تقرير
قال الكاتب في صحيفة «غارديان» البريطانية رانديب راميش، إن رسائل إلكترونية جديدة ـ لم تُكشف من قبل ـ تُظهر أن ممثل الأمم المتحدة السابق في ليبيا بيرناردينو ليون، طلب الإذن من السلطات الإماراتية بطرح اسم سفير ليبيا في أبو ظبي عارف النايض مرشّحاً لرئاسة حكومة التوافق الوطني، وأن ليون كان منهمكاً في إبرام خطّة مع مجلس الأمن القومي التابع للإمارات حول كيفية إدارة القوات المسلحة الليبية.
وكان الكاتب قد كشف في تشرين الثاني الماضي، مجموعة من الرسائل الإلكترونية بين ليون وزعماء إماراتيين، تباحث خلالها الطرفان حول طريقة التعامل مع الأزمة الليبية بما يحقّق الأهداف الإماراتية، ولكن الوسيط الدولي قال إن مراسلاته اجتُزئت من سياقها.
وأضاف راميش في مقاله، الذي نُشر في «غارديان» عشية الموعد النهائي لإعلان حكومة التوافق الليبية، أن طبيعة العلاقة بين ليون والإمارات تثير الشكوك حول دور الأمم المتحدة في ليبيا، وتجعلها جزءاً من المشكلة بدلاً من أن تكون جزءاً من الحل، خصوصاً في ضوء تعيين ليون في منصب مرموق في معهد دبلوماسي إماراتي، بناء على اتفاق وُقّع بين الطرفين إبان عمله كوسيط دولي.
وفي ما يلي النصّ الكامل للمقال:
كان ينبغي أن تكون الأمم المتحدة هي الحل في ليبيا، إلا أنها هي المشكلة. يبدو أن ليبيا ستكون بؤرة الصراع المقبلة في الحرب على الإرهاب ـ مع اقتراب موعد نهائيّ سياسيّ بالغ الأهمية اليوم. فبينما تحلق طائرات سلاح الجوّ الملكي البريطاني في أجواء الصحاري الليبية، ويخبر الرئيس أوباما البنتاغون أن عليه البحث في الخيارات العسكرية المتاحة، يبدو أن الغرب متأهب للدخول في معركة حاسمة مع ستة آلاف مقاتل تابعين لتنظيم «داعش»، فوق الرمال الفسيحة والغنية بالنفط في شمال أفريقيا.
تعيش تونس حالة من القلق الشديد بسبب تنامي أعداد الإسلاميين المنتشرين على حدودها، لدرجة أنها بدأت في إنشاء سياج مضاد للإرهاب على حدودها مع ليبيا، في محاولة يائسة لحماية نفسها من الإرهاب. وبسبب اتّساع رقعة الحرب على الإرهاب، أضحت ليبيا اليوم في موقع اهتمام الجميع.
إلا أنّ الجهد الذي يبذل للتعامل مع التهديد بات يعاق اليوم من الكيان نفسه الذي كان يجدر به أن يقود هذا الجهد، أي الأمم المتحدة. من المفروض أن تبادر الحكومة الليبية بدعوة القوى الأجنبية إلى التدخل. لا تتمثل المشكلة بعدم وجود مثل هذه الحكومة، وإنما تتمثل المشكلة في وجود ثلاث حكومات في الوقت نفسه.
فإضافة إلى الإدارتين الكائنتين في كلّ من طرابلس وطبرق، أضافت الأمم المتحدة إدارة ثالثة هي «حكومة الوحدة» الموجودة في تونس: وهي كيان مهيض للغاية لدرجة أن مجلسها الرئاسي المكوّن من تسعة أعضاء تعرّض مؤخراً لسلسلة من الضربات.
وكانت الإدارة التي حظيت بمباركة الأمم المتحدة لها في كانون الأول الماضي قد قالت إنها ستتقدّم الليلة بقائمة من الوزراء، سيكونون محلّ موافقة الجميع. وما يزيد الطين بلّة أن كل شيء تقدم الأمم المتحدة على فعله يحاط بالشكوك بسبب تآكل مصداقيتها في أعين الليبيين.
ومصدر القلق يعود بالدرجة الأولى إلى سلوك مبعوث الأمم المتحدة السابق بيرناردينو ليون، وهو الذي كان في السابق يشغل منصب وزير الخارجية في إسبانيا، والذي قضى أسابيع في الصيف الماضي وهو يسعى إلى استكمال اتفاق مقترح بين الجانبين لتشكيل حكومة وحدة وطنية يتقاسم المشاركون فيها السلطة في ما بينهم.
وكانت تلك المحادثات تستهدف وضع حدّ للتنافس الشديد والخفيّ بين اللاعبين الإقليميين، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، والدول التابعة لها في المنطقة على النفوذ في ليبيا، التي تحوّلت بفضل ثرائها النفطيّ إلى عقار كونيّ ذي قيمة عالية جداً.
يقول محلّلون سياسيون إن مصداقية الأمم المتحدة كوسيط نزيه في تلك المحادثات، تقوّضت بشكل خطير حينما كشفت صحيفة «غارديان» قبل ثلاثة أشهر عن وجود رسائل إلكترونية، تُظهر أنه بينما كان ليون يعمل على صوغ الاتفاق، كان في الوقت نفسه يتفاوض على وظيفة راتبها الشهري 35 ألف جنيه استرليني، يصبح بموجبها المدير العام للأكاديمية الدبلوماسية التابعة للإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي يمثل تضارباً في المصالح.
وفي مجموعة جديدة من الرسائل الإلكترونية لم يُكشَف عنها سابقاً، يتقدّم ليون من السلطات الإماراتية بطلب الإذن على المضيّ قدماً في خطة تسمية السفير الليبي لدى دولة الإمارات العربية المتحدة عارف النايض ، مرشحاً لشغل منصب رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية. وتُظهر مجموعة من هذه الرسائل ليون منهمكاً في إبرام خطّة مع مجلس الأمن القومي التابع للإمارات حول كيفية إدارة القوات المسلحة الليبية.
كان وقع الكشف عن الرسائل الأولى على الليبيين صادماً جدّاً، إلا أن ليون ادّعى أن مراسلاته عبر الإيميل تعرّضت «لقراءة مجتزأة وانتقائية»، وأنه تبادل رسائل مشابهة مع لاعبين إقليميين آخرين. ولكن بعد نشر الرسائل الإلكترونية، أكّد مسؤولون كبار في الأمم المتحدة ـ كنت قد تحدّثت معهم ـ أنهم كانوا بالفعل يتعرّضون لضغوط غير عادية من دول الخليج.
كان بإمكان الأمم المتحدة أن تجري تحقيقاً شفافاً يعيد إليها صدقيتها المهدورة، ولكنها بدلاً من ذلك استبدلت ليون بسياسيّ ألماني مخضرم، ومضى ليون ليتولّى مهامه مع الأكاديمية الدبلوماسية التابعة للإمارات، وخرج ليون على الناس من هذا الموقع المميز في الشهر الماضي ليعلن أن ليبيا صارت دولة فاشلة.
لم تكن تلك هي السقطة الوحيدة لقد أخفقت الأمم المتحدة منذ اللحظة الأولى في العمل مع القوى السياسية على الأرض، على تشكيل إدارات تنسجم مع متطلبات التقاليد المحلية وتستجيب لها، وكان هذا يعني أن يسلّم الشركاء الدوليون مسؤولية عمليات مكافحة الإرهاب إلى القوى الليبية من مختلف التيارات السياسية، هذا إضافة إلى أمر آخر ما لبث الغرب وحلفاؤه يرفضون مجرد التفكير فيه، ألا وهو التساهل مع محاولات هذه القوى طرد تنظيم «داعش» بنفسها.
وبدلاً من ذلك، انتعشت المليشيات ومعها أمراء الحرب والجماعات المسلحة وازدادت قوة وانتشاراً، بينما أخفقت العمليات السياسية التي كانت الأمم المتحدة تدعمها في إيجاد حكم أو عملية سياسية تحظى بدعم عامة الناس.
ما من شك في أن المهمة المطلوب إنجازها في ليبيا كانت باستمرار صعبة وبالغة التعقيد. وما من شك أيضاً في أن هذه الصعوبة وتلك التعقيدات تفاقمت بسبب إساءة الأمم المتحدة التعامل مع وضع بالغ الصعوبة.