حركة يقودها بري لتصويب العقوبات المالية الأميركية بمشاركة سلامة والنواب ريفي يُخفي كفوري في قضية سماحة ويقاطع الحكومة مزايدة… والحريري يتبرّأ
كتب المحرر السياسي
اختار الأميركيون كما كان متوقعاً عدم حسم الخيارات، وتهدئة جبهات التصادم بين ضفتي ميونيخ المنعقد بالتقسيط حول سورية، بلقاءات ثنائية وثلاثية بانتظار جلسة جامعة يحضّر لها وزير خارجية أميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف في لقاءات مكوكية، كلّ على ضفة حلفائه للبحث عن مخارج تحول دون إعلان الفشل والذهاب إلى مواجهة مفتوحة، يعلم الأميركيون والروس أنهما لا يريدانها. وتقول مصادر إعلامية روسية أنها تعلم أنّ واشنطن تشاركها الكثير من القناعات، لكنها لا تريد خسارة حلفائها المتشدّدين، خصوصاً السعودية وتركيا.
الخيار الأميركي بتفادي الحسم يبحث عن مخارج متفق عليها لفظياً ولها ضمناً تفسيرات متعدّدة تتيح للجميع الخروج من اللقاء والإعلان عن آمال بالتطبيق، والجميع يعلم أنّ التطبيق رهن بتوحيد التفسيرات، وأنّ أصل الاتفاق كان على غموضها وتعدّدها.
وقف النار الذي يحتاج تصنيف التنظيمات الإرهابية ليتمّ تحديد الجبهات والمناطق التي يشملها وتحدّد آليات المراقبة للتقيّد به، سيتمّ استباقه، بتحديد موعده وترك مهمة الاستكمال للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لينجز التصنيف، ويضمن المتابعة للتقيّد بوقف النار، وهي مهمة تبدو أقرب إلى إبراء الذمة لوقف نار لن يتحقق، ولتصنيف لم ينضج إنجازه بالتراضي، ليتكفل الميدان بقول الكلمة الفصل، تحت شعار وقف النار والمطالبات المتعاكسة، من جهة بالتقيّد بوقف النار ومن جهة مقابلة بتصنيف الإرهاب ليتمّ استثناء تنظيماته من أحكامه، ومثل وقف النار العودة للحوار في جنيف، الاتجاه لتحديد موعد جديد وترك مشاورات حلحلة عقد تشكيل الوفد المعارض لدي ميستورا، بما هو رفع عتب عملياً لن ينجز شيئاً قبل أن تتغيّر موازين القوى، فيذهب المتفاوضون إلى جنيف ولا يتفاوضون، بل تتبارى جيوشهم في الميدان.
خلال شهر حتى منتصف آذار تبدو سورية ساحة اشتباك كبير يحتاج وقائع صارخة حتى تنضج ساعة السياسة، وربما تكون اللحظة مناسبة مع موعد زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو في منتصف آذار المقبل، في سباق بين خيارات عرضها لافروف. عملية سياسية عقلانية لا تبدو ناضجة، وحسم عسكري للجيش السوري يتقدّم، ومخاطر عبث بتفجير كبير يتورّط فيه الجميع بسبب حماقة التدخل البري السعودي أو التركي، قال أحد أبرز قادة الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي ما قاله رئيس وزراء روسيا ديمتري ميدفيديف وما سبقهما إليه وزير خارجية سورية، من أنّ الذين سيعبثون بأمن سورية ستتمّ إعادتهم إلى بلادهم بالصناديق.
شهر هدنة للسياسة سيتكفل فيه الميدان برسم خطوطها ونسج خيوطها، تحت شعار هدنة عسكرية وعملية سياسية، والأمور تسير بالمقلوب.
في لبنان تطوّران بارزان، الأول المسعى الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتعاون مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لوضع ضوابط وتوضيحات تخفّف الطابع التعسّفي للعقوبات الأميركية المالية على لبنانيين، والتعقيدات الاستثنائية على العمليات المصرفية في مصارفها وعبرها، وكان حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قد كشف عن مراسلات واتصالات بدأت تعطي نتائج إيجابية في هذا المجال، بينما يغادر وفد برلماني سيضمّ ممثلين لأبرز الكتل النيابية إلى واشنطن للقيام باتصالات عبر الكونغرس ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة لنقل وجهة النظر اللبنانية الجامعة بعيداً عن الانقسامات الداخلية حول مخاطر القيود الأميركية على الاستقرار المالي في لبنان.
في مجال آخر، برز تصعيد لافت لوزير العدل أشرف ريفي الذي يتحمّل مسؤولية حجب الشاهد والشريك في ملف الوزير السابق ميشال سماحة، ميلاد كفوري ويقدّم له الحماية، فقد أعلن ريفي تعليقاً على عدم إقرار طلبه إحالة ملف سماحة إلى المجلس العدلي عن مقاطعته جلسات الحكومة حتى يتمّ إقرار طلبه، واللافت كان بيان عاجل للرئيس سعد الحريري يتبرّأ فيه من خطوة ريفي.
حوار عين التينة يسجّل تفاهمات
انعقدت جلسة الحوار الـ 24 بين حزب الله وتيار المستقبل، مساء أمس، في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، والوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار المستقبل. كما حضر الجلسة الوزير علي حسن خليل. وجرى البحث في التطورات الجارية على مستوى المنطقة والانعكاسات المحتملة على لبنان، والحاجة أكثر من أي وقت مضى للحفاظ على الاستقرار الداخلي وحمايته. وناقش المجتمعون الأوضاع الاقتصادية والمالية والحاجة إلى إجراءات إصلاحية جدية، وضرورة انتظام عمل الحكومة وإنتاجيته.
ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أنه قد «تكون المرة الأولى التي يسجل فيها الحوار تفاهمات بهذا المستوى، بحيث إنها تشكل فائدة لأطراف الحوار، كل وفقاً لموقعه ومصالحه، وللوضع اللبناني العام بالنظر إلى المخاطر التي تتهدده، ويبدو أن هذه التفاهمات لامست معظم المسائل الخلافية بحيث إنه كان من الطرفين قبول بتجنب عرض أي ملف في الإعلام قد يثير اشتباكاً لأن الوضع اللبناني ربطاً بالمتغيرات الإقليمية لا يحتمل مثل هذا الاشتباك وليس من مصلحة أي من الطرفين وقوعه». ولفتت المصادر إلى «أن المجتمعين بحثوا في زيارة الوزير علي حسن خليل لواشنطن للبحث في الملفات المالية وفي قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع حزب الله».
ترحيب أميركي بالزيارة المرتقبة للوفد اللبناني
ويستعد وفد نيابي لبناني مؤلف من النواب محمد قباني، ياسين جابر، روبير فاضل وباسم الشاب للتوجه إلى واشنطن في 22 شباط الجاري للبحث في قانون العقوبات التي فرضها الكونغرس الأميركي على حزب الله ومَن يتعاملون معه. وأكد قباني لـ»البناء» «أن الزيارة مرحَّب بها من الكونغرس والإدارة الأميركية»، لافتاً إلى «أن الحديث عن رفض الكونغرس لقاء الوفد اللبناني هو للتشويش على هذه الزيارة». وأعلن أن الوفد سيلتقي مستشارين في البيت الأبيض أعضاء في الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين، وأعضاء في الخزانة الأميركية». وقال: «لا نذهب لتغيير قرار الكونغرس، فالقانون صدر، إنما من أجل إنشاء علاقات ودية مع الإدارة الأميركية والتأكيد للمسؤولين الأميركيين أن لبنان من خلال المجلس النيابي كان سباقاً في إصدار قوانين عدة متعلقة بمكافحة الإرهاب وبتبييض الأموال وان الجيش الذي تلقى دعماً من واشنطن يخوض حرباً شرسة ضد الإرهاب عند الحدود الشرقية». وشدد قباني على «أن الزيارة ليست للدفاع عن حزب الله بل للدفاع عن لبنان وليس عن جهة معينة، فالمحافظة على القطاع المصرفي اللبناني واجب ضروري».
تمويل النفايات من الصندوق البلدي
حكومياً، وافق مجلس الوزراء على إعطاء سلفة مالية بقيمة 50 مليون دولار لمجلس الإنماء والإعمار لتمويل ترحيل النفايات، كما وافق على إعطاء سلفة بقيمة 130 مليار ليرة إلى هيئة أوجيرو لدفع الرواتب. ووافق مجلس الوزراء أيضاً على صرف تعويضات التعاقد للأساتذة، بعدما قدم وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب الإيضاحات اللازمة التي طلبها وزير المال علي حسن خليل حول العقود والعدد والكلفة. وبعد القرار وقع وزير التربية بدلات أتعاب المعلمين المتعاقدين مع المدارس الرسمية عن الفصل الأول من العام الدراسي الحالي 2015-2016، وأحالها إلى وزارة المالية لكي تكتمل الإجراءات الإدارية وتحال الأموال إلى أرقام حسابات المعلمين في المصارف.
وفيما لم يتطرق مجلس الوزراء إلى ملف جسر جل الديب ولم يبحث في فرض ضريبة على البنزين، علمت «البناء» أن وزير المال سيجري اتصالات مع المعنيين من المكوّنات السياسية لتذليل العقد من أمام إقرار الموازنة لا سيما أن معالجة الوضع المالي على ما هو عليه الآن لا تفي بالغرض».
وأكد رئيس الحكومة تمام سلام بحسب ما علمت «البناء» أن العقد المتعلق بترحيل النفايات جاهز للتوقيع وأن لا بد من إيجاد التمويل اللازم». ولفت إلى «أن مجلس الوزراء قرر تأمين التمويل من احتياطي الموازنة أو من الصندوق البلدي لترحيل النفايات إلى روسيا على أن يباشر إطلاق الخطة المستدامة لمعالجة النفايات. وأشارت مصادر وزارية إلى أن «مجلس الإنماء والإعمار سيراقب تنفيذ العقد الذي سيتم خلال يومين»، مشيرة إلى أن «سلفة الـ 50 مليون دولار هي دفعة أولى لستة أشهر». وإذ اعتبرت المصادر أن الخلافات السياسية فرضت ضرورة الترحيل، لفتت إلى «اعتراض وزراء التيار الوطني الحر وحزب الكتائب على الترحيل من دون أن يقوموا بتعطيل القرار الذي اتخذ في مجلس الوزراء».
ولفت بو صعب إلى «أننا اعترضنا على حل ترحيل النفايات بسبب الكلفة الباهظة جداً، ولكن لم نستطع تعطيل الخطة».
وكانت الجلسة التي عقدت في السراي شهدت انسحاب وزير العدل أشرف ريفي احتجاجاً على «عدم بحث بند إحالة جريمة ميشال سماحة إلى المجلس العدلي للجلسة الثالثة على التوالي». وأكد ريفي أنه لن يشارك بأي جلسة للحكومة قبل أن يدرج هذا الملف بنداً أول.
وأكدت مصادر وزارية لـ»البناء» أن «ردة فعل الوزير ريفي لم تكن في محلها لا سيما أن النقاش لم يصل إلى البند 65 المتعلق بإحالة قضية الوزير ميشال سماحة إلى المجلس العدلي»، مشيرة إلى «أن وزراء الكتائب الثلاثة لحقوا به لإقناعه بالعودة، فيما لم يحرّك وزراء المستقبل ساكناً». وبررت مصادر أخرى لوزير العدل انزعاجه من التأخير المتعمَّد لهذا البند لا سيما أن هناك بنوداً تطرح من خارج جدول الأعمال»، مشيرة إلى «أن رئيس الحكومة رفض الانتقال إلى هذا البند الخلافي قبل الانتهاء من البنود التي تسبقه على جدول الأعمال ما أثار غضب وزير العدل واستدعى انسحابه». لم يكد ريفي يُنهي كلامه من السراي عن «الخيارات القانونية التي سيفاجئ بها اللبنانيين من أجل إقامة العدالة»، موضحاً «أنه يمكن الذهاب في اتجاه المحكمة الجزائية الدولية، أو اللجوء إلى القضاء الكندي لكون سماحة يحمل الجنسية الكندية، أو اللجوء إلى إحدى الدول التي أعطيت إجازة صلاحية دولية بمتابعة الجرائم المتعلقة بالإرهاب»، حتى شنّ الرئيس سعد الحريري هجوماً عليه عبر تويتر قائلاً: «إن موقف وزير العدل لا يمثلني ولا يزايدنّ أحد علينا باغتيال رئيس فرع المعلومات السابق وسام الحسن أو محاكمة الوزير السابق ميشال سماحة، فكل من ارتكب جريمة سينال عقابه».
وفور انتهاء جلسة مجلس الوزراء غادر رئيس الحكومة إلى ألمانيا للمشاركة في مؤتمر ميونيخ للأمن العالمي، الذي سينعقد في دورته الـ52 لتعزيز سلمية الصراعات والتعاون والحوار الدولي، والذي تنظمه مقاطعة بافاريا الألمانية اليوم الجمعة وغداً السبت.
ومثّل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لبنان في مؤتمر المجموعة الدولية لدعم سورية الذي انعقد مساء أمس، في فندق هيلتون ميونيخ ألمانيا، وذلك بدعوة من وزير الخارجية الأميركي جون كيري للبحث في الوضع السائد في سورية.