ماذا يجري في طرابلس الغرب: يوم الجمعة موعد مع الجحيم
يوسف المصري ـ خاص
حصلت «البناء» على أحدث تقرير وصل إلى جهات معنية في بيروت عن حقيقة الأوضاع الميدانية المتفجرة التي تشهدها العاصمة الليبية طرابلس الغرب منذ أيام. وفيما يلي نص التقرير:
الأوضاع في طرابلس لا تزال على حالها من توتر شديد وشوارع مقفرة مع انتشار إشاعات لا يوجد تأكيدات لها بخصوص أنّ الأوضاع سوف تنفجر يوم الجمعة المقبل غداً داخل المدينة على نحو كارثي.
أما في ما يتعلق بالمطار، فقد وصف شهود عيان وصلوا إلى هناك قبل ساعات وضعه بالمأسوي، حيث تحدثوا عن نسبة تدمير طاولت منشآته الكبيرة تعدّت الـ50 في المئة لا سيما منها المنشآت التقنية وعنابر الصيانة والتخزين والبرج والطائرات التي يحتاج إصلاحها لأسابيع، مما يجعل من مطار طرابلس اليوم عبارة عن مدرج هبوط أكثر منه مطار، هذا في حال تمكنوا من إصلاح المدرج وإعادة تشغيله بالحدّ الأدنى. أما العنابر والبرج وتجهيزات الملاحة فتحتاج لوقت طويل لإصلاحها.
وهذا الواقع يجعل قبيلة الزنتان الآن تدافع عن مدرج هبوط يحتاج إلى إصلاح أكثر من كونها تدافع عن مطار كانت تسيطر عليه. وهو موقف لا تحسد عليه، وبحسب مسؤولين هنا في طرابلس الغرب فإنّ الزنتان الآن يوجدون بين مطرقة المصراتيين المهاجمين وبين سندان القبائل الليبية.
الزنتان بين المطرقة والسندان
وتقول تفاصيل هذه المعادلة الآنفة إنّ مطرقة مصراتة المهاجمة، والتي يُشاع هنا أنّ لها علاقات وطيدة مع قطر، كبّدت الزنتان التي لها علاقات وطيدة بالإمارات بحسب مصادر ليبية متابعة، خسارة استراتيجية قوامها تحويل مطار طرابلس الذي كانت تسيطر عليه وتجني منه فوائد هامة متعددة، إلى مدرج هبوط معطل، ما يجعل ثمن استمرارها في محاولة المحافظة عليه مكلفاً جداً. أما سندان القبائل الليبية التي تخضع لثقله الزنتان، وفي مقدمها قبائل ورشفانة وورفللة وترهونة الكبيرة، فهي بدأت تستغلّ أزمتها عبر وضع شروطها القاسية أو حتى الابتزازية عليها كطريق وحيد لاستمرارها في دعمها في المواجهة مع أهل مصراتة الذين يهاجمون حالياً مطار طرابلس الغرب للسيطرة عليه.
محاولة فاشلة
وكشفت معطيات التقرير أنه جرت في اليومين الماضيين سلسلة لقاءات بين الزنتان والقبائل المذكورة أوضحت فيها القبائل شروطها وهي تتلخص بثلاثة:
ـ الأول إعلان الزنتان انسحابها من 17 فبراير إلى غير رجعة والقتال تحت راية غير العلم الليبي الحالي.
ـ الثاني إطلاق جميع السجناء لدى الزنتان من القبائل ومن النظام السابق، وهنا يبرز اسم سيف الإسلام القذافي المسجون لدى الزنتان.
ـ الثالث أن يكون التحالف هدفه القضاء على الإسلاميين وليس فقط استرجاع مطار طرابلس وتشغيله، وهذا يعني أن تقوم القبائل الليبية مع الزنتان بالسيطرة على طرابلس ثم استكمال الخطة بالذهاب إلى مصراتة نفسها.
ولا شك أنّ الزنتان رفضت هذه الشروط على رغم محاولتها إرضاء القبائل بأعمال رمزية كإخلائها لسبيل اللواء عمر تنتوش، وهو من أركان نظام القذافي الذين ظلوا يقاتلون إلى جانب معمر القذافي حتى آخر لحظة، وهو كان سجين الزنتان منذ سقوط النظام وحتى صباح أمس.
كما أنّ بعضاً من القبائل أرسلت بعض النجدة للزنتان حيث وصلت أول من أمس الثلاثاء 35 سيارة رباعية الدفع من المقارحة إلى مطار طرابلس في مؤازرة للزنتان.
كما جرى مساء الثلاثاء في طرابلس لقاء مصالحة بين الزنتان ومصراتة استمرّ طوال الليل، إلا أنّ المصالحة فشلت حتى في الوصول إلى وقف لإطلاق النار حيث عادت الاشتباكات وعمليات القصف صباح اليوم الخميس.
والملاحظة اللافتة أيضاً أنّ جميع المطارات الليبية هي الآن خارج الخدمة، كما أنّ الطرقات المؤدية إلى الحدود الليبية البرية مع دول الجوار جميعها غير آمن بما فيها الحدود مع مصر بعد تنفيذ جماعة أنصار الشريعة بقيادة سفيان بن قمو عملية التفاف من الشرق على قوات اللواء خليفة حفتر المرابطة في منطقة البيضاء، قاطعة بذلك الطريق البري نحو مصر، في حين أنّ الجنوب الليبي منطقة تعجّ بجماعات القاعدة وهي ليست آمنة على الإطلاق. وتوحي مجمل هذه التحركات وكأنّ هناك عملية عزل لليبيا تحضيراً لشيء ما يجعلها جزيرة مغلقة.
من اللافت أيضاً أنّ فضائية قناة ليبيا الأحرار التي تبث من قطر وتمولها قناة الريان القطرية وكان على رأسها حتى يوم السبت الماضي محمود شمام، رئيس تحرير نيوزويك العربية سابقاً ووزير الإعلام الليبي السابق بعد سقوط النظام، جرى استبداله بعلي الصلابي، وذلك في تزامن لافت مع الهجوم على مطار طرابلس. وكانت قناة ليبيا الأحرار تنادي بخطاب علماني ليبرالي فيما علي الصلابي المقيم في قطر يُعتبر من منظري «الإخوان المسلمين» في ليبيا، وهو أخ لإسماعيل الصلابي أحد وجوه الجماعات الليبية المقاتلة وتنظيم القاعدة في ليبيا، وقد سرت إشاعات عن ضلوعه في عملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس إبان الثورة في ليبيا إلى جانب آخرين.
ثمة أسئلة في هذا المجال تضاف إلى غيرها حول الموقف المصري مما يحصل في الشرق الليبي، كيف ستردّ مصر على قيام إخوان ليبيا وأنصار الشريعة بقطع خطوط الإمداد بين حليف القاهرة حفتر وبين الداخل المصري؟! ونفس الأسئلة مطروحة على كلّ من الجزائر وتونس اللتان تحاصران عبر حدودهما الليبية من الإخوان والنسخة الليبية من القاعدة؟
الوضع في طرابلس الغرب يتقدم نحو انفجار أكبر في حين أنّ دول الجوار لا تزال مندهشة حيال ما يحصل، على رغم قناعة لديها وبخاصة مصر بأنّ ما يحدث هو هجوم قطري تركي عليها في ليبيا. انقلاب المعادلات في طرابلس الغرب لمصلحة أهل مصراتة والإخوان وأنصار الشريعة ضدّ الزنتان القريبين من حفتر والقبائل المتحالفة ضدّ الإسلاميين، تشبه ما حدث في الموصل، ولكن ضمن ظروف البيئة الليبية ودور مصر فيها.