظر والحرب التي فرضت عليها، حققت إيران، كما يقول فتحعلي، في لقاء مع الإعلاميين في الذكرى الـ37 لانتصار الثورة الإسلامية «مرحلة اكتفاء ذاتي وخصوصاً في ما يتعلق بالنخب، واحتلّت مرتبة عالية في المجالات العلمية، وآخر هذه الإنجازات الطاقة النووية السلمية».
إنّ الإنجاز النووي الكبير برسم المنطقة برمّتها، وينبغي بحسب فتحعلي، لدول الجوار «أن تستفيد من هذه الفرصة الجديدة السانحة، والمفاوضات الصعبة والشاقة التي استمرّت 12 عاماً، وشهدت تدخلات من دول عدة لاستغلال أيّ ذريعة للتشويش على هذا الاتفاق، وخلق ما يمكن تسميته «إيران فوبيا»، باءت بالفشل أمام العزم والثبات الإيرانيّين وصمود الشعب والإرشاد الصحيح وحكمة الفريق المفاوض، حيث تمكّنت طهران من المحافظة على ثرواتها وبناء مناخات من الثقة مع دول المحيطة».
استعادت إيران مكانتها الإقليمية وتحوّلت مركز ثقل في العالم، ورغم ذلك فإنها تصبّ اهتمامها وفق فتحعلي على «ضرورة أن تحل دول المنطقة مشكلاتها من دون تدخل الخارج، وأن تنسجم في مواجهة خطر التطرف، وأن تتحرّك من أجل درئه، الأمر الذي يتيح لنا أن نسخّر الطاقات لمواجهة العدو الأساسي وهو العدو الصهيوني».
تؤكد الجمهورية الإيرانية جدّيتها وصدقها في مواجهة القوى التكفيرية ومن الشواهد على ذلك، كما يقول السفير الإيراني، الدعم الذي تقدّمه لسورية والعراق في مواجهة هذه المجموعات من منطلق التجارب الغنية التي تتمتع بها، إذ بإمكانها أن تقدّم دعماً لا يُستهان به لردع الإرهاب، فالعودة بالذاكرة إلى التاريخ الأسود لهذه التنظيمات وما قامت به من أعمال يؤكد، وفق الدبلوماسي الإيراني، ضرورة أن تتعاون دولنا لجبه هذا الخطر مجتمعة، فما ارتكبه تنظيم «داعش» الإرهابي وأخواته من أعمال لا إنسانية ولا أخلاقية في سورية والعراق واليمن لا يدع مجالاً للشك في أنّ هذه المجموعات تستهدف المنطقة برمّتها بشعوبها ومكوّناتها.
السنوات الخمس التي مرّت في تاريخ سورية، استعرضها السفير الإيراني متحدّثاً عن الصمود الذي أدّته بجيشها وشعبها ومقاومتها، ما يجعلنا نقول «إنها حجزت لنفسها بطاقة ذهبية في التاريخ المشرّف في مواجهة الإرهاب والتكفير، وأنه يعود إلى الشعب السوري أن يقرّر مصيره ويقول كلمته لحلّ مشكلته أو معضلته، وأنّ الحلّ السياسي هو الحلّ المنطقي للأزمة السورية، والحديث عن إرسال السعودية قوات إلى سورية، من شأنه أن يزيد من المشاكل التي تعاني منها المنطقة التي تواجه مجموعات تكفيرية هي من إفرازات الكيان الصهيوني. ولو لم تكن هناك تدخلات خارجية، هل كانت استمرّت الأزمة السورية 5 سنوات؟ ومَا هي الدول التي ساهمت في إذكاء نار الفتنة في سورية؟ أليس من المؤسف، بحسب فتحعلي، أن نجد هذا العدد الهائل من النازحين في دول العالم، فعلى سبيل المثال قدّم لبنان كلّ الطاقات والإمكانيات المتواضعة للملايين من النازحين، لكن ألا ينبغي أن نسأل ما الذي أدّى إلى تهجير هذا العدد من أبناء الشعب السوري؟».
سعت إيران منذ تأسيسها إلى بناء علاقات جيدة مع دول الجوار، لا سيما دول الخليج ولا تزال لديها نية راسخة بذلك، إضافة إلى أنها تريد أن تعمل من أجل عالم خالٍ من العنف والتطرف، كما أعلنت في خطاب الرئيس روحاني في الأمم المتحدة. والسيد الخامنئي، كان يؤكد دائماً في مواقفه أنّ أيّ خلاف وشقاق بين إيران ودول الخليج يؤدّي تلقائياً إلى استفادة الأعداء منه، وأنّ أيّ تبنٍّ للخطاب الطائفي يخدم أعداء الأمة، ويعود بالنفع على الكيان الصهيوني.
وخلص السفير فتحعلي إلى أنّ مقاربة إيران علاقاتها مع السعودية دائماً ما تأخذ مصالح الإقليم بعين الاعتبار. ولهذه الغاية تعتبر أنّ الطريق الوحيد لحلّ الأزمة اليمنية هو الحوار اليمني ـــ اليمني بإشراف الأمم المتحدة. فاليمن، كما يقول فتحعلي، «يتعرّض للتدمير وكنا نأمل أن تسخّر الإمكانيات التي تستخدم ضدّ اليمنيين في مواجهة العدو الصهيوني».
يشدّد السيد الخامنئي دائماً على عدم نسيان اتجاه البوصلة الأساسي التي تؤكد مواجهة العدو الأساسي وهو العدو الصهيوني»، وفي هذا الإطار يرى فتحعلي «أنّ الهبّة والانتفاضة البطولية الفلسطينية مستمرّة، والشعب الفلسطيني ينتفض للدفاع عن حقوقه المهدورة بفعل الاعتداءات السافرة للكيان الصهيوني، وأننا جميعاً مطالبون بأن ندعم الانتفاضة الباسلة ضدّ العدو «الإسرائيلي» ونساندها، وأنّ التاريخ لن يرحمنا إذا قصرنا في ذلك».
وسط الحراك الأوروبي، لا سيما الفرنسي، تجاه إيران للضغط على حلفائها لتمرير الاستحقاق الرئاسي، لا يزال الجواب الإيراني على ما هو عليه منذ اليوم الأول للشغور في سدة الرئاسة الأولى، انّ إيران مع ما يتفق عليه اللبنانيون. و«الاستحقاق الرئاسي، كما يؤكد فتحعلي لـ«البناء»، شأن داخلي لأنّ أيّ تدخل من أيّ دولة في هذا الشأن سيزيد من المشكلة ويعرقل الحلّ، وليس من مبادئ الجمهورية الإسلامية الضغط على فئة أو حزب، فثوابتها الخارجية واضحة برفض التدخل في شؤون أيّ دولة سواء أكان لبنان أم غيره».
بدأ السفير الإيراني مهامه في لبنان بالتزامن مع الفراغ الرئاسي، وانطلاقاً من التوجيهات المعطاة له من وزارة الخارجية الإيرانية، لم يتدخل في أي شأن لبناني داخلي، ويعتقد «أنّ الطاقات السياسية اللبنانية في إمكانها أن تجد الحلّ الناجع للمشكلات العالقة كلها»، ويشير إلى «أنّ السيد الخامنئي والرئيس روحاني يعتبران أنّ كلّ شعب من الشعوب وكلّ دولة وصلت إلى النضج الذي يؤهّلها لحلّ مشكلاتها».
وفيما تدور أسئلة حول الرفض المتكرّر للهبة العسكرية للبنان، لا تزال الجمهورية الإسلامية، كما يؤكد فتحعلي لـ«البناء»، على استعداد لدعم الجيش اللبناني، وأنه «أبلغ وزير الدفاع الوطني سمير مقبل خلال لقائهما الأخير، بأنّ العرض الذي اطلع عليه لدى زيارته إلى إيران لا يزال قائماً»، مشدّداً على «أنّ من خصوصية هذا العرض أنه من دون شروط مسبقة وبلا بدل ويُقدّم بكلّ احترام». وإذ لفت إلى «أنّ السؤال عن عدم قبول الحكومة اللبنانية المساعدات يُفترض أن يوجه إلى الجانب اللبناني»، أكد «أنه ينبغي أن لا تكون مصلحة لبنان وشعبه رهينة الحسابات السياسية».
يفتخر فتحعلي بدعم بلاده جبهة المقاومة في كلّ المجالات، وأنّ لبنان يحتلّ مكانة مرموقة وبارزة فيها وأهمّ أسباب ذلك هما المقاومة البطولية في مواجهة العدو الغاشم، والتضحيات الجسام التي قدّمها لبنان في مواجهة قوى التكفير والإرهاب التي أدّت كما يقول إلى »تكريس المعادلة الذهبية الجيش والشعب والمقاومة وستسجل في سجل الشرف للشعب اللبناني».
لا تقتصر العروض الإيرانية على دعم الجيش إنما تعدّت ذلك إلى شتى المجالات من بناء السدود إلى إصلاح الكهرباء، واستخراج النفط. ولذلك تحدّث فتحعلي أمس، عن الخطوات التي يقوم بها الجانب الإيراني لتفعيل الاتفاقيات الثنائية مع لبنان، وطهران رغم العقوبات الجائرة التي فرضت عليها لا تعاني من انقطاع في التيار الكهربائي ولم تحقق الاكتفاء الذاتي فقط بل صدّرت الطاقة الكهربائية إلى دول الجوار، فضلاً عن الخبرة في بناء الجسور والطاقات في استخراج النفط.
هناك مجموعة من المزايا التفاضلية الموجودة بين طهران وبيروت، وبإمكاننا وفق السفير الإيراني أن نغتنم الفرصة السانحة لتعزيز العلاقات، لا سيما أننا تمكنا طوال الأشهر الماضية من تمهيد الأجواء لإرسال 3 وفود لبنانية إلى إيران توّجت بانعقاد اللجنة المشتركة الإيرانية – اللبنانية، خلال زيارة وزير الاقتصاد ألان حكيم، حيث تمّ توقيع أربعة بروتوكولات مشتركة ونحن على ثقة بأنه بفضل جهود الحكومتين والمسؤولين سوف تؤدّي هذه الزيارات إلى تعزيز التعاون الثنائي بما ينعكس إيجابياً على الشعبين وأملاً من خلال التعاون الثنائي أن نطبق البروتوكولات الثنائية التي سبق أن وقعت أو التي وقعت مؤخراً.
وفي معرض أسئلة الصحافيين عن حادثة منى، أمل فتحعلي أن تلتزم السلطات السعودية بالتعهّدات المطلوبة منها في هذا الإطار، مشيراً إلى «أنّ إيران تتابع هذا الحادث المأساوي والمؤسف للغاية ببعده الحقوقي والقانوني. وفي ما خصّ قضية الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة المخطوفين، لفت إلى »أنّ هذا الملف لا يزال مفتوحاً، والسفارة الإيرانية في لبنان تقوم دوماً بالدور المطلوب منها بهذا المجال من خلال متابعة هذا الملفّ، ومطالبة المسؤولين اللبنانيين بشأنه».