يد الدبّ الروسي تعلو مدفع «الثعلب» الأميركي و«بوزه» السعودي
د. محمد بكر
موجة غير مسبوقة من التحليلات والتوصيفات الإعلامية ولا سيما «الإسرائيلية» منها لجهة السلوك الروسي المثمر في الميدان السوري وتبعاته المنعكسة على الحراك السياسي الدولي، والذي كان آخره مؤتمر ميونيخ الذي وجدت فيه «تل أبيب» تتويجاً لروسيا كدولة عظمى ولاعباً أساسياً ومحورياً في المنطقة، مقابل ما أسمته أفولاً لنجم أميركا الضعيفة، حتى السيناتور الأميركي جون ماكين وجد في الحراك الروسي محاولة لتقسيم حلف الناتو وتقويض المشروع الأوروبي.
بدوره محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرنوت» أليكس فيشمان، ونقلاً عن مصادر أمنية وسياسية قال إنّ كلّ دولة تخطط لعمل عسكري في سورية يجب أن تفكّر مرتين لجهة الردّ الذي سوف تبديه روسيا، كذلك جاءت تحليلات منظر الشؤون الأمنية «الإسرائيلية» روبين بيرغمان بذات الزخم لجهة أنّ وقف إطلاق النار المتفّق عليه بين الروس والأميركان قد تحوّل إلى ورقة بيضاء، وأنّ موسكو غير معنية به على الإطلاق، وقبل أن يجفّ الحبر الذي كتب به استمرّ القصف الروسي في حلب، مضيفاً أنه عندما تتهم أميركا روسيا للمرة بعد الألف بخرق الاتفاق فإنّ شيئاً لن يحدث مطلقاً.
وحده وفي زحمة هذه التحليلات المظهّرة للدور والحضور الروسي في المنطقة، يطلّ الجبير مجدّداً وهو الذي يصول ويجول كثيراً هذه الأيام ويتنامى حراك مملكته إلى مستويات غير مسبوقة لتفصيل الحلول النارية وتصدّر المشهد، يطلّ ليعلن أنّ الروس سيفشلون في إنقاذ الأسد! ولا ندري علام يعوّل الجبير وممّن يستلهم كلّ تلك الثقة التي جاءت رسائل الأميركي واضحة المدلولات لتجعل من «الهيجان» السعودي حركة بلا بركة، بالرغم من الترحيب الأميركي بجديد التوجه السعوي في سورية، والذي وجد فيه كيري خطة طموحة، لكن هو نفسه من قطع الحبل في ذروة التهاب الطريق وسخونة المعركة عندما أجاب معلقاً على أحد نشطاء المعارضة السورية بالقول: هل تريدوننا أن ندخل في حرب مع روسيا من أجلكم؟.
فهل فعلاً باتت روسيا هي المتحكّم الناجز في الميدان السوري على وقع أيادٍ أميركية «مكبّلة»؟ وكيف تمكن لنا قراءة الرؤية الأميركية لجديد التوجه السعودي؟
لا شك بأنّ الأيام القليلة الماضية أفرزت تحوّلاً كبيراً في يوميات الحرب السورية، لجهة الدور الروسي اللافت وإسناده الجوي للجيش السوري وحلفائه، ولا سيما في الشمال، ولكن لا نتفق مطلقاً أو ربما قد نتوافق إلى حدّ معين مع التحليلات المعلنة حول ذلك لجهة تراجع الموقف الأميركي وحضوره في المشهد السوري، لكن ليس لدرجة أفول النجم الأميركي والتسليم المطلق بالخسارة في مواجهة الخصم الروسي في سورية، فلا يزال الأميركي يعوّل على إيلام الروسي لكن بأشكال وطرق مختلفة.
يقول الدبلوماسي الأميركي السابق دنيس روس: إنّ الفراغ الحاصل في سوريّة تفاقم من نواحٍ عدة بسبب الإحساس بتقلّص دور أميركا بالمنطقة، ما أوجد فراغاً أكبر فتح المجال أمام نشوء المنافسة المتزايدة بين إيران والسعودية، عادّاً تلك المنافسة بأنها لن تتصاعد لتصل إلى صراع مباشر، ولكنها ستدفع الطرفين إلى النظر إلى الحروب الجارية بالوكالة كحروب لا ربح فيها ولا خسارة، مضيفاً أنّ تقلص الدور الأميركي فتح الباب أمام روسيا لإثبات حضورها كقوة عظمى، والأهمّ من ذلك هو حديث روس عما سمّاها المبادئ التوجيهية للتدابير العسكرية التي تفيد واشنطن، والتي يجب أن تنطلق من الاعتماد على الشركاء المحليين بشكل رئيس لمواجهة «داعش»، ويكون دور أميركا فيها محدوداً ويقتصر على إدارة المعركة، وهذا ذاته ما ينطبق في اعتقادنا على رؤية واستراتيجية الولايات المتحدة في التعاطي مع التوجه السعودي في سورية لجهة وضع الشركاء في «بوز» مدفعه في النار السورية وفق زمان ومكان وحجم مشاركة تخطها فقط الريشة الأميركية، ومراقبة تطورات الصدام في ما بعد وإدارته من بعيد، ومن هنا نقرأ ونفهم عدم استبعاد مصادر ومواقع «إسرائيلية» إمكانية نشوب حرب وبغضّ النظر عن طبيعتها وديمومتها بين السعودية وروسيا، وكذلك نفهم حصر مفاعيل التوجه السعودي الجديد بأنه لا يرجع للسعودية إنما للتحالف الذي تقوده أميركا، كما أعلن الجبير غير مرة.
المؤكد أنّ بوتين لن يستجيب لطلب نظيره الأميركي الذي هاتفه مطالباً بوقف العمليات العسكرية ضدّ التنظيمات «المعتدلة» وضرورة اضطلاع روسيا بدور بنّاء في سورية، فالدبّ الروسي مستمرّ في «البطش بيده الحديدية» دفاعاً عن موقعه كدولة عظمى، كما تقول وسائل الإعلام «الإسرائيلية»، وبذات الاندفاعة يمضي «الثعلب» الأميركي في رسم سيناريوات المكر والحيلة في تطبيق القديم الجديد الذي وجد من خلاله ثعلب السياسة الأميركية ومنذ سبعينيات القرن الماضي هنري كيسنجر، لجهة أنّ إشعال «حرب سنية ـ شيعية» هو الأكثر جدوى للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، ولن تكون برداً وسلاماً إلا على بني صهيون.
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83 gmail.com