استراحة «جنيف 3» بنكهة الهمبرغر الأميركي الفاسد
د. حسام الدين خلاصي
كانت وجبة سريعة جداً وعلى طريقة الدليفري الأميركية، وبنكهة بهارات المكبوسة السعودية على نار الإرهاب المعارض، ففي جنيف انتهى الفصل الأول من مسرحية «جنيف 3» الهزلية، والتي أُوصدت أبوابها، وعجّل في إنزال ستارها الجيش العربي السوري في انتصار نُبُّل والزهراء، بينما كان وفد المعارضة المنتمي إلى السعودية الوهابية يسنّ أسنانه الصدئة لانتزاع وقف إطلاق النار بحجّة إيصال المساعدات الإنسانية للبيئات الحاضنة للإرهاب، لا بل للإرهاب ذاته، فوقف إطلاق النار هنا بحدّ ذاته يُعتبر مكسباً سياسياً وعسكرياً لعصابات المعارضة اللاوطنية ومن يدعمها ويقف وراءها بعد أن وصلتها المعلومات وتأكّدت أنّ الجيش السوري والحلفاء عازمون على التحرير، بغضّ النظر عن جنيف وما سبقه وما سيليه. وهذا ما حصل، فأتت التعليمات من الملك الكوميدي المتصهين ووزير دفاعه المتغطرس، بأن عودوا إلى الديار المقدّسة وإلى الملك وأحضان آل سعود، وأفشِلوا المحادثات، فـ»تشرّف» السيد دي ميستورا بحجم الدولارات التي قبضها بإعلان تعليق المحادثات نيابة عن وفد الرياضات والحجابات، وليقول للعالم إنّ المحادثات غير مُجدية.
من هنا بدأت الأطراف الدولية بكيل الاتّهامات لسورية وروسيا بتعطيل مباحثات السلام المزعومة في جنيف، فلقد جاء أعداء سورية إلى «جنيف 3» على افتراض أنّ كلّ الأطراف منتصرة، وبنفس القوة، وعليها التوقّف عن القتال وبدء مباحثات السلام، وأنّ العودة إلى طاولة المفاوضات مقترنة بتوقف إطلاق النار. وهنا… وفي هذه اللحظة، تبيّن أنّ العجز السعودي والتركي وصل حدّ الذروة والجنون، فهما المهزومتان ومن ورائها الكيان الصهيوني، اللاعب الرئيسي المتخفّي حتى الآن. وحدّ الذروة هذا يعني حدّ الجنون السياسي والعسكري الذي يقود الأتراك إلى التهديد بحماية «المعارضة المسلحة المعتدلة»! عن طريق قتل وقتال الأكراد في أيّ مكان يتواجدون فيه على الأراضي السورية والتركية، وكذلك يقود السعودية إلى الإعلان عن الجاهزية للتدخّل بريّاً في سورية للقتال ضدّ «داعش»، هكذا فجأة، لأنّها جزء من التحالف الأميركي، وأنّ بصحبتها 20 دولة إسلامية إسلام ضدّ إسلام ولكنهما متشابهان ، بغضّ النظر عن ورطتها الاقتصادية المتفاقمة، وعن أزمتها في اليمن الشقيق، وهي هنا تسخّر المال الخليجي في خدمة المشروع الإسلاموي الصهيوني.
هذه الدعوة السعودية لاقت ترحيباً مبدئياً في الولايات المتحدة الأميركية، وفي هذا شبه تلميح إلى أنّ السعودية وتركيا خرجتا من المولد بلا حمّص، أو حتى بلا علف للإبل السارحة بلحاها وهي تحمل السكاكين والسواطير وتُعمل ذبحاً بالشعب السوري. ولم تصل أهداف زراعة «داعش» إلى غايتها الصهيونية بفضل انتصارات الجيش العربي السوري وأصدقائه. وأنّ الولايات المتحدة الأميركية ستفاوض بورقة القوة السعودية المنفلتة من عقالها الأميركي ظاهرياً، والمرتبطة وثاقاً باللوبي الصهيوني الأميركي المتمرّد على إدارة أوباما منذ بداية الحرب على سورية، ومنذ مواقفه المتنازلة خسارة أمام الانتصارات الإيرانية التي تزعج الصهيونية ومصالحها ومشروعها «الداعشي» الوهابي.
إذاً… سورية مُقبلة على إنجازات عسكرية مهمّة بفضل الجيش العربي السوري والأصدقاء. وكما ذكرت، فإنّ الخاسر الأكبر المملكة الوهابية + تركيا ، فهل ستقبل هاتان الدولتان بسهولة هذه الهزيمة؟ لذلك فإنّ احتمالات المستقبل قد تدفع بجنون الخاسرين إلى ما يلي:
1 – إمّا لتوسيع رقعة القتال والعودة للدخول من بوابة «داعش» والحرب عليها، وإعلان السعودية المفاجئ المشاركة في الحرب البريّة كحجة ستقود إلى مساندة المسلحين وخلط الأوراق من جديد ولتنال حصّتها السياسية بعد أن خسرت، والترحيب الأميركي بذلك، وبالتالي ففي بروكسل الأسبوع المقبل سيكون الردّ على هذا المقترح. وهذا كلّه بسبب الهزيمة في الميدان، وفي جنيف، وبسبب التقدّم الإيراني الواسع في أوروبا، وهذا يغيظ الكيان الصهيوني، فندخل دوامة الحرب الجديدة الأوسع.
2 – وإمّا انتقال الحرب إلى الصورة النهائية، وهي الحرب المباشرة على الكيان الصهيوني، وعندها سيكون هناك دور أبرز لإيران وحزب الله لأنّ كرة التطرّف السنّي المتزعّم والمتنامية بشدّة من قِبَل السعودية، وأوباما اللطيف مع الإسلام حديثاً وفق آخر تصريحاته، ستحرق المنطقة والعالم بلا جدوى.
3 – وإمّا أن تظهر استطاعة الروس في امتصاص الموقف الطارئ على اعتبار أنّ هذا التهديد بتضخيم الصراع وإطالة عمره سيكون مدمّراً على المنطقة بعد خمس سنين من الحرب ومرحلة بدء الانتصارات، وبالتالي سيقود الروس، بحنكة، جنيف من جديد، على اعتبار أنّ التصريحات السعودية الأخيرة نوع من التهديد لنسف مباحثات السلام التي لم تحصل فيها على بطاقة رابحة واحدة، وتقدّم جرعة تشجيعية للكيان الوهابي على حساب بعض التفاوضات السورية السورية المعدومة وهابياً في «جنيف 3».
4 – أو أنّ الروس والسوريين والإيرانيين سيلجمون الانفجار السعودي بقوة القتال في الميدان السوري والعراقي بقوة أكثر، غير آبهين بالتهديدات السعودية عبر ثقتهم بأنّ أردوغان سيزجّ نفسه في أتون الحرب المباشرة مع الأكراد وفق ما ظهر في نهاية الأسبوع الأول من شهر شباط في جنوب شرقي البلاد، وفي فشله الاقتصادي في اللفّ والبرم على دول أميركا اللاتينية تعويضاً لميزان خسارته مع الروس ومقاطعتهم لتركيا.
كلّ الاحتمالات مفتوحة، ويبقى للعقلاء في قيادة العالم أن يلجموا الغطرسة الصهيو- وهابية. ومن هذا التشكيل الجديد الحاصل، فإنّ استمرار الجيش العربي السوري في عملياته العسكرية البريّة في تحرير الشمال والجنوب السوري دليل على أنّه يشتغل بالحسّ الوطني لا بالحسّ الدولي، لا بل يُجبر الحسّ الدولي على المواقف الصلبة وعلى التحرك الجدّي لمساندة سورية، لأنّ في تقدّمه في الميدان قوة كبرى للفريق السياسي السوري الذي يستطيع أن يعرّي في المحافل السويسرية كلّ مدّعي القوة، وأن يطأ بشدة على انتهازيّي الفرص والمهزومين والمأزومين الإقليميين الذين منّوا الأنفس بخسارة سورية، ويعود لسورية ليحمل في حقائبه لتتمّة «جنيف 3» أكلات سورية عريقة تليق بالمنتصرين فقط، وتسدّ الرمق وتنهض بالحيل العربي والإسلامي المقطوع، المنهزم، بدَلاً من الهمبرغر الأميركي والوجبات السريعة التي لا تناسب إلا مَن يبيع الوطن.
رئيس الأمانة العامة
للثوابت الوطنية في سورية