الوضع الإقليميّ أشدّ تعقيداً ولا ملء للشغور الرئاسيّ قبل أشهر

حسن سلامه

بغضّ النظر عن مضمون ما قد يقترحه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري حول الاستحقاق الرئاسي في كلمته اليوم في حفل الإفطار الذي يقيمه «التيار»، أو حول تعطيل مجلسي النواب والوزراء من قبل الفريق الذي ينتمي إليه، إلاّ أن مصادر سياسية مطلعة ترى أن الملف الرئاسي بات بين خيارين لا ثالث لهما:

– الأول أن يخرج فريق 14 آذار، بدءاً بتيار المستقبل، من رهاناته على حصول تغييرات في المنطقة تتيح له إما اختيار الرئيس الذي يتناسب مع رؤيته أو في الحد الأدنى أن يكون له القرار الفصل في تحديد شخصية الرئيس العتيد.

– الثاني أن ينتظر حسم هذا الملف تبلور المسار الإقليمي من الملف النووي الإيراني والوضع في العراق والعلاقات السعودية ـ الإيرانية.

لذا تقول المصادر إن ما قد يقدمه الحريري يمكن أن يحرك الاتصالات في شأن الملف الرئاسي، بيد أن الوصول إلى مقاربات جدية وبعيداً عن الوضع الإقليمي تفترض من الحريري وفريقه الاعتراف بحقيقة التوازنات السياسية القائمة داخل الساحة اللبنانية على المستوى الوطني عامة، وعلى المستوى المسيحي خاصة. والاعتراف بهذه التوازنات ينطلق من الاعتراف بالموقع السياسي والنيابي والشعبي الذي يمثله العماد ميشال عون. فما يطرحه تيار المستقبل وحلفاؤه، بحسب المصادر عينها، من مقاربات لحل أزمة الشغور الرئاسي لا يتعدّى كونه محاولة مبطنة للقفز فوق حقيقة التوازنات الوطنية والمسيحية في آن واحد، فالدعوة إلى حضور جلسات انتخاب الرئيس لا تقدم ولا تؤخر، حتى وإن راهن البعض في هذا الفريق على تصويت بعض نواب اللقاء الديمقراطي لسمير جعجع. كما أن الدعوة إلى الاتفاق على مرشح غير العماد عون وسمير جعجع يراد منه «سرقة» ما يمثله «الجنرال» من تمثيل نيابي وشعبي. وتلاحظ المصادر أن الحديث عن إغراء العماد عون بفترة رئاسية لمدة سنتين هو نوع من بالون اختبار لجسّ نبض رئيس تكتل التغيير والإصلاح، إلاّ أن المصادر تؤكد أن هذا الكلام غير صحيح، وفي الوقت نفسه، أي اقتراح من هذا النوع لن يلقى قبولاً لدى العماد عون لأن المسألة بالنسبة إليه ليست الوصول إلى بعبدا بأي ثمن بل تنطلق مما يمثل مسيحياً ووطنياً.

هل يمكن حصول حلحلة في الملف الرئاسي خلال فترة قريبة؟ أم أن الأمور ستبقى في دائرة المراوحة إلى فترة غير معروفة؟

وفق المعطيات التي تملكها مصادر دبلوماسية عليمة فإن إمرار الاستحقاق الرئاسي بعيداً عما يحصل في المنطقة أمر شبه مستحيل، لاعتبارات عديدة أبرزها ثلاثة:

– فريق 14 آذار ليس في وارد السير بالعماد عون أو حتى بالإسم الذي يسمّيه، وذاك ما تبدّى في الحوار القائم بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، بالإضافة إلى مواقف الأطراف الأخرى في هذا الفريق.

– حتى لو قبل فريق 14 آذار بذلك، فليس في وسعه أن يقرر السير في مثل هذا الخيار لأن منبع قراره الحقيقي هو في السعودية وليس لدى قياداته، وحتى الآن لا مؤشرات على أن الرياض في صدد الإفراج عن انتخاب الرئيس، وتحديداً عون أو من يسمّيه.

ـ الأجواء الخارجية غير مهيّأة للإفراج عن انتخاب رئيس الجمهورية، فما حصل مع تشكيل حكومة سلام ليس متوافراً اليوم، فضلاً عن أن العواصم المعنية لا تعطي الأولوية للبنان بدءاً بالملف الرئاسي.

من هذا المنطلق، تلاحظ المصادر الدبلوماسية أن مسار انتخاب الرئيس بات مرتبطاً على نحو وثيق بالوضع الإقليمي، بل إن هذا الارتباط بات أشدّ تعقيداً اليوم ممّا كان عليه قبل بضعة أسابيع بعد تمدّد «داعش» في العراق وعودة التوتر إلى العلاقات السعودية ـ الإيرانية وعدم الوصول إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني خلال الفترة التي كان متفقاً عليها بين طهران والدول الغربية الكبرى.

تؤكد المصادر أن لا انتخابات رئاسية متوقعة قبل بضعة أشهر على الأقل، فالوضع الإقليمي أعقد بكثير من أمور تفصيلية تشغل بال اللبنانيين، فيما المنطقة مفتوحة على مختلف الاحتمالات، ما يستدعي ـ وفق المصادر ـ من الجهات المعنية في السلطة والقوى السياسية العمل قدر الإمكان على عدم تعطيل المؤسسات، تحديداً مجلسي النواب والوزراء، لإمرار هذه المرحلة بأقل قدر ممكن من السلبيات والاهتزازات الأمنية، ولذلك فإن مهمة عدم تعطيل المؤسسات هي لدى فريق 14 آذار الذي عليه الخروج من دائرة التعطيل لتسيير أمور اللبنانيين في الحدّ الأدنى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى