الحراك الدولي… طبول حرب أم جهد لصنع السلام؟

محمـــد ح. الحاج

الخيار بين واقع مرير أو الاتجاه نحو الأمل يفرض نفسه، لكنه لا يغيّر حقيقة الواقع… وما نيل المطالب بالتمني.

منذ بداية الحرب التكفيرية الدولية على سورية والغالبية من شعبنا والشعوب المحبة للسلام تتمنى وقف هذه الحرب الظالمة ووضع حدّ لها يعيد الأمن والاستقرار والسلام إلى المنطقة بأكملها، وهي المهدّدة بكارثة أسوأ مما هي فيه، وما من شك أنّ جهات كثيرة عملت بنية صادقة لتحقيق ذلك لكنها فشلت أو تمّ الدفع بجهودها نحو الفشل الذي خططت له قوى عالمية كبرى هي المستفيد الأول من هذه الفوضى التي أطلق عليها تسمية خلاقة .

مؤتمرات ولقاءات واجتماعات وزيارات في طول العالم وعرضه، في عواصم الدول الكبرى، والإقليمية، الراغبة في وقف الحرب، أو الداعمة لاستمرارها، يافطات وشعارات، وجهود ذهبت أدراج الرياح واستمرّ الخراب والدمار وأنهار الدماء، وإذ لم تدّخر الحكومة السورية جهداً في التعاون مع الجهود الدولية فإنها لم تجد على الطرف الآخر من يمتلك القرار أو القدرة على حرية الحوار والقبول بتسويات وإصلاحات تحفظ الوطن وتجنّب المجتمع حال التفتّت والتمزّق الذي وصل اليه، معارضات متناقضة، لا ظل ولا تأثير لها على الأرض، متقاتلة تبحث عن مكاسب أنانية ليس من بينها مصالح الشعب والأمة، تطرح ما يملى عليها من تعليمات تخدم مصالح الدول المشغلة لها.

لم أتفاءل يوماً ولم أقل أنّ أياً من المؤتمرات واللقاءات السابقة قد يحقق السلام ويوقف الحرب، وكنت أرى فيها مجرد مناورات لكسب الوقت واستنزاف الدولة السورية اقتصادياً وانهاك الجيش عسكرياً، وبالتالي فرض الوصاية أو التقسيم أو وضعها تحت انتداب جديد ، وكنت من خلال استقراء الوقائع والتصريحات وحركة المسؤولين في دول بعينها أبني الرأي وأطرح التوقعات التي لم تجانب الحقيقة من حيث النتائج، مؤتمرات جنيف الأول والثاني، القاهرة، موسكو، باريس، إلخ…، على العكس من ذلك في بعض الحالات تنبّأت بتطوّر العمليات العسكرية وحذرت من تحوّلها إلى صدام إقليمي واسع ربما يتحوّل إلى حرب عالمية بسبب تضارب المصالح وصراع الاحتكارات، وهذه جميعها يحركها لوبي صهيو ماسوني عالمي يخدم الكيان العدو.

وقائع الزمن الحاضر

على أبواب ختام العام الخامس من الحرب وهو زمن مماثل للحرب العالمية الثانية وبعد أشهر من الدخول الروسي على خط الحرب جواً بشكل مباشر بطلب من الحكومة الشرعية، يفشل مؤتمر «جنيف 3»، وينسحب وفد المعارضات التركية السعودية القطرية، بذريعة عدم استجابة الحكومة لمطلب وقف القصف وتقدّم الجيش السوري لاستعادة المناطق المحاصرة وتحريرها من الإرهاب، وحقيقة الأمر أنها كلمة حق يُراد بها باطل، فهم غير معنيّين بأمن وسلامة المواطنين المدنيّين العزل، وفي ذات الوقت هم لا يملكون القدرة على إلزام العصابات المسلحة بأيّ اتفاق لوقف النار، الخوف من الهزيمة دفع بهم إلى قبول «جنيف 3»، وتحقق الهزيمة دفع بهم إلى الانسحاب مع أذيال من الخيبة والمرارة، ومن حيث الواقع فإنّ انعقاد «جنيف 3» ضمن الموعد وبدء أعماله واستمرارها لأشهر كما حدّد دي ميستورا ما كان ليغيّر في الأمر شيئاً، لن يتوقف قصف التنظيمات الإرهابية، ولن يتوقف تقدّم الجيش والقوات الرديفة، ومن الخطأ تفويت الفرصة مع انهيار معنويات وخطوط الإرهابيّين وقطع امداداتهم في الجنوب كما في الشمال.

الإدارة الأميركية وحليفها الصهيوني يعيشان حالة من القلق والاستنفار، تنعكس على مواقف الإدارة المتخبّطة سياسياً. السعودية تواجه وحلفها الهزيمة على أرض اليمن، إنْ لم تكن كاملة فهي على الطريق وقد تجاوزت منتصفه. تركيا المضطربة تحشد قواتها العسكرية على مقربة من الحدود السورية، ولا يمكن استبعاد وجود قوى مرتزقة تقوم السعودية بجمعها من أنحاء متعدّدة بعد إعلان استعدادها المشاركة في تحالف دولي بري لمحاربة «داعش»! وهي سارعت لإنشاء تحالف عسكري مع أردوغان، فتسارع الإمارات العربية المتحدة والبحرين إلى التأييد، وإذ يدخل الحديث في طور التحرك الجدّي لا يخفى ذلك على العين الروسية التي استبقت تحركاً بريطانياً على أرض الأردن لإجراء مناورات عسكرية ضخمة، فاجأت روسيا العالم بفحص الجاهزية والاستعداد لوحدات هامة من الجيش والقوات الجوية، سبق ذلك إدخال أحدث طائراتها الخدمة في الوحدات المنتشرة على الأرض السورية – المناورات الإيرانية متلاحقة لا تتوقف، وسخرية القيادة الإيرانية من التهديد السعودي في أوجها، مع أنني لا أشارك هذا التوجه، فالوضع لا يحتمل المزاح والتهديد السعودي ليس نابعاً من قرار ذاتي، والجانبان الروسي والسوري يأخذانه على محمل الجدية التامة وهما مستعدّان لأيّ تطوّرات مفاجئة إذ يمكن توقع قيام القيادة السعودية بما هو غير معقول أو محسوب.

من يعتقد أن لا مصلحة للولايات المتحدة الأميركية في نشوب حرب إقليمية واسعة، وأن تمتدّ وتتطوّر إلى حرب عالمية، هو واهم، حتى الإدارة الأميركية ليست حرة في اتخاذ مثل هذا القرار، إنما تمليه وتفرضه جهات من خلف الستار، تلك هي من يخطط السياسة الخارجية العسكرية وهي من تأتي بشخوص المجالس وأعضاء الإدارة وهي من تزيحهم، حرب إقليمية لا تنخرط فيها أميركا بشكل مباشر بالقوى العسكرية مرغوبة وتخدم المصالح الأميركية بالمطلق، وهناك حسابات أخرى على الجميع أخذها بعين الاعتبار.

لم يعد العالم حكراً على قوة واحدة أو حتى قوتين، هناك قوة ثالثة وربما هي الأقوى في الميزان الفعلي، قوة اقتصادية، وبشرية عسكرية، نووية، ويقف إلى جانبها مجموعة من دول كبرى أيضاً ليس من السهولة استدراجها إلى حرب لا مصلحة لهم فيها، وماذا لو قرّرت هذه الكتلة الهائلة القوة، الوقوف ضدّ من تراه السبب في تعريض الأمن والسلم العالميين للخطر، والمبادر إلى إشعال الحرب أو المحرّض والدافع لقيامها، هذا الموقف يندرج تحت باب الدفاع عن النفس!

لا شك أنّ ما نسمعه الآن يشكل قرعاً عنيفاً لطبول الحرب، وهي حرب ليست في صالح المنطقة برمتها وستضاعف الخراب والدمار في المنطقة المشرقية… سورية والعراق واليمن، لكنها ستشمل الأردن وفلسطين ولبنان والسعودية وربما مصر كما الخليج برمّته وايران وتركيا ودولاً أخرى منها في أوروبا الشرقية والغربية، فإذا ما تطوّرت تحوّلت إلى حرب كونية وتحققت نبوءة ريغان… حرب نجوم، ولا يمكن استبعاد استخدام أسلحة الدمار الشامل، النووي والبيولوجي والكيميائي والنيتروني الخ… السلسلة التدميرية مما صنع الإنسان لفناء بني جنسه.

الكلام والتصريحات في واد والفعل في واد آخر، طبول الحرب حتى اللحظة صاحبة الصوت الأقوى، يساهم في قرعها بعنف الجنون الوهابي وشقيقه العثماني، وكلاهما جامحان يحتاجان إلى حبكة ولجام.

احذروا من مفاجأة التنين الصيني ولا تقفوا أمام ناره.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى