«إسرائيل» تحقق مكسباً موقتاً من المبادرة المصرية لكنه لا يخرجها من مأزقها والغزو البري يهدد المستقبل السياسي لنتنياهو
حسن حردان
يبدو واضحاً أن موافقة الحكومة «الإسرائيلية» على المبادرة المصرية كانت تندرج في سياق العمل على تحقيق هدفين اثنين:
الأول، استغلال الخصومة القائمة بين النظام المصري وحركة حماس، لأجل كسبه كشريك لـ «إسرائيل» في سياق خطتها لمواصلة الحصار على قطاع غزة ومنع فكه.
الثاني، إذا رفضت المقاومة الفلسطينية المبادرة المصرية فإن ذلك يمكن «إسرائيل» من الحصول على تأييد دولي وعربي لتصعيد عملياتها العسكرية لتدمير قوة المقاومة.
على أن المفاجئ كان الموقف المصري الذي لم يكن يتوقع أن يتقدم بمبادرة بهذا المضمون تشكل إنقاذاً لـ»إسرائيل» من ورطتها على حساب الشعب الفلسطيني ومقاومته التي لا يمكن اختصارها بحركة حماس. فلا يجوز مطلقاً المساواة بين الجلاد والضحية تحت أي سبب كان. وموقف مصر من القضية الفلسطينية ما كان يجب أن يكون بهذا الشكل، فقد وفر خدمة كبيرة للعدو «الإسرائيلي» الذي كان يبحث عن مخرج يجنيه دفع ثمن عدوانه وإخفاقه في مواجهة المقاومة، وهذا ما كشفت عنه المواقف «الإسرائيلية» والمناقشات داخل المجلس الوزاري «الإسرائيلي» المصغر، والتي شهدت انقساماً حول طريقة التعامل مع المبادرة المصرية إذ انتصرت وجهة نظر نتنياهو الذي دعا إلى الموافقة عليها لأنها ستحقق مكاسب للكيان، وفي هذا السياق اعتبر المعلق العسكري بن يشاي أن «إسرائيل» ربحت شريكاً وهو النظام المصري القائم، وأن العملية العسكرية «الإسرائيلية» حصلت على شرعية عالمية وعربية لمواصلة تدمير حماس»، وطبعاً يقصد بالتأكيد تدمير كل المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية.
والمفاجئ أيضاً هو الكشف عن مشاركة ممثلين «إسرائيليين» في صوغ المبادرة المصرية التي اعتمدت على مقترح قدمه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في حين لم يجر التشاور مع فصائل المقاومة ولا حتى إطلاعها على الاتفاق قبل إعلانه.
وهكذا بات من الواضح أن «إسرائيل» قد حققت مكسباً موقتاً في سياق معركتها مع المقاومة للتهرب من استحقاق التراجع والتسليم بشروط المقاومة لوقف النار، وهي لذلك سوف تواصل التمسك بالوساطة المصرية للتوصل إلى اتفاق، وفي الوقت نفسه تستمر بتصعيد عدوانها الجوي والتهديد بتوغل بري لممارسة الضغوط على المقاومة للقبول باتفاق يرضي «إسرائيل». بعد أن فشلت في تحقيق أهداف عدوانها الإجرامي وتحول إلى مأزق لها وبات استقرارها مهتزاً واقتصادها في حالة نزف وربما يزداد منسوب الغضب لدى الرأي العام العالمي ضدها.
ولهذا كان من الطبيعي أن ترفض فصائل المقاومة مجتمعة المبادرة المصرية وتواصل القتال، لأن القبول بها يعني استسلاماً وتحويل انتصارها إلى هزيمة وجعل الإخفاق الإسرائيلي مكسباً لـ»إسرائيل».
أما الاستعداد لاحتمال اجتياح بري محدود وإنذار أكثر من مئة ألف فلسطيني بمغادرة منازلهم تمهيداً للقيام به، فباتت نسبته أكبر مما كانت عليه في السابق، إلاّ أنه مع ذلك لا يزال يلقى معارضة «إسرائيلية» داخلية لما يحمله من مخاطر وتداعيات على «إسرائيل» قد تؤدي إلى تكرار سيناريو الهزيمة في حرب لبنان عام 2006 وتقضي على المستقبل السياسي لنتنياهو كما قضي على مستقبل سلفه إيهود أولمرت.
وفي ضوء التجارب السابقة للاجتياحات البرية الصهيونية فإن أي غزو بري للقطاع لن تكون نتائجه أفضل، وعندها سيكون على العدو أن يدفع ثمناً مضاعفاً بعد أن تصبح قواته في وضع صعب وحرج عرضة لهجمات المقاومة التي تخبئ له المفاجآت، فيما القصف على العمق الصهيوني سوف يشتد ويزيد من حجم الخسائر ومن تآكل قوة الردع للجيش «الإسرائيلي».