المشاة… لا حقّ لهم في الرصيف

أحمد طيّ

إذا كنتَ من محبّي رياضة المشي، فلا مكان لأداء هذه الرياضة في بيروت. ليس بسبب الخوف التي ينتابك، أنت وباقي اللبنانيين، من أيّ سيّارة مفخّخة أفلتت من رصد الجهات الأمنية، أو من أيّ جسدٍ مزنّر بكيلوغرامات من المتفجرّات، أو من أيّ رصاصة قد تكون طائشة أو غير طائشة.


بكلّ بساطة، لا يمكنك ممارسة رياضة المشي في بيروت، لأن لا مكان متوفّراً لذلك. وإذا وددت ادّخار الليرات الأخيرة في جيبك، وآليت الذهاب سيراً إلى عملك لا في سيارة أجرة، لا مكان لك في شوارع بيروت لتنفيذ هذا الودّ.

الرصيف في بيروت مفقود، محتلّ، مغتصَب. المحال التجارية حوّلته إلى «ستاند» إضافي لها، تعرض عليه سلعها. أما إذا مررت قرب منزل شخصيّة سياسية، فممنوع ممنوع ممنوع عليك أن تمرّ على ذلك الرصيف.

ربما يعتبر البعض هذا الكلام من قبيل «النقّ»، لكن ما حدث معي اليوم فاق التصوّر. أو ربّما تراكُم المواقف التي تعرّضتُ لها خلال سيري في الشارع، أدّى إلى قرار كتابة هذه السطور.

نبدأ من الرصيف، وتحديداً في محلّة كورنيش المزرعة، حيث لم أجد ذلك المكان المرصوف، والذي، يعرف القاصي والداني، أنه مخصّص للمشاة.

نعم، الرصيف هو للمشاة فقط، لا لطاولات المطاعم وكراسيها، لا للثياب أو الأحذية أو الأدوات الكهربائية، ولا حتّى لـ«موتوسيكلات الدليفيري»، ولا للسيارات… نعم، في بيروت السيارات تُركَن على الرصيف!

ولكي أتحاشى هذه الأدغال، آليت السير على طرف الشارع، بمحاذاة السيارات المركونة دعماً لـ«الباركميتر». وهنا نائبة النوائب. سيارات تتجاوز بعضها، وتصرعك أبواقها، لا بل يكيل لك بعض السائقين سيلاً من الشتائم. كلّ ذلك لأن احتلال الرصيف وضعكَ على الطريق الخطأ.

تجتاز الشارع بعد عناء، تستقلّ سيارة الأجرة سالماً، وعندما تصل إلى حيث تريد، تتسمّر من جديد عند طرف الشارع بانتظار أن تجتازه وتبلغ الطرف الآخر… لكن هيهات.

فحتّى عندما تسمح لك إشارة المرور بذلك وتأمرُ السيارات بالتوقّف… لا تستطيع. أما السبب، فلأنّ تلك السيارات احتلّت الممر المخصّص لك، والذي طُلِيَ بدهان لونه بارز، والسائقون عيونهم على إشارة المرور، وأقدامهم على «دعسة البنزين»، وأيديهم على ناقل الحركة، وكأنّ سباق «فورمولا وان» أو «ناسكار» سينطلق.

تحاول «الزوربة» بين السيارات، «تلكشك» هذه، وتصطدم بتلك، وبعد جهدٍ وحرص، تصل إلى الطرف الآخر، لتبدأ رحلةً أخرى سيراً في أدغال الرصيف.

هذا المشهد يتكرّر يومياً في بيروت، فحبّذا لو يلاحظه عناصر شرطة المرور. وحبّذا لو تُحرَّر الضبوطات اللاذعة بحق المخالفين ومحتلّي الأرصفة. فينعم المواطن الذي لا يملك إلّا «رينو 11» بمكان يمشي عليه في اكتظاظ بيروت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى