انتفاضة منظّمة أم استمرار للفوضى السياسية؟
هاني جودة
الرفض الفلسطينيّ ينتفض في الضفة والـ48 وسط تعنّت حكومة الإرهاب والقتل بقيادة نتنياهو، هي الوقاحة بعينها عندما تجد نواب الكنيست من اليمينيين يصرخون باقتراحات إجرامية لحكومتهم المجرمة لقتل أهالي الطيبة والناصرة ومدن الداخل المحتلّ المنتفضين ضدّ قتل الطفل المقدسي الشهيد محمد أبو خضير، وضدّ التصعيد العنصري الإرهابي في الضفة وغزة. هبّة جماهيرية مشرّفة ترجمها أهالي القدس وأهلنا داخل المناطق المحتلة عام 1948، وللمرة الأولى منذ عقود نشهد هذه الكرامة التي نحن متشوّقون إليها بتكاثف نضالي ضدّ المحتلّ أينما وجد.
حالات الخطف قد تزداد وتيرتها وأثبتت الأيام السابقة أنّ التصعيد آتٍ لا محالة. رجع المحتلّ إلى مربّعه الأول. تنافس انتخابي وقلاقل أحدثها ليبرمان وخرج من التحالف مع الليكود لجعل نفسه حامي الحمى والإرهابي الأول.
القيادة السياسية والعسكرية للاحتلال تتفق تماماً على التصعيد على الجبهات كافة… أولاً في القدس، ونقول القدس لأنها غابت لفترة طويلة عن مشهد التضامن الجماهيري الكبير، وربما كان الحادث الإجرامي واستشهاد الطفل أبو خضير صعقة كهربائية حرّكت مشاعر الجميع، فرأينا آلوفاً مؤلفة في القدس تخرج غضباً على الاحتلال وعلى قطعان مستوطنيه، على نحو يعيد إلينا دور عبد القادر الحسيني وأمين الحسيني ومناضلي القدس جميعاً.
ثانياً، في الضفة التي كانت ولا تزال متهمة بخطف أنبياء بني «إسرائيل» الثلاثة، نرى تصعيداً في سائر مدنها واقتحامات وتفتيش واعتقال ورفض فلسطيني كامل وتظاهرات تعيد مشاهد انتفاضة عام 1987. وثالثها في قطاع غزة. ففي جميع الأحوال لو تعثرت بغلة في العراق لاتهموا غزة بها، لذا يفخر أهل غزة بأنهم في طليعة المواجهة وكتب عليهم قرار من «الكابينيت» طلعات جوية من غربان السماء. وللتصعيد في غزة دوماً لغة ومضمون قاس ومؤلم على الصعيدين الداخلي الفلسطيني، وحجم دمار العدو وقصفه على القطاع. وفي المقابل يحق للمقاومة أن تحرق المحتلّ بنيرانه نفسها. ورابعها التصعيد الذي اشتقنا إليه، وسيكون أكثر فعالية وهو آتٍ من أهلنا في الداخل المحتلّ، وتكفي منهم تظاهرات واحتجاجات مؤثرة في هذه المرحلة.
هذه الحوادث كلها تجعلنا نقف أمام أنفسنا ونتساءل: هل نريد انتفاضة منظمة أم استمرار الفوضى التي تشهدها الحياة السياسية الفلسطينية بعيداً عن البرنامج السياسي الواحد والمتفق عليه بخطوط حمراء؟
علينا أن نضع كلّ حدث نضالي على قاعدة المصلحة والمكتسبات الوطنية، ونسأل أنفسنا ما الذي جنيناه من الانتفاضة الأولى والثانية؟ وما هي الأخطاء التي وقعنا فيها؟ إذا كنا صادقين علينا في المرحلة المقبلة لدى قيادة الانتفاضة الجديدة أن نلتزم بالآتي:
1 – تشكيل قيادة سياسية موحدة لإدارة مناطق المواجهة كافة، ووضع ميثاق شرف تلتزم به جميع الفصائل والأحزاب الوطنية والقومية والإسلامية التي ستخوض الانتفاضة.
2 – إصدار أي بيان باسم الجميع، مثلما حصل في مدينة القدس المحتلة حين قرأنا بيان «القيادة الوطنية الإسلامية المشتركة»، وعلى هذا النحو نريد بياناتنا كافة، لأنّ تجربتنا في ذلك عميقة وشعبنا متيقن من أنّ هناك أحزاباً أنست عناصرها اسم فلسطين في مقابل رفعة اسم الحزب أو الفصيل.
3 – دور الإعلام في المرحلة المقبلة يجب أن يكون إعلاماً موجّهاً لثلاث جبهات وبقوة، أولها إعلام نحو المحتلّ وبالطرائق والسبل كافة التي تبتكرها القوى الفلسطينية. ثانيها إعلام داخليّ يحافظ على المعنويات ويشحذ الهمم ويحافظ على الجبهة الداخلية. ثالثها إعلام خارجي بالتعاون مع سائر الوكالات العربية والأجنبية الصديقة لفضح جرائم الاحتلال.
على هذه المرتكزات الثلاثة نستطيع عبور المرحلة القادمة نحو انتفاضة تحقق أهدافاً وليس انتفاضة تدمّر الفلسطيني وتعيد قضيته عشرين عاماً إلى الوراء.
من أساسيات نجاح الانتفاضة توفير متطلبات الجماهير المنتفضة، وإذا لم يتوافر ذلك تصيبنا خسائر كبيرة لا يمكن تعويضها. وعلى جميع الفلسطينيين والأحرار والحلفاء حول العالم مساعدة الفلسطينيين في فضح جرائم المحتلّ، بل والذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية التي من صلاحياتها محاكمة المجرمين الصهاينة.
كفى آلاماً استمرّت لعقود طويلة، وكفى دموعاً لو خزّنت لملأت بحيرات عظمى، وكفى جثثاً سارت عليها المركبات جسوراً. علينا الإنجاز وتحقيق المكاسب وإتقان إدارة الأزمة كما يجب لنكون على قدر الثقة التي ينتظرها الفلاح الفلسطيني والأم الثكلى… ولنكون أوفياء حقيقة لشهدائنا وأسرانا.