من أنقرة إلى إيطاليا وسورية… هل يدري أردوغان ماذا يجري؟
سعدالله الخليل
سواء صدقت أم كذبت ادّعاءات ثعلب أنقرة أحمد داوود أوغلو حول تفسيرات التفجيرين الانتحاريين اللذين ضربا عاصمة السلطنة العثمانية الجديدة أنقرة خلال أقلّ من أربع وعشرين ساعة فإنّ الأمر سيان ولا يغيّر من حقيقة عمق الأزمة التركية التي تدفع رئيس نظام الحرية والعدالة رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته لإطلاق الاتهامات والتصريحات في كافة الاتجاهات، كحال الباحث عن تفسيرات لاغتصاب زوجته بعد عرضها في سوق النخاسة لسنوات ويلهث لاستصدار صك براءة يقنع بها حشود المراقبين لتفاصيل المشهد.
فور وقوع التفجير الأول وبعد أقلّ من 12 ساعة كانت المعطيات واضحة لدى أنقرة، ودليل الإدانة جاهز لعدوّها اللدود، وعلى خلاف عادتها السابقة ولأنّ حيثيات المرحلة الراهنة تقتضي مواقف أكثر تقدّماً لم تتهم أنقرة حزب العمال الكردستاني بل ذهبت إلى اتهام وحدات الحماية الكردية ودمشق، وحدّدت هوية منفذ التفجير الذي جاء متسللاً من الأراضي السورية وتحديداً من من مدينة عامودا.
إذاً من وجهة النظر التركية فإنّ سورية تتحمّل مسؤولية التفجير الإرهابي كون منفذه تسلّل من أراضيها، فماذا عن الإرهابيين الخمسمئة الذين دخلوا اعزاز عبر الأراضي التركية عبر باب السلامة لنجدة «جبهة النصرة» المدرجة على قائمة الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية والمتمركزة في المدينة التي يحذّر أردوغان وحدات الحماية من الاقتراب منها، والتي يبدو أنها استجابت لتحذيراته ولم تقترب من اعزاز لكنها ضربت في عاصمة أردوغان أنقرة، فأيّ مهابة يملكها السلطان العثماني في قلوب خصومه؟ وأيّ قوة لفاتح يعجز عن حماية قصره من خصومه وقبل أن يصحو ثنائي العدالة والتنمية أردوغان وداود أوغلو من سكرة التفجيرات، وفي خضم تهديداتهما لسورية تلقيا صفعتين… الأولى من جبال اللاذقية بتحرير الجيش السوري لبلدة كنسبا المعقل الأخير لجماعاته في ريف اللاذقية، ولتعلن المحافظة خالية من التواجد المسلح ولتذهب أحلام السلطان بإيجاد منفذ بحري لمرتزقته في سورية، فيما تمثلت ثانية الصفعات بسيطرة قوات سورية الديمقراطية والمكوّنة من وحدات الحماية وفصائل عربية على الشدادي ثاني أكبر معاقل تنظيم «داعش» بعد الرقة التي أنهت نشوة أنقرة بتصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المطالبة بمنطقة حظر جوي في سورية، في محاولة لمنح حليفها أردوغان جرعة من المعنويات في ظلّ الإحباط الذي يعانيه جراء انتكاساته على أكثر من جبهة، حيث تتواصل اللعنة الأردوغانية مع توجيه السلطات الإيطالية تهمة غسيل الأموال إلى بلال أردوغان نجل الرئيس التركي بتهمة المساهمة في تسويق النفط من تنظيم «داعش» الإرهابي وقضايا فساد أخرى، حيث ورد اسمه في لائحة المطلوب استدعاؤهم للتحقيق كمشتبه به بتهم تلاعب وتزوير وفساد في 28 مناقصة تصل قيمتها إلى نحو 100 مليار دولار.
في يوم من الأيام قال الممثل الراحل نهاد قلعي في مسلسل «صحّ النوم» «إذا أردنا ان نعرف ماذا في إيطاليا يجب أن نعرف ماذا في البرازيل»، ولازمت هذه العبارة سلسلة سقطات وهفوات درامية وفكرية، وبعد سنوات غدت العبارة تعبيراً عن الشمولية والعولمة في عالم السياسة والاقتصاد والحروب في زمن منطق القطب الواحد والسيطرة الأميركية على مجريات الأحداث ومع سقوط أسطورة السطوة الأميركية والنهوض الروسي والصمود السوري في حرب عالمية بالوكالة على الأرض السورية، فإنّ لسان حال أردوغان «بورزان» العصر الحديث بعد خمس سنوات يقول «إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في أنقرة علينا أن نعرف ماذا يجري في سورية وإيطاليا».