الأولويّة لمقاومة العدوان

غالب قنديل

بينما تخوض فصائل المقاومة الفلسطينية ملحمة بطولية في مجابهة العدوان الصهيوني ويترنّح العدو في أسر الفشل والعجز، يحمل المشهد الإعلامي العربي مجموعة من الملابسات والإشكاليات التي خلفتها حوادث السنوات الأخيرة، وتبدو لغة العديد من الوسائل الإعلامية العربية متبنّية للغة «الإسرائيلية» أحياناً في توصيفها الدفاع المشروع الذي تقوم به المقاومة ضدّ كيان غاصب غير مشروع يمثل وجوده بحدّ ذاته عدواناً وجودياً على الشعب الفلسطيني وعلى الأمة العربية بأسرها، وتحدّياً لأبسط مفاهيم حقوق الإنسان في العالم المعاصر، فهذا الكيان الصهيوني هو آخر استعمار استيطاني على وجه الكرة الأرضية منذ شروع عصبة الأمم في ما سُمّي بتصفية الاستعمار القديم، ويحظى بدعم الدول الغربية الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة التي وفرت تغطية سياسية كاملة للعدوان على غزة منذ لحظاته الأولى وسوّغت المجازر المرتكبة ضدّ الشعب الفلسطيني بدم بارد مطلق.

الحكومات العربية التابعة للغرب تخاصم غزة وحماس من موقع عدائها المستحكم لمنظومة المقاومة ولخيار المقاومة، وبفعل سعيها المستميت إلى ثتبيت الاعتراف بالكيان الصهيوني، وتصفية قضية فلسطين، تجد في المقاومة الفلسطينية، كما «إسرائيل» والولايات المتحدة ودول «الناتو»، العقبة الرئيسية المانعة لفرض الإذعان ولشطب قضية فلسطين والرضوخ لواقع التهويد الذي فرضه الصهاينة في الضفة الغربية المحتلة، وهي تسعى إلى ترويض القيادات الفلسطينية لتوريطها في خطة تحويل قطاع غزة إلى محمية منزوعة السلاح تحت وصاية «إسرائيل» تموّلها قطر وتلحقها سياسياً بهيمنة «الناتو» ورقابته «إرشادات» حكومة الوهم العثماني في اسطنبول.

من أخطر الانحرافات السياسية والإعلامية التي نشهدها اليوم يتبدّى التعامل مع قطاع غزة بجريرة الأخطاء السياسية الجسيمة التي ارتكبتها قيادة حماس بفعل ارتهانها لتنظيم «الإخوان المسلمين» ولمخططه السياسي الضامن شروط تجديد الهيمنة الأميركية في المنطقة وحماية أمن «إسرائيل»، وسواها من الالتزامات التي أدرجت في الوثيقة التي أبرمت في سفارة الولايات المتحدة في القاهرة عشية انتخاب محمد مرسي مع وليم بيرنز.

تورّط حماس في الحرب على سورية وتورّطها في الصراع السياسي داخل مصر يؤثّران بشدّة على تفاعل الشارع مع العدوان على غزة، وبينما تتعامل القيادة السورية بحكمة وترفّع، وتواصل تأكيد موقفها الداعم للمقاومة الفلسطينية، وتميّز بدراية وحرص تامّين بين تورّط حماس في الحرب على سورية ودور كتائب القسام في مقاومة العدوان الصهيوني، فإنّ بعض زعماء حماس ومتحدثيها السياسيين برهنوا عن قلة تبصّرعندما صبّوا تصريحاتهم وأحاديثهم على إنكار دور سورية وإيران وحزب الله في دعم المقاومة الفلسطينية وتسليحها وفي تمكينها من تقنيات صناعة الصواريخ واستخدامها، بينما لم يتجرأوا على ممارسة نقد ذاتي صريح حيال أخطائهم البيّنة والمؤذية لقضية فلسطين ولإنجازات منظومة المقاومة ولتضحيات الشعب الفلسطيني.

في حساب محور المقاومة، ليس التوقيت الراهن مواتياً للمناكفات ولا لتصفية الحسابات مع قيادة حماس السياسية، فتلك القيادة كما كان يقين المحور وقادته الكبار، سوف تبقى محكومة بوجود قاعدة حماسية كبيرة مقاتلة في كتائب القسام إلى جانب الفصائل الوطنية المقاومة في غزة، وبطبيعة الصراع العربي ـ الصهيوني، وبجذرية المستعمرين الصهاينة. وهي محكومة بالصورة التي قدمت نفسها بها من خلال رفعها شعار تحرير فلسطين وقد باتت منذ الحرب على سورية في وضعية تشبه كثيراً مفارقة سعي القيادة الفلسطينية خلف سراب الحلول السلمية المزعومة، فيما القاعدة المقاتلة للمنظمات الفدائية في غمار الاشتباك مع الكيان.

الحساب الكلي لإدارة الصراع يفرض على جميع المعنيين من الخندق الوطني التحرّري التعامل مع غزة بجميع مكوّناتها، ورفض اختزالها وخلط الأولويات وبث الضغائن، ففي القطاع شعب صامد ومقاومون وطنيون من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ولجان المقاومة الشعبية ومن فصائل أخرى مثل القيادة العامة والديمقراطية وفتح وكتائب شهداء الأقصى وسواها إلى جانب حماس وفدائيّي كتائب القسام التي تلعب دوراً وطنياً رئيسياً لا يمكن التنكر له. والموقف الواجب والمستحق هو دعم جميع المقاومين في غزة والتضامن مع شعب فلسطين وصموده الأسطوري في القطاع، والسعي إلى تثبيت معادلات الردع في وجه الكيان الصهيوني الذي يخسر في المواجهة الدائرة جميع رهاناته بعد الهزائم التي ألحقتها به منظومة المقاومة في المنطقة، وكلّ تعامل آخر هو انحراف عن المبادئ والقيم القومية والأخلاقية، من غير أن يعني ما تقدم تنحية المناقشة في الاختلاف مع قيادة حماس حول أخطائها في سورية بوضوح تام. لكن مقاومة العدوان على غزة هي الأولوية الراهنة التي تتخطى ما عداها في هذه الظروف، وكلّ جهد في غير هذا الاتجاه سيكون هدراً للجهود وحرفاً للاهتمام عن المعركة مع العدو.

عضو المجلس الوطني للإعلام

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى