نور الدين: الكلام عن تدخل سعودي ـ تركي في سورية استعراضي وتفجير أنقرة نتيجة سياسات «العدالة والتنمية»

رأى الخبير في الشؤون التركية الدكتور محمد نور الدين «أنّ تفجير أنقرة يمكن أن يكون هدفه استدراج القيادة العسكرية وتغيير موقفها لمجاراة السلطة السياسية للتدخل في سورية»، لكنه أشار إلى أنّ «المؤسسة العسكرية تدرك أنّ السياسة التركية في سورية لم تجلب على تركيا إلا المخاطر السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والعزلة الخارجية»، متوقعاً أن «ترفع المؤسسة العسكرية شعار كفى في وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتدعوه إلى التخلي عن هذه السياسة».

وفي حوار مشترك بين صحيفة الـ»البناء» وشبكة «توب نيوز»، رأى نور الدين «أنّ الخلاف بين تركيا وواشنطن سببه الورقة الكردية»، مستبعداً «أن تقوم تركيا بمغامرات عسكرية خارج حدودها تعرِّض الأمن القومي التركي والأطلسي للخطر باعتبارها جزءاً من المنظومة الأطلسية».

واستبعد نور الدين التدخل العسكري السعودي في سورية من دون تركيا، «لأنّ الأخيرة بوابة التدخل العسكري في سورية والمعطيات تشير إلى أنها لن تتدخل في سورية لوجود محور المقاومة من جهة، والإنذارات الروسية من جهة أخرى، إضافة إلى أنّ أميركا لم تُعطِ الضوء الأخضر لمثل هذا التدخل، فضلاً عن غياب الشروط الموضوعية لإنجاحه». وعزا نور الدين سبب ذهاب تركيا إلى الأحضان «الإسرائيلية» إلى محاولتها فكّ عزلتها الخارجية و»ليس بالضرورة لاستخدام ذلك في الأزمة السورية»، مُرجِّحاً أن توظف تركيا العلاقة مع «إسرائيل» في إطار «التخفيف من الضغط الروسي على تركيا، لا سيما الاقتصادي بعد مخاوف تركيا من قطع الغاز الروسي عنها، وطمعاً بتصدير الغاز الإسرئيلي إلى أوروبا عبرها».

وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً

حاورته روزانا رمّال ـ تحرير محمد حمية

ما هي دلالات التفجير الذي استهدف أنقرة في الوقت الذي تشنُّ فيه تركيا حملة على الأكراد مهدِّدة بالتدخل العسكري البري في سورية وحملة سياسية على الولايات المتحدة؟

– إنّ حجم هذا الاستهداف الذي ضرب قلب تركيا كعاصمة وقلب أنقرة، بالقرب من المؤسسة العسكرية والأمنية الأهم في تركيا وهي رئاسة الأركان وسقوط قتلى من العسكريين الذين كانوا في حافلات عسكرية، سوف يستدعي من القيادة التركية التوقف طويلاً أمام الغايات وكيفية مواجهة هذا التحدي الأمني الجديد. ويرجح المحللون العسكريون الأتراك أن يكون حزب العمال الكردستاني هو من نفّذ التفجير والاحتمال الآخر هو تنظيم «داعش». بمعزل عن الجهة المنفذة، هناك اختراق أمني كبير للداخل التركي والسؤال الذي يطرح اليوم هو حول انعكاسات ذلك على سياسة تركيا في سورية.

إذا كان تنظيم «داعش» هو الذي نفّذ التفجير فعلاً، كيف يمكن لهذا التنظيم الذي يتلقى الدعم من تركيا أن يخرج عن إمرتها؟

– من المحسوم أنّ تركيا هي أحد أكبر داعمي وحاضني ورعاة «داعش»، وبالتالي أي تفجير يستهدف مؤسّسات الدولة التركية أو مصالح حزب العدالة والتمنية لا يقف خلفه «داعش»، والدليل أنّ كلّ التفجيرات السابقة التي كانت تحصل في تركيا والتي كانت تركيا تتهم فيها «داعش» لم يحسم التحقيق في شأنها رغم أنّ تركيا كانت تبني عليها سياسات وتوظيفات، لذلك أستبعد أن يكون «داعش» المسؤول عن تفجير أنقرة والحدث مفتوح على احتمالات كثيرة.

هل يمكن أن يكون هدف التفجير إثارة الشارع التركي ضدّ الأكراد وبالتالي تبرير وشرعنة التدخل العسكري التركي في سورية؟

– التهديد التركي بالتدخل العسكري في سورية، ليس أمراً جديداً، ففي حزيران الماضي هدّد المسؤولون الأتراك بالمنطقة العازلة في سورية، إلا أنّ موقف القيادة العسكرية حينها منع ذلك، وتفجير أنقرة اليوم يمكن أن يكون هدفه استدراج القيادة العسكرية وتغيير موقفها لمجاراة السلطة السياسية للتدخل في سورية. وإذا كان هذا هو الهدف من التفجير، فإنّ المؤسسة العسكرية ستدرك أنّ السياسة التركية في سورية لم تجلب على تركيا إلا المخاطر السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والعزلة الخارجية حتى من الحلف الأطسي وفي مقدمته الولايات المتحدة.

المؤسسة العسكرية أعقل من أن تُستدرج ومن أن توظف الجيش التركي لسياسات ومغامرات أردوغان، بل سترفع له شعار كفى وستدعوه لأن يتخلى عن هذه السياسة، وإن حاولت المؤسسة القيام بعمل ما لإعادة الهيبة، فلن يكون في الداخل السوري، بل في الداخل التركي ضدّ حزب العمال الكردستاني، لكنّ هذا العمل لن يقدِّم أو يؤخِّر لأنه ليس جديداً.

في ظلّ صلاحيات المؤسسة العسكرية في تركيا، إلى أي مدى يستطيع أردوغان الانصياع لقرارت هذه المؤسسة وليس لقراراته الشخصية ومصالحه؟

– «الإصلاحات» التي قام بها أردوغان عام 2010 قيّدت حركة المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي ولم تعد لها شرعية التدخل في الحياة السياسية وإصدار إملاءات على السلطة السياسية، فضلاً عن عمليات التطهير التي قام بها الرئيس التركي ضدّ الضباط بذريعة العملية الإنقلابية، ما جعل هذه المؤسسة تفقد ما يسمى بـ»الحرس القديم» وتفقد كذلك الشرعية القانونية التي تمنحها الكلمة الوازنة في القرارات السياسية، ومع ذلك تبقى لديها حساسية ما تتصل بالأمن القومي والبعد العلماني والسياسات العامة في الداخل والخارج وتظهر من وقت إلى آخر، لكنّ القرار السياسي يعود إلى السلطة التنفيذية أي إلى رئيس الحكومة، لكن، في الوقت عينه، فإنّ أي قرار سياسي يتطلب وظيفة عسكرية يحتاج إلى موافقة المؤسسة العسكرية.

شنّ أردوغان منذ أسبوع هجوماً على السياسة الأميركية والإدارة الحالية وطريقة تعاطيها مع الأزمة السورية ودعمها للأكراد وأعقب ذلك بقصف في سورية، كيف تفسِّر هذا الهجوم على أميركا؟

– تركيا بلد أطلسي وجزء من المنظومة الأطلسية ولا تستطيع أن تقوم بمغامرات خارج حدودها تعرِّض الأمن القومي التركي والأطلسي للخطر، لكنّ هذا لا يعني أنّ تركيا لم تقع في تباينات في الأولويات مع العديد من الشركاء في حلف الأطلسي الذي تتحكم أميركا بقيادته. من الطبيعي أن يكون هناك كباش بين أنقرة وواشنطن اللتين ترتبطان بتحالف ومصالح، لكن في الموضوع السوري هناك خلاف بينهما خصوصاً بعد المتغيرات الميدانية، وبعد دخول روسيا إلى سورية وتصميمها على أنّ سورية جزء من أمنها القومي. هناك قناعة لدى أميركا بالتواجد الروسي في سورية، الواقع الميداني الذي فرضه المحور الذي يضمّ روسيا وإيران وسورية وحزب الله في سورية والتطورات الميدانية الأخيرة حال دون ذهاب الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مباشرة، كما أنّ جزءاً من التحالف الإيراني ـ الروسي ـ السوري، تتقاطع مصالحه مع مصالح الأكراد ووحدات الحماية الكردية في سورية التي نمت وسيطرت على كثير من المناطق في سورية بفضل الدعم الأميركي والروسي، وهنا حصل الخلاف بين تركيا وواشنطن على الورقة الكردية. منذ التدخل التركي في سورية لم تحقق تركيا إلا الفشل الشامل على كلّ الجهات، وتصاعد هذا الفشل مع دخول روسيا إلى سورية وإسقاط الأتراك للطائرة الروسية والذي سمح لروسيا فرض الحظر الجوي على سورية وعلى الحركة العسكرية التركية في الداخل السوري براً وجواً. تركيا اليوم مُكبّلة من كلّ الجهات، وهي محاصرة ومعزولة سياسياً.

تفجير أنقرة تصعب ترجمته في الداخل السوري، لأن لا أحد سيقتنع بأي تبرير لتدخل عسكري تركي في سورية، لا سيما بعد تحرير نبل والزهراء وقطع طريق حلب مع الحدود السورية شمالاً وتقدم الأكراد، لذلك نحن أمام تدعيات سلبية على الداخل التركي جراء سياسة تركيا في سورية.

ماذا يشكل سقوط نظام الرئيس بشار الأسد استراتيجياً لأردوغان وتركيا لكي يقول إنه حقق أهدافه في سورية؟

– هذا يعيدنا إلى بدايات المشروع التركي مع انطلاقة ما يسمى «الربيع العربي»، الذي كان فرصة مبكرة لكشف النيات التركية على المدى الطويل بالهيمنة على المنطقة ككلّ وظهر ذلك من خلال المواقف والسلوك التركي مع بداية الأحداث في سورية.

إسقاط الرئيس الأسد مرحلة ضرورية بالنسبة لتركيا، لأنّ سورية بوابة تركيا للعالم العربي وعمود المقاومة، وسقوطها يعني قطع التواصل بين لبنان والعراق وإيران وإضعاف كلّ المحور ومقدمة لسقوطه، لذلك فإنّ صمود الأسد في سورية ودخول الروس إليها ومشاركة كلّ محور المقاومة في الحرب، حال دون تحقيق أهداف أردوعان، فضلاً عن أنّ سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر قطع الركيزة الثانية للمشروع التركي في شمال أفريقيا.

ما الذي يدفع أردوغان ليرتدع في مصر ويقتنع بأنّ مشروعه سقط رغم وجود قاعدة حقيقية إخوانية فيها ولا يقتنع بسقوط مشروعه في سورية وبوجود روسيا في المنطقة؟

– الشرط الأول الذي يفرض على تركيا الاقتناع بضرورة تغيير سياستها في سورية، هو هزيمة تركيا في الميدان العسكري من خلال هزيمة المعارضة السورية المسلحة وفك ارتباطها بتركيا وبالتالي إغلاق الحدود مع سورية، وبعد الدخول الروسي بدأ الأمر يذهب بهذا الاتجاه، أما الشرط الثاني، فهو إقناع الرأي العام التركي بمختلف مكوناته، بأنّ هذه السياسة تنعكس سلباً على الداخل التركي ونتيجة طبيعية لسياسة احتضان الجماعات الإرهابية والكراهية لأكراد سورية.

هل تشكلت أرضية للتدخل العسكري السعودي ـ التركي في سورية، من خلال إعلان السعودية منذ أشهر عن تشكيل تحالف عربي وإسلامي لمواجهة الإرهاب؟ وهل سيحصل هذا التدخل فعلياً؟

– احتمال التدخل العسكري التركي ـ السعودي ليس سوى محاولة افتراضية غير عملية ولا ترجمة لها على أرض الواقع. إنّ إرسال قوات سعودية إلى قاعدة «أنجرليك» التركية لا يؤشر إلى حتمية هذا التدخل، والسؤال هو من سيحمي القوات البرية السعودية من الجو في ظلّ الحظر الجوي الروسي فوق الأراضي السورية؟ إذاً هي عملية استعراضية أكثر منها محاولة جدّية لتدخل عسكري سعودي ـ تركي في سورية.

من جهة أخرى، لا تدخل عسكرياً سعودياً من دون تركيا لأنّ الأخيرة بوابة التدخل العسكري في سورية. فهل ستذهب تركيا إلى هذا الأمر؟ المعطيات تشير إلى أنها لن تتدخل في سورية لوجود محور المقاومة من جهة، والإنذارات الروسية من جهة أخرى، إضافة إلى أنّ أميركا لم تُعطِ الضوء الأخضر لمثل هذا التدخل. لن يكون هناك تدخل ولا معطيات موضوعية تؤدّي إلى إنجاحه.

بالعودة إلى القصف التركي لسورية الذي تمّ تحت العين الروسية، كيف سمحت روسيا بهذا الاستعراض التركي؟

– القصف المدفعي التركي لمحيط أعزاز هو أكبر دليل على أنّ تركيا لن تتدخل برياً ولا جوياً في سورية وهذا القصف لا يقدم ولا يؤخر، هدفه فقط تذكير من تركيا للرأي العام الغربي قبل مؤتمر جنيف بأنّ لنا مصالح في سورية ونريد ضمانات لحمايتها في أي اتفاق سياسي، إلا أنّ مجلس الأمن أصدر قراراً بالإجماع بإدانة هذا القصف، فكيف في حال التدخل العسكري البري؟

ما هي طبيعة الدور «الإسرائيلي» في سورية، لا سيما على صعيد تشجيع الحلف التركي ـ السعودي بالتدخل عسكرياً؟

– العلاقات التركية ـ «الإسرائيلية»، لم تنقطع يوماً على الصعد كافة الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، رغم بعض التوتر الديبلوماسي الذي حصل في إحدى المراحل. وعلى الصعيد الاقتصادي، وصل حجم التبادل بينهما إلى 6 مليارات دولار وبزيادة سنوية نسبتها 32 في المئة. النفط الذي يسرقه «داعش» وجزء من نفط كردستان العراق يذهب جزء منه لتركيا والجزء الأكبر لـ «إسرائيل». على مدى السنوات التي شهدت توتراً في الظاهر بين تركيا و»إسرائيل» بعد مؤتمر «دافوس» وحادثة أسطول الحرية حاولت أنقرة كثيراً إعادة التواصل مع تل أبيب التي كانت ترفض ذلك، وفجأة أعلن أردوغان أنّ تركيا بحاجة إلى «إسرائيل» وهو الذي كان يرفع خطاب العداء ضدّها ويدّعي التمسك بالقضية الفلسطينية. عندما شعرت تركيا بأنها معزولة بعد التدخل الروسي ذهبت إلى «إسرائيل»، حتى السعودية التي تتقاطع مصالحها مع تركيا تختلف بالملفات الأخرى، السعودية لا تريد أن ينتصر النظام في سورية، لكن في الوقت نفسه، إذا خسرت تركيا في سورية فلن تنزعج السعودية كثيراً، لأنّ من أهم أهداف السعودية التفرّد بزعامة العالم السنّي وأكبر منافس لها هو تركيا.

المنظومة السياسية في تركيا بكلّ أشكالها تتحرك تحت العنوان العام «الأطلسي»، أي أنّ مرجعية تركيا هي «الأطسلي» ومرجعية «إسرائيل» هي أميركا، وبالتالي المرجعية نفسها، لذلك تحركت تركيا باتجاه «إسرائيل» لفكّ عزلتها وليس بالضرورة لاستخدام ذلك في الأزمة السورية، ويمكنها أن تستخدم وتوظف ذلك في التخفيف من الضغط الروسي على تركيا لا سيما الاقتصادي بعد مخاوف تركيا من قطع الغاز الروسي عنها، وطمعاً بتصدير الغاز «الإسرئيلي» إلى أوروبا عبرها.

إلى أي مدى تستطيع تركيا عرقلة مؤتمر جنيف؟

– تركيا والسعودية تفقدان أوراقهما في سورية، لا سيما بعد قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي لم يشر إلى مستقبل الرئيس الأسد والذي قرّر الحرب على «داعش» و»النصرة» ما شكل هزيمة ديبلوماسية وسياسية لتركيا والسعودية، ما دفع بهما إلى العمل لعرقلة مؤتمر جنيف الذي فشل قبل أن يبدأ ولا حظوظ له بالنجاح في ظلّ التطورات الميدانية الأخيرة، إلا بعد حصول توازن عسكري لصالح الجماعات المسلحة وهذا ليس له أفق لأنّ روسيا مُصمِّمة على كسر الدور التركي في سورية وفي البحر الأسود والقوقاز.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى