أردوغان في جميع الملفات خسران…
مصطفى حكمت العراقي
يبدو أنّ هذه الأيام لن تكون أفضل من سابقاتها بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد حملت مؤشرات سيئة بالنسبة إليه ابتداءً من تصاعد الأزمة مع روسيا على خلفية إسقاط الطائرة الروسية وانهيار العلاقات التجارية إثر العقوبات الروسية والقلق المتزايد لجهة خروجه من الملف السوري بشكل كامل، خصوصاً بعد توالي سقوط القلاع الحصينة لأردوغان وأذنابه من المسلحين في كامل الشمال السوري الذي يقترب تدريجياً من العودة إلى حضن الدولة السورية، ومروراً بالأحداث المؤسفة التي وقعت أثناء تعامل حرسه بخشونة مع نائبة ومحتجين على سياساته في برلمان الأكوادور المحطة الأخيرة في جولته في أميركا اللاتينية ، وانتهاءً بالزيارة التي قام بها وفد لأميركي بقيادة الدبلوماسي برت ماكغورك المبعوث الأميركي لدى التحالف الدولي الذي يشن غارات جوية ضدّ «داعش» الى مدينة عين العرب كوباني السورية ولقائه بمسؤولين في قوات الحماية الشعبية ـ الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلّم.
أردوغان اعتبر هذه الزيارة التي جاءت بالتزامن مع مؤتمر جنيف حول سورية استفزازاً لتركيا التي هدّدت بمقاطعة المؤتمر إذا شارك فيه مسلّم، لأنها تعتبر حزبه مؤيداً لحزب العمال الكردستاني المصنّف لدى أنقرة إرهابياً، مثلما تعتبره أيضاً مؤيداً لسورية.
غضب أردوغان عبّر عنه في لقاء مع الصحافيين الذين رافقوه على متن طائرته في طريق عودته من اميركا اللاتينية عندما قال: على أميركا أن تختار بين تركيا والأكراد، وتساءل موجهاً حديثه للاميركيين: «كيف نثق بكم؟»، ومعه كل الحق، لأنّ الأميركيين تعوّدوا على طعن أقرب حلفائهم بخناجر مسمومة في الظهر، واسألوا العاهل السعودي.
كلام أردوغان يعطي إشارات واضحة ليقين الرئيس التركي بأنّ واشنطن بدأت تسير في طريق مخالف لهوى أنقرة، فتركيا تخشى من إقامة منطقة للحكم الذاتي الكردي على طول حدودها الجنوبية مع سورية على غرار منطقة كردستان العراق، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على وحدتها الداخلية، ويشجع مطالبات للاكراد بالشيء نفسه في شرق تركيا، حيث يشكلون الغالبية هناك.
أما الولايات المتحدة فقد ذهبت بعيداً في اتخاذ مواقف معادية لتركيا، حيث صرّح المتحدث باسم الحكومة الأميركية جون كيربي في اجتماع صحافي مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، فقال إنّ تركيا ترى حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية لكن واشنطن لا تراه كذلك، وأضاف كيربي بأنهم يدعمون قوات وحدات حماية الشعب الكردية وتابع الدبلوماسي الأميركي مؤكداً أنّ الولايات المتحدة ستستمرّ في دعم وحدات حماية الشعب، معتبرة إياها حليفاً في المنطقة، وهو ما حصل فعلياً في كوباني، فدعم التحالف الأميركي القوات الكردية لاستعادة المدينة من «داعش» تحت أعين أردوغان… هذا الموقف الأميركي يؤكد أنّ إدارة أوباما ذاهبة في التوجه نحو الرأي الروسي بالنظر الى الأكراد مشاركاً أساسياً في العملية السياسية السورية المقبلة وضرورة مشاركتهم في محادثات جنيف المقبلة وهو ما أكده ماكغورك قائلاً إنّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي سيشارك في اجتماعات جنيف في المرحلة المقبلة الجدية كطرف أساسي بهذه المفاوضات.
في هذا السياق نفسه قال ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي إنّ الجانب الروسي سيصرّ على بحث مسألة مشاركة الأكراد في المفاوضات السورية خلال الاجتماع المقبل.
وأردف قائلا ًإننا كنا نتحدّث دائماً عن ضرورة ضمان مشاركة أوسع للأوساط الاجتماعية والاثنية والطائفية في المفاوضات السورية. ولا شك في أنّ الأكراد يمثلون عنصراً مهماً للغاية، وبلا مشاركتهم لا يمكننا التعويل على النجاح في حلّ القضايا الإنسانية ومحاربة الإرهاب، والشيء الأهمّ برأينا هو أنّ أيّ عملية سياسية بلا مشاركتهم لن تكون كاملة. وجهتا النظر الروسية والأميركية تبدوا متطابقتين بشأن مشاركة الأكراد في المفاوضات السورية المقبلة، وهذا ما يبرّر موافقة موسكو على مشاركة ممثلي «جيش الاسلام» و»أحرار الشام» في الجولة الماضية لجهة ضمان مشاركة الأكراد وبعض الشخصيات الأكثر اعتدالاً من وجهة نظر موسكو، وهذا يمثل أرضية جيدة لتطبيق باقي التوافقات الأميركية الروسية التي بدأت تظهر إلى السطح تباعاً من ملف الاتفاق النووي مع ايران، وكذلك التوافق على حلّ الأزمة السورية سياسياً وتطبيق خطوات عدة تكون نهايتها انتخابات رئاسية يحق للرئيس الأسد المشاركة فيها.
أما تركيا فهي أمام عدة خيارات أحلاها مرّ… فإما أن توافق على مشاركة الأكراد للسير في ركب التوافق الروسي الأميركي وعدم التغريد خارج السرب لمحاولة الحصول على بعض النقاط المساهمة في محاولات عودة العلاقات التركية ـ الروسية التي تسعى اليها أنقرة، بعدما تلقت ما لم تكن تتوقعه من موسكو بعد إسقاط الطائرة الروسية. فموسكو تطلب اعتذاراً من تركيا المضغوطة بمجريات الميدان السوري وما يحصل فيه، أو أن تبقى تركيا على موقفها الرافض لمشاركة الأكراد فتستمرّ خسارة أردوغان وإدارته لجهة عدم الانتظام في قطار مكافحة الإرهاب الذي بدأ مسيرته بسرعة خاطفة، ما سيجعل أنقرة في نهاية المطاف معزولة من كلّ الاتجاهات، فلا علاقات جيدة مع إيران النووية المتعافية اقتصادياً والمنتصرة سياسياً، ولا مع سورية التي تتعافى تدريجياً من وباء الإرهاب المدعوم من تركيا، ولا مع روسيا التي أصبح جيشها على حدود تركيا في اللاذقية وحلب، ولا مع الحليف الرئيسي الولايات المتحدة التي تركت ربيبها أرودغان بعدما أيقنت فشله في تحقيق أيّ هدف رسم مسبقاً، في وقت كانت الدولة السورية في موقف أضعف مما هي عليه الآن، فأصبحت المعركة الآن معركة حلف كامل موجود على الأرض السورية بشكل كامل، فمن غير المعقول أن تتخذ أنقرة خياراً تصعيدياً في هذا الشأن والتوقيت لأنه سيكون انتحاراً سياسياً وميدانياً لأردوغان ومن معه، ولكنهم كما قال الوزير المعلم مجانين ويمكن أن يقوموا بأيّ شيء لا يقبله العقل، ولكن الأيام المقبلة ستشهد حضوراً كردياً في جنيف وتقدّماً سورياً في الميدان ليكتمل النهج الروسي السوري في السياسة والميدان.