الكفر ـ التكفير ـ الدين والتكفير ـ الإسلام والتكفير ـ التكفير والتكفير 1

الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسّون

مفتي الجمهورية العربية السورية

ـ الكفر ـ

حين خلق الله الإنسان في هذه الأكوان وأسكنه في الأرض أرسل له رسالة هدى وطريقة دلالة، وقال لآدم عليه السلام في سورة البقرة «فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون». وقال تعالى في سورة طـه «فلا يضل ولا يشقى»، فهذا يعني أن الله تعالى تعهد للإنسان في الكون أن ينير له طريق الهداية والعودة إلى الجنة التي خرج منها، فمن سار على هذا الطريق صار مهتدياً، وصار منعماً وصار سعيداً في دنياه، وصار يأمل دائماً أن تكون آخرته أجمل من دنياه، ومن هنا نجد أن الله عز وجل في سورة الفاتحة طلب منا أن نقرأ في كل صلاة «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين «هو صراط الهداية وصراط الدلالة إلى الحق في العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والدنيا، في هذا الطريق الذي خطه الله لنا خص الإنسان بالقدرة على الاختيار بين الهدى والنور والضياء، وبين أن يختار شهوة نفسه وأن يختار البعد عن ربه والاستهتار والأنانية، ولولا هذا الاختيار لما حسب الإنسان إنساناً أبداً.

ولكن حينما جعل الله الإنسان مخيراً أعطاه مساحة اختيار الإيمان أو اختيار الكفر، وكلمة الكفر تأتي باللغة بمعنى الستر، فالليل كافر لأنه يستر النور، والفلاح كافر لأنه يستر البذار، والخمار كافر لأنه يحجب الشعر والوجه، فالكفر معناه الستر باللغة، ولذلك حين ما يقول الله تعالى» قل يا أيها الكافرون «أي يا أيها الذين سترتم الحقيقة. فالله عز وجل حين خلق الإنسان في الكون وضع في قلبه بذرة الإيمان وبذرة الحق والنور وبذرة الهدى، وحين يكبر الإنسان يستر هذه البذرة بأهوائه وشهواته وضلاله وهو يعرف أنه على باطل.

وحتى تكون الهداية واضحة أرسل الله الرسل ليقفوا أمام كل من كفر وستر الحقيقة، بدءاً من سيدنا نوح عليه السلام إلى يومنا هذا بعث الرسل وبعدهم العلماء وما بين الرسول والرسول هناك الأولياء، ليقفوا في وجه الظلام الذي يغطي العقل والنفس والجسد والقلب بالهوى والضلال، لذلك نجد أن كل الرسالات السماوية نظرت إلى الكافر نظرة ضياع، أي أنه ضائع عن الطريق، فمهمة الرسل واحدة تتمحور حول إعادة هذا الإنسان إلى ساحة النور والإيمان، والخروج من ظلمات ستر الحقيقة إلى نور الحقيقة لذلك يعد الكافر مريض لأنه ستر الحقيقة حينما أشرك بالله، والكفر هو حقيقة في كلمة الشرك بالله فلا يسمى كافر من لم يشرك بالله عز وجل، ومن هنا كان النداء لأهل الكتاب في سورة آل عمران «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله». إذاً الكافر هو الذي يعبد غير الله ويتخذ أرباباً من دونه، لذلك تأتي الآية الأخرى في سورة البينة» لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب»، إذاً ليس كل أهل الكتاب كفرة، إنما هناك من أهل الكتاب من كفروا، حينما جعلوا مع الله آلهة أخرى وحينما أشركوا بالله عز وجل، فجعلوا الإنسان المخلوق إلهاً أو ابن الإله، وجعلوا من رجال الدين مقدسين على مستوى الإله، وهذا ما تسرب أيضاً إلى كثير من الأفكار الإسلامية حينما نجعل من الأولياء أو الصحابة أو من آل البيت، في مرتبة قداسة منزهة عن الخطأ، فالأنبياء فقط هم الذين نزههم الله عن الخطيئة، أما ما بعد الأنبياء فكلهم بشر فلا نتخذهم أربابا ًمن دون الله، أي نعطيهم صفات الله من التنزيه والتقديس، فالإنسان إنسان والرب رب. فالرب هو المنزه عن كل النقائص، والأنبياء هم المحفظون، حفظهم الله من النقائص لأنهم قدوة، أما باقي البشر فكلهم يخطئون ويرد عليه وينبه ويصحح له، فهذه مهمة رسالة السماء مع الكفار.

إذاً كلمة كافر لا تعني من خالفني في فكري أو خالفني في مذهبي أو طريقتي ولا يجوز أن أطلق عليه كلمة الكفر، فالكفر حدده الله تعالى في سورة النساء بالشرك بالله فقط «إن الله لا يغفر أن يشرك به» هذا هو الكفر، ويغفر ما دون ذلك من ذنوب سواء أكان سرقة أم زنى أم تركاً للصلاة والصوم تساهلاً أم كسلاً أم ضياعاً فلا يقال له كافر، أما حينما ينكر ذلك ويقول إن الصلاة ليست من عند الله، وإن الصيام ليس من عند الله فهو ينكر هنا الله عز وجل فيسمى كافر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى