البيدق المريض… وجنون العثمنة!

معن حميّة

ليس اكتشافاً أنّ تركيا الأردوغانية تواجه تحدّياً صعباً. فالنار المتأجّجة في مناطق واسعة تخضع بالاحتلال لتركيا، قد تشتدّ استعاراً من جراء عصف ريح الأزمة السورية، ورغم ذلك، لا تتورّع حكومة «العدالة والتنمية» التركية عن النفخ في هذه النار الملتهبة من خلال الممارسات الوحشية اللاإنسانية بحق أهل هذه المناطق، ولا عن دعم قوى الإرهاب والتطرف التي هي سبب اندلاع الأزمة السورية!

تركيا الأردوغانية مريضة… وعلى فوهة بركان، تنذر «السحب الكثيفة الملتبهة» باقتراب انفجاره، نتيجة القهر والقمع والإرهاب الذي تمارسه السلطات التركية ضدّ السكان وضدّ الإنسانية، لكن قادة تركيا الجدد يكابرون بنفي المرض، ويتبجّحون بالقدرة على لعب دور محوري في رسم خرائط جديدة للمنطقة. وهذا التبجّح عبّر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 17 شباط 2016 ، إذ أعلن أنّ «تركيا تقدّم دروساً في القيم والإنسانية وتعطي العالم نموذجاً في العمل الإنساني»، وذهب إلى حدّ «تهديد» الولايات المتحدة الأميركية، من أنّ عدم إدراج فصائل كردية سورية كمنظمات إرهابية «يُعَدّ عملاً عدائياً» ضدّ بلاده، ومضيفاً بأنّ قصفه المناطق السورية «خطوات مشروعة، وكلّ من لا يتفهّم ويحترم موقفنا هذا فإنه سيدفع الثمن»!

هذا الموقف لأردوغان، يؤشر بالدليل على عوارض المرض، والسؤال، لا بل الأسئلة، هل الدروس التي يقدّمها أردوغان عن «القيم والإنسانية» هي تلك التي تترجم إرهاباً وحشياً ضدّ أهل المناطق السليبة التي تشهد اضطرابات؟ أم بدعمه غير المحدود للمجموعات الإرهابية المتطرفة التي تقتل السوريين وتدمّر سورية؟

وهل خروج أردوغان عن طوره، هو نتيجة شعوره بالعجز وعدم القدرة على فعل أيّ شيء، وهو يرى الجيش السوري بمؤازرة روسية يتقدّم باتجاه استعادة المناطق السورية التي كان يطمح أردوغان بجعلها محميات تابعة له تحت عناوين المناطق العازلة؟ أم أنه شعر بعقدة النقص بعد كلمة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد 16/ شباط/2016 التي قال فيها: «إنّ أنقرة والرياض تقومان بدور البوق بهدف الابتزاز… لو كان مسموحاً لهم الهجوم البري لبدأوه منذ زمن طويل على الأقلّ منذ أشهر. فإذن علينا أن ننظر للسيد، لسيد هؤلاء… إذا كانت هناك رغبة في الدخول في مثل هذه الحرب بين القوى الكبرى أم لا، وليس بين قوى هامشية لم يكن لها دور سوى تنفيذ أجندة الأسياد».

وهل رفع أردوغان نبرته في وجه سيّده الأميركي، هو ردّ على موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي قال 17/ شباط/2016 : «من الواضح أنّ حفنة من المتمرّدين في سورية لا تقدر على مقارعة سلاح ثاني أقوى جيش في العالم» الجيش الروسي ، أم أنّ المسألة لا تعدو كونها هلوسات رجل مريض؟!

جرعات هلوسة القوة الزائدة التي ابتلعها أردوغان، استبقها نائب رئيس الوزراء التركي يالتشين أقدوغان بالإعلان عن أنّ «أنقرة تريد منطقة آمنة بعمق 10 كيلومترات داخل سوريا تشمل مدينة أعزاز»، ما استدعى رداً سريعاً من الخارجية الروسية أكدت فيه أن «لا منطقة عازلة في سورية من دون موافقة الحكومة السورية والأمم المتحدة».

لكن ما هو لافت أنّ مواقف وتصريحات أردوغان وأقدوغان، سبقها موقف لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، تنصّل فيه من تصريحات سابقة أكد فيها التدخل البري، بقوله: «لم يتمّ بحث استراتيجية العملية البرية بجدية مع التحالف الدولي بقيادة أميركا»، مشيراً إلى أنّ «إجراء مثل هذه العملية بقوى تركية وسعودية وقطرية وحدها، لا يعتبر خياراً واقعياً»، متماهياً بهذا الموقف مع ما أعلنه وزير الدفاع التركي عصمت يلماز الذي نفى نية تركيا المشاركة في قوات برية!

التضارب في المواقف التركية، عكس حالة من التخبّط والارتباك والضعف، لكن إصرار أردوغان على تبنّي مقولة «مَن ليس معنا فهو ضدّنا» يكشف عن بلوغ المرض حدّ عدم الشفاء، ما يطرح أسئلة كبيرة حول مستقبل تركيا الأردوغانية، في ظلّ لهيب النار المشتعل في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا بالاحتلال، وتأثير عصف الريح السورية التي تشكلت من جراء عوامل الضغط التركي عبر دعم الإرهاب والتطرف لمحاربة سورية.

كرة نار الإرهاب التي ساهمت تركيا في إيصالها إلى سورية، سترتدّ إليها، إذ شهدت أنقرة 17 شباط 2016 تفجيراً استهدف عسكريين أتراكاً، ما يطرح تساؤلات جدية، هل كرة نار الإرهاب صارت في الداخل التركي، أم أنها مؤشرات وصولها؟

ما هو مؤكد أنّ الدعم التركي المكشوف للإرهاب والتطرف، والمواقف التركية الغوغائية التي بدأت تغرّد من خارج السرب الأميركي، بدأت تثير انزعاجاً في الأوساط الأميركية، وبعض الغرب، وبدأت تُطلق دعوات للإدارة الأميركية من أجل التعامل بشكل أكثر شدّة مع تركيا على خلفية قيامها بقصف مناطق سورية عدة، بما يناقض قرارات مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرار 2254، ويعرّض تفاهمات مؤتمر ميونيخ للأمن للسقوط، وهذا برأي المتابعين يتعارض مع المصالح والسياسات الأميركية التي دخلت في «كوما» الانتخابات الرئاسية. وفي هذا السياق، يعتبر المسؤول السابق عن تدريب قوات الناتو في العراق اللواء الأميركي مايكل باربيرو، أنّ «واشنطن لم تكن حازمة في التعامل مع الأتراك»، والأجدى بالنسبة إلى بلاده ألا تتراخى في التعامل مع تركيا.

والدعوة إلى عدم التراخي مع تركيا، لا تنحصر بما عبّر عنه باربيرو، بل هناك أسباب كثيرة تفرض عدم التراخي، فالإدارة الأميركية وفّرت لأردوغان وحزبه أشكال الدعم السياسي والعسكري والأمني كلّها، وكذلك الدعم المالي من حلفائها في المنطقة، وكلّ الظروف التي تمكّنه من استعادة «تركة الرجل المريض»، عبر الإمساك بالسلطة في العديد من بلدان المنطقة، بواسطة «إخوانه» المنتشرين على شكل حركات سياسية ودعوية، ومنظمات إرهابية، لكن على أن يكون بيدقاً تُحرّكه واشنطن بما يخدم مشاريعها ومصالحها وسياساتها، لا أن يتحوّل إلى طاووس يتطاول على أسياده ويهدّدهم بدفع الأثمان.

هذا الطاووس التركي المريض، لم يفهم أنّ أحلامه العثمانية هي أضغاث أحلام، وأنّ الولايات المتحدة مهما بلغت من الجبروت والقوة، لم تعد هي الوحيدة التي تمسك بزمام المبادرة الدولية، فها هي إيران تتوصل مع دول 5 + 1 إلى اتفاق نووي يخرجها من الحصار ويكرّسها دولة إقليمية بمواصفات دولية وازنة، وها هي روسيا الاتحادية المعترف بقوة حضورها ودورها أميركياً، لا تحتمل منغّصات ولومة لائم تركي. فروسيا بلسان رئيسها فلاديمير بوتين تؤكد أنّ مؤازرتها لسورية ضدّ الإرهاب وداعميه خيار ثابت وراسخ لا رجوع عنه، ما يحتم على العثمانيين الجدد الذين يحكمون تركيا اليوم، أن يفهموا جيداً هذه الحقيقة، ويتوقفوا عن جنون العثمنة، كي لا تطالهم لعنة «السوخوي».

وحريّ بأردوغان أن يحذو حذوَ وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس الذي اعترف بأنّ بلاده فرنسا العظمى لا تأخذ القرارات بمفردها، مشيراً إلى أنه «عندما سنكتب التاريخ سنكتب أنها كانت نقطة تحوّل ليس فقط بالنسبة للأزمة في الشرق الأوسط بل أيضاً لأوكرانيا والقرم والعالم».

فهلّا سيفهم أردوغان المريض وإخوانه…؟

مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى