التحرشات التركية… واستدراج الناتو إلى الصدام!

محمد ح. الحاج

يتكرّر القصف التركي على الأراضي السورية مستهدفاً وحدات حماية الشعب الكردي في محيط أعزاز، ويدّعي المسؤولون الأتراك أنّ ذلك يأتي رداً على هجوم الوحدات! ولم يحدّد الجهة التي هاجموها، في هذه الحالة يعترف التركي ضمناً بأنّ العصابات المنتشرة في أعزاز ومحيطها ومناطق أخرى هي وحدات تركية أو تعمل تحت الحماية التركية برغم وجودها على أرض سورية، وهو وجود عدواني، وكأنّ مجرد وجود هذه العصابات أعطى الحق للتركي ليفرض ولايته عليها ويعتبر ضربها عدوانا عليه!

النظام التركي المأزوم في علاقاته مع كلّ الجوار، المهزوم في كلّ مشاريعه السرية والعلنية، المنهارة مخططاته البعيدة المدى وطموحاته الامبراطورية يدرك أنّ ما بقي له على الساحة الدولية هو وعد الناتو بالوقوف إلى جانبه في حال تعرّض لعدوان خارجي، ولا يكون العدوان في الاعتبار الناتوي إلا إنْ وقع على الأراضي التركية المعترف بها دولياً، رغم أنّ الحدود الحالية ليست مرسّمة وليس معترفاً بها من قبل دول الجوار، وبعض المناطق لا تزال قضايا عالقة في أدراج الأمم المتحدة وريثة عصبة الأمم السابقة، مع ذلك لم تتعرّض الحدود الحالية لأيّ نشاط عسكري رسمي، وإنما العكس، إذ يشكل الانخراط التركي في العدوان على الأرض السورية والعراقية اللوحة الأكثر وضوحاً أمام أنظار العالم الذي يفهم السلوك التركي الحالي على أنه استدراج للردّ ليقول إنّ أراضيه تتعرّض لـ«العدوان» في الزمن الذي تقوم فيه قواته بالعدوان المكشوف، وتطالبه دول من حلف الناتو بوقف هذا القصف وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.

نجاح حركة التطويق التي يقوم بها الجيش السوري للعصابات المنتشرة في ريفي حلب وإدلب، دفعت بالقيادة التركية إلى حالة من الهستيريا بعد نجاح الجيش في استعادة معظم ريف اللاذقية باتجاه الحدود مع اللواء السليب، ولأنّ التحرك باتجاه إدلب مؤجل حسب الأولويات فقد سارعت السلطات التركية إلى فتح معبر باب الهوى باتجاه الريحانية أمام آلاف المقاتلين من مختلف الجنسيات وعبر الأراضي التركية إلى كيليس ومنها إلى أعزاز ومحيطها، وعبر قطمة ومعرين إلى محيط تل رفعت، وقد تسرّبت عبر الشبكة العنكبوتية صور لوقوع أسرى من الجيش التركي النظامي بين أيدي وحدات الحماية، ما يؤكد أنّ المشاركة التركية لم تتوقف عند حدود تسهيل حركة أفراد عصابات «جيش الفتح» والكتائب التركمانية، بل تعداه إلى مشاركة ميدانية فعلية عبر القصف المدفعي لمنغ وباقي القرى المحيطة والقريبة من اعزاز، بل، ودفع وحدات نظامية للمشاركة في صدّ هجوم الجيش السوري من جهة ووحدات حماية الشعب الكردي من الجهة الثانية لمنع استكمال عملية تطويق المسلحين والقضاء عليهم أو دفعهم للاستسلام وبالتالي سقوط ورقة مهمة جداً من اليد التركية.

الإدارة الأميركية ومعها الناتو يدركان أبعاد اللعبة التركية، ويعلمان أنّ الوعد بإغلاق الحدود بقي مجرد حبر على ورق، وإذ لا تقف تركيا وحيدة فهي تستند إلى موقف سعودي يتبنّى التدخل في سورية تحت يافطة كاذبة محاربة داعش وتهديدات وزير الخارجية الجبير، إضافة إلى إرسال بضع طائرات إلى قاعدة انجرليك يدرك الأتراك والسعوديون أنها لا يمكن أن تحلق فوق الأرض السورية، وحتى تكسب السعودية ماء الوجه تعلن أنّ تدخلها البري لن يكون منفرداً أو مع الحليف التركي بل بعد اتخاذ قرار من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وهو شرط غير قابل للتحقق في المدى المنظور تبعاً لمواقف الولايات المتحدة الحالية وتفاهمات وزيري الخارجية الروسي والأميركي في ميونيخ، وقبلها في جنيف وفيينا أو عبر التواصل اليومي والمستمرّ بينهما تفادياً لوقوع صدام لا يرغبه أيّ منهما.

رئيس الوزراء الروسي يرفض التهديدات التركية السعودية رفضاً قاطعاً، وهذا الرفض في مدلولاته يشير إلى نية الوقوف في وجه أيّ تدخل خارجي وهو التزام مبدئي يجري تأكيده في كلّ مناسبة… أمن سورية من أمن روسيا وهما متلازمان، وغير مسموح إسقاط الدولة السورية، ولا يختزل الروس كما الغرب والأعراب والأتراك الدولة بشخص الرئيس، فهو مجرّد رمز، ورمز شرعي حتى اللحظة، والتشكيك بهذه الشرعية هو خروج وتطاول على القانون الدولي وتجاوز للعلاقات بين الدول سواء كانت متجاورة أو متباعدة، المشاريع السعودية التركية ليست متطابقة في جوهرها مع مشاريع الغرب والناتو وإنْ كانت متقاطعة في أغلب خطوطها التي تخدم المصالح الصهيو ماسونية بالنهاية، وهنا لا يمكن تجاهل رأي خبراء كبار في عالم الغرب بأنّ حرباً سعودية تركية من جانب بمواجهة سورية ستكون خاسرة لكلّ الأطراف، أما الرابح فهو المصالح «الاسرائيلية»… والرأي الثابت لدى العامة في العالم العربي أنّ النظام السعودي يخدم هذه المصالح بشكل سافر ولا تفسير آخر، بدءاً من العراق إلى ليبيا إلى مصر، وصولاً إلى سورية ولبنان واليمن… ولا يجد السؤال أين هي مصالح الشعب العربي في نجد والحجاز من كلّ ما يجري؟ جواباً.

الحلف السرّي السعودي التركي الصهيوني يعمل على تأليب العالم ثانية ضدّ الدولة الإيرانية بعد أن أخذت موقعها على ساحة المنطقة، ولأنّ الكيان الصهيوني يعتبرها الخطر الأعظم على استمرارية وجوده، والصحيح أنّ الغرب لن يسمح بزوال الكيان الصهيوني، لا باليد الفلسطينية ولا السورية، ولا الإيرانية، وحتى روسيا لا توافق على هذا الأمر، الدولة الإيرانية تقف في وجه التوسع الصهيوني الذي يرمي إلى إقامة امبراطورية تصل إلى حدود ايران، وتزيل من الوجود دولاً حليفة لطهران تشكل مدى استراتيجياً دفاعياً مستقبلياً عن حدودها ومصالحها، مع ذلك فهي لا تشكل خطراً استراتيجياً على المصالح العربية ولا حتى الأميركية في منطقة الخليج، لكن الموقف الإيراني مفهوم وجلي تجاه السلوك الصهيوني العدواني، أما الدافع لهذا الموقف المتشدّد فأساسه فشل الإدارة الأميركية ومعها المجتمع الدولي في لجم الصهاينة وحلّ مشكلة حقوق الشعب الفلسطيني وتنفيذ قرارات مجلس الأمن بالانسحاب من كلّ الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وإقامة دولتين، مع أنها مرفوضة من بعض الأطراف الفلسطينية وكذلك من سورية، لكن البديل ليس الإمعان في التوسع والإصرار على الاحتلال ومحاولة تهويد كامل فلسطين والتمدّد في الأراضي السورية واللبنانية وشرق الأردن ووضع سيناء السورية تحت الوصاية… ويبقى أنّ هذه العمليات كفرض للأمر الواقع يقابلها رفض مطلق وتدفع إلى تطوير مواقف الممانعة والمقاومة كردّ فعل مشروع يجب أن يدفع بالادارة الأميركية والعالم إلى إعادة النظر بمواقفها وايجاد حلول جذرية لأساس مشاكل المنطقة المشرقية.

إنّ تطوير معاهدة سايكس بيكو التي تطلّ مئويتها بعد أشهر، وإعادة تقسيم المنطقة وتجزئة المجزأ لن يساهم في إعادة الأمن والاستقرار أو الحفاظ على السلام العالمي.

تقسيم سورية والعراق أو أيّ من كيانات بلاد الشام على أسس مرفوضة عرقياً أو دينياً أو مذهبياً لن يجلب الهدوء والأمن لأيّ من المكونات بل يجسّد مشاريع حروب تمتدّ لقرون عديدة، تهدم بنية المجتمعات وتدفع بها إلى حالة من التخلف والتفكك. وتؤثر سلباً على العالم.

بدل تقسيم سورية الحالية لا بدّ من استعادة وحدتها الطبيعية، وتشجيع قيام وحدة بلاد الشام مرحلياً، من السوق المشرقية الموحدة، اقتصادياً، إلى مجلس تعاون سياسي وعسكري، إلى وحدة الثقافة والتعليم وتطوير المجتمعات باتجاه العلمانية وتنمية العلوم والمعارف والارتقاء للحاق بالثورة الصناعية.

التدخل الغربي في الشؤون الداخلية لبلادنا أفسح في المجال لتدخل مقابل، ولو بناء على طلب الدولة، لكن السوريين لم يقبلوا ولن يقبلوا بوجود أجنبي غريب على الأرض السورية.

أوقفوا تدخلكم في بلادنا، أوقفوا دعمكم للمشروع الاستيطاني التوسعي الصهيوني في أرضنا، واتركوا لنا خياراتنا في اختيار النظام الذي نريد والحاكم الذي نرغب، وبعدها نحن نتكفل بإخراج كلّ غريب من أرضنا السورية بما في ذلك الأصدقاء الذين يقفون معنا.

إذا كانت تركيا لم تتخلص من أطماعها في الأرض السورية، واذا كانت ترغب في ضمّ مناطق جديدة، فنحن لم نتنازل عن حقنا في استعادة الأراضي المسلوبة من بلادنا، بدءاً من اللواء السليب وصولاً إلى حدودنا الدولية الأزلية أعالي طوروس والأمانوس وزاغروس، وتذكروا أنّ الأكراد أبناء شعبنا هم سوريون سومريون يناضلون للتحرّر من احتلال عثماني بغيض.

لتسقط كلّ الاتفاقيات من يالطا إلى سايكس بيكو فاتفاقية 1920 إلى اتفاقيات فرنسا وتركيا 1936…

الردّ على القصف التركي لأراضينا في منغ وأعزاز وغيرها عدوان يستوجب الردّ، ولا يشكل الردّ اعتداء فالأتراك سلطة احتلال في لواء الاسكندرون وأورفه وغازي عنتاب وكلّ كيليكيا الصغرى والكبرى ولا بدّ من طردهم منها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى