فصائل جديدة في مخيّم اليرموك وسط أزمته اللامنتهية

حسام زيدان

ما زال اتفاق تفاهم المصالحة الذي وقع في مخيم اليرموك يترنح، لكن هذه المرة كان التطوّر دراماتيكياً ومختلفاً عن المرات السابقة، إذ انفجرت عبوة قرب منزل أبوهاشم زغموت مسؤول مجموعة تطلق على نفسها العهدة العمرية في مخيم اليرموك، وهو أول من رفع السلاح في مخيم اليرموك. الانفجار يحمل دلالات كثيرة تتعدى كونها محاولة ترسيخ قواعد جديدة للتعامل مع أزمة المخيم، بل ترتبط بانتشار «داعش» في مخيم اليرموك من خلال مجموعة تطلق على نفسها اسم «مجاهدو فلسطين»، وهم عبارة عن عاطلين عن العمل ومرتزقة لا علاقة لهم بفلسطين ولا بالجهاد. خلافات كبيرة نشبت في مخيم اليرموك بين الموقعين على اتفاق التفاهم وبين الرافضين له، تعمقت أكثر بعد ظهور التيار المتصل في طريقة أو أخرى بالتيار «الداعشي» في الحجر الأسود والغوطة الشرقية وعلناً في المخيم، ما يرشح تغلغل واسع لـ«داعش» في مخيم اليرموك، وتدلّ على ذلك الاشتباكات التي وقعت قرب مشحم عامر وامتدت حتى مستشفى فلسطين، بين «داعش» وكتائب تطلق على نفسها اسم «أبابيل حوران»، ما من شأنه أن ينسف الاتفاق كاملاً. إن اتفاق تفاهم المصالحة الأخير لن يتجاوز الحبر والورق الذي وقع به، وسيبقى التسويف من قبل المجموعات المسلحة سيد الموقف، ما يطرح العديد من الأسئلة التي تبدأ بدور المجموعات المسلحة في الغوطة الشرقية والحجر الأسود في تعطيل التفاهم، والدول الداعمة لها بالتأكيد، بالإضافة إلى الاستفهام حول تلكؤ بعض الفصائل الفلسطينية والقوى الفاعلة مثل منظمة التحرير وممثليها الكثر في دمشق، وابتعادهم عن الدور الإيجابي في الضغط على المجموعات المسلحة، من خلال وسائل مختلفة وبينها العسكري، في ظل المعاناة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني وتشردهم خارج المخيم، والناس الذين أنهكتهم الظروف الصعبة، والمعاناة الأكبر التي تأتي فصولها تباعاً، وآخرها منع الفلسطيني من دخول لبنان، بالإضافة الى طرد الفلسطيني من مخيمات اللجوء في تركيا. إن دور الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة التي تقدم الشهداء يومياً لتحرير المخيم، بالإضافة الى جبهة النضال الشعبي وفتح الانتفاضة والصاعقة، يعزز صوابية فكرة الحل العسكري لمأساة مخيم اليرموك، إلاّ أن التنظيمات الأخرى اكتفت بالإطلالات الإعلامية واللقاءات الجماهيرية المعنوية، متجاهلة دورها الحقيقي في حل مأساة مخيم اليرموك، مثل مرجعيات فلسطينية كثيرة ابتعدت عن التأثير الإيجابي في ايجاد حلول مناسبة لمأساة المخيم، حتى أن بعض التنظيمات الفلسطينية لم تستنفر بعد أجنحتها العسكرية، على رغم أن المجموعات المسلحة داخل مخيم اليرموك ليست كبيرة، وهي محسوبة على اتجاهات عدة داخل المجموعات المسلحة في المحيط الجغرافي للمخيم، تحديداً جبهة النصرة في مناطق الحجر الأسود ويلدا. ومن جديد ظهرت «داعش» التي تتقاطع فكرياً مع مجموعات داخل المخيم مثل مجموعة تسمى «أكناف بيت المقدس» ومجموعة أخرى تسمى «العهدة العمرية». ويلفت النظر تعامل الدولة السورية على نحو إيجابي وفاعل مع أي حل تطرحه لجان المصالحة الفلسطينية والفصائل مجتمعة وتقدم السبل كافة لتحقيق تقدم في هذا المجال، إلاّ أن المجموعات المسلحة ترفض أي مبادرة أو تفاهم لعدة أسباب أبرزها أن المجموعات المسلحة في الغوطة الغربية، بالإضافة إلى الحجر الأسود، والموصولة جغرافيا حتى حدود درعا، ستفقد العمق الجغرافي لها في حال سار مخيم اليرموك على خطى المصالحة الوطنية كما في العديد من المناطق في محيطه، مثل منطقة القدم وببيلا وبيت سحم، ما دفع الدول الداعمة لتلك المجموعات المسلحة إلى إعطاء تلك المجموعات أوامرها بإفشال أي اتفاق تفاهم والعمل على إبقاء مخيم اليرموك وجنوب العاصمة بؤرة توتر دائمة، لإرباك التقدم العسكري الذي يحققه الجيش السوري في مناطق مختلفة من الغوطة الشرقية والغربية وتحديداً منطقة المليحة وخان الشيح ومحيطها. لكن الغريب الذي ينبغي أن نقف عنده طويلاً هو عدم وصول بعض الفصائل الى مستوى تفكير الدولة السورية في ملف مخيم اليرموك، فهي تعالجه باعتناء شديد لحساسية هذا الملف، ولتبقى تلك الفصائل محل سخط للناس الذين بدأوا يناشدون الدولة السورية اعتماد حل عسكري لمأساة المخيم في ظل غياب الحضور السياسي والعسكري للعديد من الفصائل الفلسطينية. وتجدر الإشارة الى أن إنجازات الجيش السوري في محيط مخيم اليرموك ستعجّل في ملف المصالحة، فالإيمان الحقيقي لدى كثر أن ملف المخيم يجب أن يعامل كمعاملة المناطق الأخرى، رغم حساسيته المفرطة، وإن مجموعات ترتبط بـ«داعش» والنصرة فكرياً لا يمكن التسوية معها إلاّ بلغة الرصاص الذي تفهمه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى