قالت له
قالت له: ماذا أحضرت لي في عيد الحبّ وقد امتلأت المدينة بالزينة وانشغلت أحاديث العشّاق بالاحتفال؟
فقال لها: لو خيّرتني لكانت جلسة على تراب في غابٍ تضمّنا وحدنا، ومعنا إبريق شاي في بداية العتمة، وتحت نجمة وغيمة، هي احتفالي. ولقدّمت لك بيتاً من الشعر غزلته من ضوء خافت وصوت لاهث ونبض متسارع وقبلة مثقلة بتعب وشوق ووعد.
فقالت: ألا تظن أن في هذا كلام يليق بالقصائد لا بالحقائق والوقائع؟ فالأنثى تتباهى بما تلبس، وتزهو عندما ترقص، وتريد لحبيبها أن يُشعرها بالأهمية بما أعدّ واستعد لأجلها. والهدية لن تغنيها عن مقتضيات العيش، لكنها رسالة لا يلبّيها بيت شعر كلفته كلمات تتدفّق بلا جهد وعناء. وليس طلبي خاتم ألماس ولا عقد لؤلؤ أو مرجان. بل أيّ شيء يقول انظري كم يهمّني أن أكون شريكاً في صناعة جمالك، وأن أكون سبباً لطلوع شمس ابتساماتك.
فقال لها: لكن هذا وهم وتبسيط. فما تقولينه يفعله مالك المال لمن لا يحبّ، لأنه هو من يتباهى بما يملك أو بما لا يملك سواه. وقد تريده وتفرح به الأنثى من غير الحبيب. أما الشعر فهو كلام وأنت تسوقينها تقليلاً من المقام. لكن الكلام وحده يفضح القيمة والصدق معاً. فهو لا يقال ممّن لا يملك قدرة القول. ومن لا يملك قدرة القول لا يعرف الحبّ أو لا يعرف الفرق بين الحبّ والرغبة والغريزة والتملك. والكلام إن قيل لا يقال صناعة كما يقال بتدفق اندفاعة. وما دام حبّك تحت أضواء المسارح فلكِ ما تريدين، وامنحيني حبّاً تحت ضوء النجوم.
فقالت: لك ما تريد!
فحجز لها مقعدين في مطعم فاخر، ووضع هدية على المقعد الثاني، وجدت فيها خاتم ألماس ورسالة تقول: «إن كان الحبّ شراباً فأنت العنب، وإن كان الحبّ سراباً فأنا الغضب، فاختاري الآن سباقاً بين البقاء وملاقاتي إلى حقول القصب»! فقرّرت البقاء لتختبر صبره في انتظارها، ولما غادرت لمحت معطفه على مقعد بعيد، فعرفت أنه كان هناك يراقبها وينتظر. ومضت بدمعة الخسارة قبل أن تحسّ بذراعه على كتفها معانقاً مرافقاً إلى حيث الاحتفال.