الأسد: الرهان على الداخل

عامر نعيم الياس

خطاب المنتصر الواثق من قدراته ومقومات صموده الداخلي أولاً والإقليمي ثانياً والدولي ثالثاً، بدايةً من استعراض حرس الشرف في باحة القصر الجمهوري، أراد الأسد توجيه رسالة إلى من يهمه الأمر بقوة الدولة السورية وتماسكها واستعادتها زمام المبادرة. ضابطان من الحرس الجمهوري وضعا الدستور والمصحف، الذي يعد من أقدم النسخ في سورية، تحضيراً للقسم، فالولاء للرئيس أساس، والجيش عماد الدولة ونواتها الصلبة والانتخابات دفعت بالشرعية الوطنية لما هو قائم في البلاد قدماً «الانتخابات مجرد علمية سياسية اجرائية، بل كانت معركة بكل الابعاد سخرت كل المعارك الأخرى لربحها، فبالنسبة لاعداء الوطن كانت وسيلة لنزع الشرعية عن الدولة وخلق مبررات التدخل الخارجي وبالنسبة الينا كمواطنين كانت تعبيراً عن الانتماء الحقيقي للوطن والدفاع عن السيادة وكرامة الشعب وكانت استفتاء مع السيادة ضد الارهاب».

قبل خطاب القسم، وفي موازاة انفلاش داعش في شمال شرقي سورية، وشمال غربي العراق، اندفعت الصحف الغربية إلى اعتبار هذا الحدث بمثابة «هدية للرئيس بشار الأسد» حسب لوفيغارو الفرنسية، وأضافت الصحيفة في عددها الصادر صباح أداء الرئيس الأسد القسم الدستوري «على المدى العام المنصرم، يبدو أن كل شيء يبتسم للنظام على عكس التمرد الذي لا يحرز اي تقدم ولا يحصل على شيء»، فما هي الخطوط التي أرساها الخطاب للمرحلة المقبلة والتي وصفها الرئيس الأسد بأنها «مرحلة جيدية ونحن مستعدون لها» وذلك على صعيد إدارة الأزمة السورية:

بإعلانه وفاة الربيع العربي من دون مراسم الدفن، وتوجيهه اتهامات واضحة لمعارضة الخارج من عملاء مكشوفين، وانتهازيين سياسيين غيّروا مواقفهم في ضوء التطورات الأخيرة التي تميل لمصلحة الدولة السورية، وبإشارته إلى «العامل الداخلي الذي يبقى الأساس في معالجة الحالة الراهنة»، أعلن الأسد رسمياً انتهاء صلاحية جنيف، قاطعاً الطريق على النسخة الثالثة منه، فالحل وفق تصور الرئيس يمر عبر محاربة الإرهاب أولاً، والمصالحات الداخلية ثانياً «التي لا تغني عن الحوار الوطني» ثالثاً، والذي يعتبر ملفاً لا علاقة له بتوقيت الانتهاء من الحرب على الإرهاب وتطوير سورية.

تعزيز مبدأ الحوار الداخلي وإصلاح مواطن الخلل في الدولة السورية، ورفع سقف الحوار الوطني ليشمل كافة الملفات التي تهم الشعب السوري يتم بمشاركة الفعاليات الشعبية والمهنية والنقابية والشبابية والمؤسساتية والحزبية والمستقلين من النخب والمؤسسات غير الحكومية، التي لم تتخذ موقفاً معادياً للدولة السورية، ولم تنخرط في أي نشاط خارجي، وقبلت المشاركة في جلسات الحوار الأولى «فالحوار لا يشمل القوى التي لم تشارك في الحوار الوطني، أو القوى التي حاولت بمواقفها إعطاء الغطاء للإرهابيين… أما القوى العميلة علناً لا نحاورهم كسوريين بل كأدوات».

صوابية المواقف التي اتخذتها الدولة السورية ممثلةً برأس الهرم فيها، فما يجري في المنطقة ليس ثورات بل هو مشروع لتفتيتها، ومد جهادي سيرتد على العالم أجمع «أليس ما نراه في العراق وفي لبنان وفي كل الدول التي أصابها داء الربيع المزيف من دون استثناء هو الدليل الحسي الملموس على صدقية ما حذرنا منه مراراً وتكراراً… وقريباً سنرى أن الدول العربية والإقليمية والغربية التي دعمت الإرهاب ستدفع هي الأخرى ثمناً غالياً، والدولة السورية وفي ظل التطورات الأخيرة هي التي تحارب الإرهاب «دفاعاً عن العالم»، عند هذه النقطة يقدّم الأسد الدولة السورية باعتبارها خياراً حتمياً لا يمكن الالتفاف عليه إذا أراد العالم محاربة الإرهاب في المنطقة قبل أن يفوت الأوان.

الموقف الثابت من «الشياطين» أي الإخوان المسلمين هو موقف ثابت للدولة السورية التي لا تقبل تحت أي إطار أو صيغة الاعتراف بأحزاب ذات طابع ديني تحت اي ذريعة كانت هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فإن الرئيس الأسد يقطع الطريق على الإشاعات التي تحدثت عن محاولة اجتذاب بعض معارضي الخارج للاندماج في الحكم على قاعدة الشراكة.

على رغم تركه الباب مفتوحاً أمام تعاون محتمل مع المنظومة الدولية في ملف الإرهاب، وهو ما يعزز الأصوات التي بدأت تتحدث عن حتمية التعاون مع الأسد في سورية، بخاصة في بعض الصحافة الأميركية والبريطانية، إلا أن الأسد وبالتوازي مع إعلانه «فشل» المشروع الغربي في سورية، أشار إلى أن «استمرار استنزاف سورية» هو الخيار القائم حالياً بالنسبة إلى الحكومات الغربية.

الهجوم على حركة حماس وخياراتها بقدر ما يوجّه رسائل إلى الحركة الإخوانية عن حجم الغضب السوري من غدرها وصعوبة وصل ما انقطع، بقدر ما يوجّه رسائل إلى تركيا وقطر باستمرار المعركة معهما، إلا أن الأساس بالنسبة الى الدولة السورية يبقى «فلسطين القضية المركزية لسورية» وهنا علينا أن نميّز بين «الشعب الفلسطيني وبعض ناكري الجميل… والهواة الذين يلبسون قناع المقاومة».

الاستمرار في محاربة الإرهاب ومنح الأولوية «لدعم القوات المسلحة» بالتوازي مع الحديث للمرة الأولى عن «استرجاع الرقة» و«حلب التي هي في قلب كل سوري، فكيف لجسدٍ أن ينسى عينه أو قلبه أو كبده»، هذه الأمور مجتمعة ترسم صورة الخريطة العسكرية لمهمات الجيش العربي السوري المقبلة على مستوى الجغرافيا السورية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تعكس حالة الاطمئنان التي تعيشها الدولة السورية في ما يتعلق بأمن العاصمة دمشق، وعند هذه النقطة تفسّر خطوة إزالة بعض الحواجز داخل العاصمة دمشق.

المحور الذي شكّل رافعة إقليمية ودولية للدولة السورية، هو محور متماسك وأقوى من اي وقت مضى، والثقة السورية في تماسكه شبه مطلقة، هذا ما يفسّر التحيّة التي توجه بها الرئيس بشار الأسد إلى كلٍّ من حزب الله باعتباره حركة مقاومة لبنانية، ولإيران وروسيا والصين.

هي مرحلة جديدة من تاريخ سورية يقودها الأسد الواثق من النصر معززاً بإرادة شعبية معيارها الانتخابات التي أجريت داخل البلاد وخارجها، أساها الدولة والجيش، والحوار الوطني والاعتراف الدولي بصوابية مواقف الدولة السورية.

كاتب سوري


اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى