هل تجهض واشنطن المغامرة قبل انطلاقها؟
سعد الله الخليل
بعد ترحيل الأمم المتحدة مسار محادثات جنيف إلى الخامس والعشرين من الشهر الحالي نظرياً وفي ضوء انسداد الأفق بإمكان فتح طاولة المحادثات السورية السورية على أرض الواقع وما صدر عن ملتقى ميونخ لمجموعة الدعم الدولية حول سورية المنعقد وفي إطار قرع طبول التدخل البري على الأرض والذي بدأت أنقرة بأولى رماياته التمهيدية بالتزامن مع التحشيد السعودي لقواها خلف الحدود من الجانبين التركي والأردني، وهو ما يعني الإقرار بصعوبة الحديث عن حلول سياسية تضع حداً للمأساة السورية وتجعل من الإمكان الاعتقاد بأنه ثمة عملية سياسية تلوح في الأفق السوري.
حين أعلن المبعوث الأممي تعليق المحادثات في جنيف منعاً لإحراج وفد الرياض بالانسحاب عقب كسر الجيش العربي السوري الحصار عن مدينتي نبل والزهراء نسف فكرة الحل السياسي للأزمة السورية للصعوبة بإتمام موجباتها التي تفوق قدرة تحمل الأطراف الإقليمية والدولية تبعاتها بدأً من تصنيف الجماعات المسلحة إلى معارضة وإرهابية وانتهاءً بتشكيل الوفد المعارض الممثل لكل أطياف المجتمع السوري وهو ما اقتضى انتقال الأطراف الدولية والإقليمية إلى الخطة البديلة لمواجهة التطورات الميدانية والانقلاب على مسار فيينا والقفز فوق القرار الدولي 2254 نظراً إلى ما سيحمله التطبيق من خسائر لتلك الأطراف على الأرض السورية.
قبل عام روّج المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا لمبادرته بتجميد القتال في حلب لإعادة الأمن إلى المدينة لتكون نقطة انطلاق لإعادة الاستقرار إلى كل الأراضي السورية كما أعلن، بالتزامن مع إطلاق الجيش السوري حملته لإعادة المحافظة المترامية الأطراف إلى كنف الدولة قبل دخول سلاح الجو الروسي على خط العمليات العسكرية في سورية ومع فشل الخطة التي كانت تعد كبادرة اختبار النوايا قبل مسار جنيف حينها سقطت خطة دي ميستورا وسقطت معها الأمم المتحدة بأكبر تحدٍّ في الأزمة السورية بأن تحمل مسؤولياتها كضامنة للأمن والسلم الدوليين بالإفصاح عن المتورطين بالتمويل والتسليح للجماعات المسلحة في سورية، وبالتالي تأتي إزاحة القرار الدولي 2254 كحلقة تابعة لجهود التستر عن الدور المكشوف لتلك الدول بالتورط المباشر في الحرب على سورية، ومن هنا كان إصرار القيادة السورية بربط تجميد القتال أو الحل السياسي بإغلاق الحدود بوجه العمل المسلح وكشف التورط الإقليمي بشكل عام والسعوـ تركي على وجه الخصوص.
اليوم وبعد عام تقرع الدول التي تمنّعت الأمم المتحدة أو عجزت عن كشف دورها المباشر في الحرب وعطلت القرار الدولي 2254 وتمهّد للتدخل البري المباشر في سورية بالرغم من أن تدخلها ليس بجديد حيث تكتسب التحركات الجديدة أهمية العلانية فما كان يدور في الغرف المغلقة وكواليس الاستخبارات وكشفت عنه دمشق مراراً بات يقال على لسان وزراء خارجية وما يعلوها في الهرمية السياسية لتضع الأطراف الدولية والإقليمية أمام خيارات قادمة فالسعودي الذي يصب جهوده في إطار التحالف الأميركي ضد داعش يعمل على منح خطواته شرعيةً أميركية ومع صمت واشنطن وتلويحها بالتدخل البري بما يعطي انطباعاً برضى أميركي للخطوات السعودية والتركية التي بدت متقدمة عن نظيرتها السعودية باستهداف وحدات الحماية الكردية بقصفها البلدات التي استعادت الوحدات السيطرة عليها من جبهة النصرة وتهديد رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أغلو لتلك الوحدات من الاقتراب من مدينة أعزاز التي تسيطر عليها النصرة بما يضع أنقرة في موقف المدافع عن التنظيم المدرج على لوائح الإرهاب الدولي بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي.
أمام التهور التركي السعودي ينظر الأميركي بعين الرضى لخطوات حلفائه الإقليميين بالاكتفاء بالدعوة لوقف العمليات ودعوة الأكراد لعدم التمدد على الأرض في مواقف تماهي المواقف التركية ما يعني إنهاء التفاهم الأميركي الروسي بالسير بالحل السياسي للأزمة السورية.
ربما تريح التطورات وخطوات حلفاء واشنطن سورية وروسيا بتثبيت وجهة نظرها باستحالة رضى أطراف الحرب على سورية بالحلول السياسية ما يمنحها الوقت الكافي للمضي بالعملية العسكرية في ريفي حلب والتمدد باتجاه الرقة التي يقف الجيش على مشارفها كمعقل لتنظيم داعش وهو ما يفسر القلق السعودي والتركي والمسارعة لمواجهة التنظيم برياً بعد إنجازات التحالف الجوية التي عجزت عن وقف تمدد التنظيم في الجغرافيا السورية لتأتي الخطوات الأخيرة محاولة لدعم التنظيم لا لمواجهته.
رغم علو صراخ الجبير وأوغلو ووضوح الرؤية السورية والروسية بالتصدي لأي توغل والموقف الأميركي الموارب وربما المنتظر لفرصة مواتية لتوريط حلفائه على الأرض السورية يجعل الأيام المقبلة حاسمة باتجاه وقف المغامرة السعودية التركية أو باتجاه توريطها تحضيراً لإنهائها، إلا أنّ الأميركي بات يدرك وجوب نزع المظلة الأميركية عنها كي لا تصله شدرات المواجهة وربما إنْ فعل أجهض المغامرة قبل انطلاقها.