بعد اجتماعات الدوحة الفلسطينية ما الذي ينبغي …؟

محمد شريف الجيوسي

ما الذي توصلت إليه محادثات حركتي فتح وحماس في الدوحة برعاية قطرية تركية، على مقربة من قاعدتين عسكريتين أميركيتين؟

وهل يمكن لهذه الرعاية تحقيق ما تأمله من نجاحات بمواجهة رؤية مصر المساندة أردنياً، بكل ما لهما أي مصر والأردن من تماس جغرافي وديمغرافي وسياسي وتاريخي واقتصادي؟

وهل الحركتان، حماس وفتح، جادتان في التوصل إلى مصالحة تقوم على أسس ثابتة واضحة قابلة للتنفيذ، تتضمن آليات النضال للمرحلة المقبلة؟ أم أن المفاوضات مجرد حفل علاقات عامة تحتاجها الحركتان المحرجتان إزاء الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، الخارجة عن قدرتهما على الاندماج فيها، أو السيطرة عليها، أو استثمارها سياسياً؟

وهل فتح وحماس هما المعنيتان في المحادثات أم كل الفصائل الفلسطينية سواء من كان داخل السلطة الفلسطينية أو خارجها من فصائل عشر، والجهاد الإسلامي؟

وفي حال عقد جولة ثانية للمحادثات تضم كل مكونات الشعب الفلسطيني النضالية المفترضة هل تصلح الدّوحة مكاناً لحضور الجميع؟

وما هي التداعيات أو النتائج اللاحقة سواء بالتوصل إلى اتفاق قابل للتنفيذ أو عدم التوصل إليه في حال استمرت الشقة واسعة بين فتح وحماس؟

هل يمكن أن يكون اتفاق الفصيلين الرئيسيْن على حساب الانتفاضة، وتكريس تراجع شعبيتيهما عما كانت عليه قبل نحو 10 سنوات؟ وبالتالي صعود قيادات جديدة من داخل ميدان الانتفاضة ومن فصائل أخرى، في مواجهة الاحتلال الصهيوني؟

هل يمكن التوصل إلى تسوية شكلية مظهرية تبدو معها السلطة الفلسطينية معبّرة عن الضفة والقدس المحتلتين والقطاع المحاصر من قبل الكيان الصهيوني، وفي آن بقاء حماس ممسكة برقبة القطاع، وفق رؤية مكتب الإرشاد العالمي الإخوني؟

هل سيبقى الطرفان منقسمان وفق التوزيعة الإقليمية الراهنة، السلطة تنسق أمنياً، مع «إسرائيل» وحماس ملتزمة بالتفاهم الأمني معها وفق الاتفاق الموقع بينهما برعاية الرئيس المصري المخلوع في 21 تشرين ثاني 2012، والثاني في 26 آب 2014 برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؟

هل يمكن أن يقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالمبادرة المصرية المكونة من 3 نقاط، أولاها تحقيق مصالحة داخل حركة فتح وثانيها بين فتح وحماس، وثالثها إجراء تغييرات مهمة في منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، وهي المبادرة التي لم تجد قبولاً من قبل قطر وتركيا أيضاً؟

وهل انشغال السعودية في سورية واليمن، وانشغال سورية في الحرب العدوانية التي تشن عليها وفي تنظيف أرضها من العصابات الإرهابية، سيبقيهما خارج التأثير المباشر على الساحة الفلسطينية، بغض النظر عن التباين الجوهري بين التأثيرين ومدلولاته وانعكاساته؟

وهل استعادة الوحدة تستدعي عقد اتفاقيات جديدة غير تلك الاتفاقيات المجمع والموقع عليها في أكثر من مناسبة بالقاهرة، أم أن المطلوب تحديد تواريخ التنفيذ وآلياته وإرادة التنفيذ والتحرر من الضغوط والتدخلات الخارجية وأجندة مكتب الإرشاد العالمي الإخوني.

والسؤال الجوهري كيف يمكن استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية جغرافياً وديمغرافياً وفصائلياً وعلى صعيد آليات النضال؟

أولاً: لا بد من أن تشمل المحادثات كل الفصائل الفلسطينية في المرحلة الأولى وضم مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في مرحلة تالية مباشرة.

ثانياً: لا بد أن تجرى المحادثات على أرض وطنية محايدة وآمنة، وربما تكون الجزائر مكاناً مناسباً لعقد هذه المحادثات.

ثالثاً: لا بد أن تنعقد المحادثات من دون توقف حتى التوصل الى اتفاق مفصل يتضمن ليس فقط التوافقات المتفق عليها سابقاً وإنما أيضاً تزامناتها وأولوياتها وآليات التنفيذ والوسائل النضالية.

رابعاً: لا ينبغي كتم ما يتم الاتفاق عليه أو نقاط الاختلاف عن وسائل الإعلام، أولاً بأول ـ من خلال 5 ناطقين رسميين يتفق على أسمائهم يتحدثون في مؤتمر صحافي في ختام كل يوم للمحادثات، يجمل فيه ما تم الاتفاق عليه وما زال معلقاً بوضوح كامل، على أن يمثّل المتحدثون فتح وحماس والفصائل المندمجة في السلطة وفصائل دمشق ومؤسسات المجتمع المدني، يحيث يكون الشارع الفلسطيني في الصورة وليس مغيّباً، ولكي لا تكون المحادثات عرضة للتكهنات وتبادل التهم والتقولات والتهرب من المسؤولية.

إن إخفاء ما يجري وراء الأبواب المغلقة يخفي النية والرغبة بعدم التوصل إلى اتفاق، وتحميل الإعلام مسؤولية الفشل، فيما الحقيقة أن إخفاء ما يجري عن الإعلام، وصفة ممتازة لانتشار الإشاعات والتكهنات.

خامساً: تشكيل مجلس وطني جديد، يكون أعضاء المجلس التشريعي فيه، ومن الممكن إجراء انتخابات فرعية لاختيار عدد محدود، أو أن تقوم البلديات والمجالس القروية ومؤسسات المجتمع المدني المحلي من نقابات واتحادات طلبة وشبيبة وفلاحين وعمال باختيار ممثلين لها في المجلس الوطني بحدود 100 عضو، وإجراء انتخابات في بلدان اللجوء والمغتربات حيث يمكن ذلك، ويختار المجلس المركزي للمنظمة قبل التشكيل الجديد ممثلي كل منطقة لا يمكن إجراء انتخابات فيها بالتوافق بين الفصائل في حدود حجم كل فصيل فيها ، على أن يعقد المجلس على أرض عربية محايدة آمنة تمكن جميع المنضوين الموقعين على الاتفاق من الحضور، وعلى أن تلتزم الأطراف بميثاق المنظمة، مع الحق في إبداء الملاحظات الناقدة في بياناتها الخاصة ضمن الالتزام العام بقرارات الإكثرية، وعلى أن تمثل جميع القوى الحية من الفصائل والمجتمع المدني في اللجنة التنفيذية للمنظمة.

سادساً: النص بوضوح على ممارسة آليات نضالية موحدة ابتداءً بالعمل الدبلوماسي الدولي مروراً بالنضال الشعبي من إعلام وعرائض وإضرابات ومسيرات واعتصامات وهبات وانتفاضات، وانتهاء بالكفاح المسلح، وفي كل ذلك ينبغي أن يكون كل شيء واضحاً، وبعيداً من أي تنسيق أو تفاهم مع العدو الصهيوني، ومتفقاً عليه وصولاً إلى تحقيق الأهداف الوطنية.

سابعاً: تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات كاملة في كل المناطق الفلسطينية، تشرف على إجراء انتخابات متزامنة في وقت واحد معاً للمجلس التشريعي والرئاسة، على أساس النسبية، تليهما انتخابات بلدية خلال شهرين.

إن شمول الانتفاضة الثالثة، الضفة والقدس وفلسطين المحتلة سنة 1948، يكشف مدى الترهل الذي وصل إليه حال السلطة الفلسطينية وحال إمارة حماس الإخونية في الضفة، ويعري التنسيق والتفاهم مع «إسرائيل» رغم قرارات وتأكيدات المجلس المركزي الفلسطيني على وقف التنسيق مع دولة الاحتلال ورغم المزاودات الحماسوية اللفظية في غزة التي تتفاهم مع «إسرائيل» كما سبق وأشرنا.

إن استدارة حماس في مواجهة الدول التي احتضنتها سنوات ودفعت الثمن غالياً لقاء هذا الاحتضان والدعم، التزاماً منها أي حماس بالأجندة الإخوانية، وتغليبها العقلية المذهبية المتخلفة على الالتزام الوطني، أفقدها الشارع الفلسطيني والقضية، وفي آن فشلت في تحقيق أي إنجاز وطني فلسطيني صمود غزة الفلسطينية في وجه أكثر من عدوان صهيوني هو نتاج صمود جمعي لكل المقاومين والشعب الفلسطيني هناك ونتاج التدريب والدعم الذي قدمته المقاومة اللبنانية فضلاً عن الدعم المالي والعسكري والسياسي والتدريب الذي قدمته سورية وإيران مباشرة أو بالواسطة .

في الجانب الآخر فشلت السلطة الفلسطينية في إنجاز أي تقدم على صعيد القضية، وخذلها من راهنت عليهم من أميركيين وأوروبيين غربيين ومفاوضات عبثية، ما يستدعي عدم المراهنة عليها وعليهم أو العودة إليها، إلا في ظل ميزان قوى فلسطيني وإقليمي ودولي مختلف تماماً، وهو ما بدات مؤشراته ماثلة في سورية واليمن والعراق.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى