أيها المقاومون… امضوا إلى النصر
آية الله العلامة الشيخ عفيف النابلسي
بدأ العدو «الإسرائيلي» حرباً على غزة مستغلاً حال الأمة التي تحترق بالفتن والخلافات. شعر العدو بأنّ الأمة مثل جثة هامدة تمتصّها ديدان التكفيريين في كلّ مكان، وأنها اللحظة المناسبة لتصفية الحساب مع الغزيّين الذين يرزحون تحت وطأة حصار خانق منذ أعوام. لن يعترض المسلمون ولا العرب المنشغلون بتصفية بعضهم البعض. لقد غلبهم شيطانهم وسار بهم إلى قاع الضعف والتجمّد.
الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية، كالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، يغطون جميعاً في النوم العميق. لا أحد سيسمع صوت الانفجارات تنهمر على رؤوس المدنيين، ولا أحد سيشعر بأنين الأطفال وصراخهم. سيكون العالم منشغلاً كالعادة بقضايا أخرى، وسيكون العرب والمسلمون كالعادة بين خائف ومتهالك وخائن وغير مبالٍ.
من جديد تقف غزة صامدة مقاوِمة، تبادل الصهاينة الرصاصة بالرصاصة، والصاروخ بالصاروخ. تنتصب وافية القامة مدافعة عن نفسها وعن الأمة كلّها، وتتطلع إلى طريق النصر بعينين واثقتين. لم يعد «الإسرائيليون» وحدهم يملكون زمام المبادرة. هذا صار من الماضي. اليوم اختلفت المعادلة بفعل الصواريخ السورية ــ الإيرانية التي أوصلت بعناء ومشقة إلى داخل القطاع لمثل هذه المواجهة.
لكنّ للبعض كلاماً آخر. ثمة من لا يريد لغزة الانتصار لأنه يصبّ في خانة محور المقاومة. ثمّة من لا يريد للغزيين أن يكونوا حلفاء لسورية وإيران وحزب الله. ثمة من يرى أنّ انتصار الفلسطينيين يزيد من الخناق على نظامه. لذلك عمل سابقاً واليوم على تثبيط الهمم واستغلال الدم الفلسطيني للقول إنّ المقاومة عمل انتحاري.
إعلام النفط العربي الداكن سعى في الماضي ويسعى اليوم إلى ترويج فكرة قديمة بائسة، مفادها أنّ المقاومة ضدّ «إسرائيل» عبثية بلا جدوى، ومغامرة وتهوّر، وأن لا بديل سوى ترك السلاح، خاصة أنّ «إسرائيل» مغطاة بشبكة من التحالفات لا يمكن تجاوزها. فبناء على هذه القاعدة، على الفلسطينين أن يتخلوا عن حقوقهم ويتركوا آلة الإرهاب «الإسرائيلية» تطحن أجسادهم!
هذه الفكرة هي التي تتسبّب بالمزيد من الآلام والضعف والانسحاق، لا فكرة المقاومة وهي السبيل للعزة والكرامة واستعادة فلسطين من النهر إلى البحر، وهي التي أسّست لسلسلة من الإخفاقات السياسية والانهيارات القيمية داخل حركات أساسية كان لها باع طويل في العمل المقاوم.
من المؤسف أن نسمع كلاماً فلسطينياً فيه هذه الدرجة من الانحناء أمام العدو. كلا، لم يكن الحلّ يوماً من الأيام يمرّ عبر المفاوضات. كانت المفاوضات عاراً ووبالاً وأصابت جوهر القضية المقدسة. حتى لو لم يشهد العالم على الجريمة الكبرى في فلسطين، حتى لو لم يعترف أحد في العالم بشعب اسم وطنه فلسطين، ما كان ليكون خيار المفاوضات والتسوية خياراً صحيحاً.
صحيح أنّ اللحظة ليست إلاّ لشدّ عزيمة المقاومين. بيد أنّ هذه الأصوات التي تخرج من داخل الصف الفلسطيني أو العربي وفي بالها خنق مسيرة المقاومة وتعطيل حركة المقاومين لا يمكن تجاهلها وإنْ تكن زبداً على أمواج صواريخ المقاومة. المقاومة لن يعترض طريقها إلاّ ضعيف أو خائن أو عدو. فإذا كانت الظلمة في الماضي حالكة فإنّ المقاومين اليوم يبدّدونها بدمائهم وبطولاتهم وصواريخهم التي تسقط في عرين الكيان.
أيّها المقاومون، امضوا إلى النصر واظهروا للعالم أنكم أصحاب قضية نبيلة شريفة وأنكم أهل قيم وإيمان لا أهل تكفير وعدوان.