صواريخ المقاومة تخلق معادلات جديدة
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
واضح أن الصواريخ «العبثية»، بلغة من رهنوا أنفسهم لخيار التفاوض والاستجداء والإستنعاج، تخلق معادلات جديدة وتثبت يوماً فآخر أنها صواريخ موجهة وتحمل أكثر من رسالة سياسية، وكلّ أبناء شعبنا على اختلاف منابته ومشاربه السياسية والفكرية، فتح قبل حماس، والجبهة الشعبية قبل الجهاد، يشعرون بأن تلك الصواريخ تعيد إليهم جزءاً من كرامتهم، وبأن هناك انتقالاً من دائرة القول والشعار و»الجعجعة» والتهديدات الفارغة الى دائرة العمل والتنفيذ والوعد الصادق، فرغم التهديدات التي وجهتها كتائب القسام إلى حكومة الاحتلال وأركان قيادته السبت الفائت بأنها ستضرب «تل أبيب»، ورغم صغر مساحة قطاع غزة، ووجود الطيران الحربي والطائرات من دون طيار في سمائها، والحصار البري والبحري، ووضع جميع أجهزة الاستشعار والمراقبة الإلكترونية والبشرية لرصد تلك الصواريخ وأماكن انطلاقها، إلاّ أن القسام نجحت في قصف «تل أبيب» بعشرة صواريخ من طراز «جعبري 80»، ومجرد الإعلان بحد ذاته شكل رسالة تحدٍ غير مسبوقة لعدو تعوّد أن يكون هو المبادر وصاحب اليد الطولى في التهديد والوعيد والقصف والاغتيال والتدمير، من دون أن يتلقى أي صفعة أو رد. ونعرف جميعاً أن طائرات الاحتلال وقواته قصفت أكثر من عاصمة ودولة عربية: السودان مرات عدة وتونس وبغداد ودمشق وبيروت وغيرها. في السودان دمروا شحنات أسلحة قيل إنها متجهة إلى غزة، في تونس اغتالوا الشهيد أبو جهاد وفي بغداد دمروا المفاعل النووي العراقي، وفي دمشق دمروا وقصفوا أكثر من قاعدة عسكرية ومركز علمي وشحنات أسلحة قيل إنها استراتيجية ذاهبة إلى حزب الله، وفي بيروت عربدوا واغتالوا أكثر من قائد فلسطيني ولبناني ولم تجرؤ أي عاصمة عربية على الرد، وعندما تجرأ الرئيس الشهيد صدام أثناء العدوان الأطلسي على العراق قبل احتلاله، كان عقابه احتلال العراق وتدميره واعتقال الرئيس صدام حسين الذي أعدم لاحقاً، في رسالة واضحة إلى جميع الزعماء العرب بأن من يجرؤ على ضرب «تل ابيب» أو دولة الكيان الغاصب سيكون مصيره مثل مصير الرئيس صدام حسين، وأنّ لا حصانة لأي زعيم أو قائد عربي لمجرّد أن يفكر في قصف «تل أبيب» او أي مدينة «إسرائيلية»، ولتبدأ المعادلات والتحوّلات بعد الحرب العدوانية التي شنتها «إسرائيل» على لبنان في تموز 2006، إذ قصف حزب الله أكثر من مدينة «إسرائيلية» بالصواريخ، وهذا مؤشر على أن هيبة الردع «الإسرائيلي» ثلمت، وبأن الجيش الذي لا يغلب بضع مئات من المقاتلين مُرّغ أنفه في الوحل، وبأن بيروت لم تبق ساحة مستباحة لطائرات «إسرائيل» وقواتها، بل نشأت قوة توازن للردع والرعب بات يحسب لها العدو ألف حساب، وهذه المعادلة كان الاحتلال حريصاً على كسرها وعدم تعميمها، وكانت حربه العدوانية على شعبنا في قطاع غزة أواخر 2008 وفي تشرين الثاني 2012، لكنه فشل في كسر المعادلة والتوازن، ليكتشف أن غزة المحاصرة صامدة بمقاومتها وشعبها، أكثر من مدينة فلسطينية محتلة، بما فيها القدس المحتلة و»تل أبيب»، ولذلك كان يشدد في كل هدنة على تجريد المقاومة من أسلحتها وتحديداً الصواريخ، ولكنه يفشل في ذلك، ولذلك كان يتحين الفرص ويعمل جاهداً لتوجيه ضربة قاصمة إلى المقاومة الفلسطينية تضمن له الأمن على الحدود الجنوبية لعشرات السنين، ويشرع في تنفيذ مشروع سياسي يصفي قضيتنا وحقوقنا الوطنية في ظل حالة ضعف فلسطيني وحصار للمقاومة والقطاع وانهيار عربي غير مسبوق. شعر الاحتلال بأن الفرصة مؤاتية لتنفيذ مشروعه والوصول إلى هدف «صفر صواريخ». الاحتلال المتغطرس والعنجهي يذل شعبنا ويعامله باحتقار وباستعلاء، ورأينا أكثر من مرة كيف أذلّ قوات الأمن الوطني، ليس في حادثة سجن أريحا فحسب لدى اختطاف سعدات ورفاقه واللواء الشوبكي، بل في كل مرة يقتحم فيها مناطق «ألف» ليعتقل أو يغتال. وكان أفراد الأمن الوطني الفلسطيني يشعرون بالذل والعار لكونهم غير قادرين على توفير الحماية لشعبهم. وبحربه العدوانية الجديدة على قطاع غزة، مرتكباً جرائم حرب وإبادة جماعية ومجازر ضد الإنسانية تطول أطفالاً ونساء وحتى من ذوي الاحتياجات الخاصة، لم يفلح العدو في كسر إرادة المقاومة أو عزلها عن بيئتها الحاضنة، أو منعها من إطلاق الصواريخ، بل وسعت المقاومة دائرة ومدى قصفها وبعدد أكبر ونوعيات أكثر تطوراً لمدن لم تصلها صواريخ المقاومة مثل حيفا والخضيرة وغيرها، ولتبلغ الأمور ذروتها بإعلان المقاومة عن ساعة محددة لقصف «تل أبيب» بالصواريخ، وتنفذ وعدها وتقصف بالفعل، وفي هذا القصف أكثر من رسالة للعدو، فهي تقول له إن زمن الذل والخنوع ولّى، وزمن تلقي الضربات من دون الردّ عليها ولّى أيضاً، وهي رسالة ترمي إلى زعزعة جبهة العدو الداخلية وكسرها، إذ رأينا كيف تملّك الخوف والرعب الصهاينة المحتلين فاختبأوا في الملاجئ. وهذه رسالة أخرى سياسية بأن أي تهدئة او هدنة جديدة لن تقوم على أساس الشروط السابقة بل يجب رفع الحصار عن القطاع وفتح المعابر.
صواريخ المقاومة وتهديداتها العلنية وغير المسبوقة بقصف «تل أبيب» وغيرها وتنفيذ التهديد، تعيد إلى شعبنا وإلى قوات الأمن الوطني شيئاً من عزتهم وكرامتهم المسلوبة، فالاحتلال بات يدرك جيداً أن الواقع تغيّر والمعادلات تغيّرت. لن يعود الوضع الى ما كان عليه بعد جريمة خطف وتعذيب وحرق الشهيد أبو خضير، ولا بعد هبات شعبنا في الداخل الفلسطيني-48 – ولا بعد قصف «تل أبيب» وحيفا واللد بصواريخ المقاومة… هي تعيد روح المقاومة والفعل لشعبنا وتسقط ورقة التوت عن سائر المتآمرين ضد شعبنا وتطوي صفحة المنهارين والمتخاذلين، وتؤكد على أن نهج المقاومة وخيارها ينتصر بتوافر الإرادة، فهي تشكل عامل ردع وتوازن رعب مع العدو رغم الفرق النوعي بين ما يمتلكه العدو من ترسانه هائلة من الأسلحة، وإمكانيات المقاومة المتواضعة، وبالتالي فإن هذه الصواريخ تشكل عامل حماية وشبكة أمان لشعبنا من الاعتداءات المتكررة عليه من قبل حكومة الاحتلال المتغطرسة.
هذا النموذج انتصار في الجانب المعنوي أولاً لمقاومتنا وشعبنا متلاحمين جنباً الى جنب، حماس والجهاد والجبهتان الشعبية والديمقراطية وفتح والقيادة العامة وجميع فصائل العمل الوطني والإسلامي.