المملكة للجيش: لا لمحاربة الإرهاب
هتاف دهام
كثُرَ الحديث في الأسابيع الماضية عن أنّ «داعش» يريد التمدّد أكثر فأكثر في لبنان الذي سيكون أمام اختبار جديد، إلا أنّ المفارقة اليوم أنّ المملكة العربية السعودية أعلنت إيقاف مساعداتها لتسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي بذريعة المواقف التي صدرت عن وزارة الخارجية في المحافل العربية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين. والمفارقة أنّ القرار المتداول به منذ فترة في دوائر الرياض خرج إلى العلن بعد تمنّي قائد الجيش العماد جان قهوجي عقب عودته من واشنطن «أن تصلنا الأموال من هبة المليار لندفع ثمن طائرات سوبر توكانو»، وبعد خمسة أيام من وصول رئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلى بيروت، وكأن هناك مَن يريد أن تنفجر هذه القنبلة في وجهه، وهو نفسه الذي أعلن بعد غياب ثلاث سنوات عن لبنان من السراي الحكومية في آب 2014 عن هبة المليار دولار بعد اجتياح عرسال من قبل الإرهابيين ومهاجمة مراكز أمنية للجيش.
إنّ القرار السعودي بتوقيف هبة الـ3 مليارات دولار التي أعلن عنها الرئيس السابق ميشال سليمان في نهاية عام 2013، والتي كانت بهدف محاصرة حزب الله وتغيير عقيدة الجيش القتالية ووضعه في مواجهة المقاومة التي انخرطت في محاربة الإرهاب في سورية، وهبة المليار التي أعلن عنها الحريري بعد ثمانية أشهر، قرارٌ مضمَرٌ، لكن أُريدَ له أن يخرج إلى العلن كردّ فعل على موقف سياسي بسيط ومحقّ أخذه لبنان في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الأخير، ومن ثم في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي. ومعروف أنّ هذا الموقف هو للمحافظة على الوحدة الداخلية التي عبّر عنها عبر التحفظ على البيانات التي صدرت، علماً أنّ السعوديين هم أكثر من يعرف أّن أيّ موقف يتخذه لبنان، خاصة في السنوات الخمس من عمر الأزمة السورية كانت تراعي دائماً قاعدة الانقسام العمودي في البلد، ومن المفروض أن تكون المملكة كما يقول معارض سعودي لـ«البناء» أكثر الدول تفهّماً للخصوصية اللبنانية ومراعاة للتوازنات السياسية.
من الواضح أنّ التأخير الذي حصل منذ وفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز الذي هو صاحب الهبة المباشر، وحجم الالتباسات والتسريبات التي رافقت سنة من عهد الملك سلمان بعد المماطلة، وما نُشر عن ملابسات حول نوع الأسلحة المقرّرة، وتقطيع الوقت لفترات طويلة وتقليص حجمها، كانت تشي بوضوح أنّ القيادة الجديدة بشخص ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان في المملكة غير راضية وغير موافقة على المليارات الأربعة، وكانت تتحيّن فرصة التخلص من هاتين «المكرمتين» الثقيلتين على قلب الحكم الجديد الذي يعاني من أزمة اقتصادية، لكنها كانت ترسم بهدوء الحجة السياسية التي اتخذتها، مبرّراً لذلك.
لن يكون سهلاً ما تعرّض له الحريري شخصياً من إبطال هذه الهبة، والذي أودعت إليه أمانة، وحماسته التي بالكاد بدأها، ستفرض عليه أن يبحث عن كيفية تبرير ما جرى على أن يتخذ غير شماعة حزب الله، والحريري الذي اضطهد مالياً وعانى ولا يزال يعاني على صعيد تمويل زعامته وحضوره السياسي ومؤسساته وحتى أنّ شركته «سعودي أوجيه» في المملكة الملتزمة بمجموعة من المشاريع الكبرى توقف عنها التمويل إلى درجة أنّ هناك من يقول إنّ محمد بن سلمان يطمح لضمّها إلى شركته الأم نسمة وإنه يدفع الأولى نحو الإفلاس أو العجز كمقدّمة لتحقيق هذا الغرض.
إنّ محاولة تعليق مبرّرات القرار على سياسة حكومية أو وزارية وربطها بمواقف سياسية لبعض الأحزاب التي تعلن جهاراً اختلافها الكامل مع رؤية المملكة للأوضاع في لبنان والمنطقة، هذا التبرير أعجز من أن يُقنع أحداً بخاصة أنه يتخذ صفة العقاب الجماعي الزجري الذي يطال الجيش والدولة وكلّ الشعب اللبناني في لحظة ذروة تدّعي فيها السعودية أنها تتقدّم لتقود معركة مواجهة الإرهاب ليس في لبنان فقط، بل في المنطقة.
والسؤال التلقائي كيف يتساوى حماس الأسرة الحاكمة لمقاتلة تنظيم «داعش» الإرهابي مع قطع حبل السرّة عن المؤسسة العسكرية اللبنانية وحرمان مغاوير الجيش وألويته من فرصة حقيقية لهزيمة هذا الإرهاب؟ فلو كان آل عبد العزيز جادّين في الحرب على الإرهاب لوجدنا ذلك في اليمن الذي كاد أن يكون الدولة العربية الوحيدة الخالية من الإرهاب، فالسعودية حوّلته مرتعاً لـ«داعش» ولـ»القاعدة» ومتفرّعاتهما، وهي التي جلبت المتشدّدين السعوديين في عام 2007 إلى لبنان لمواجهة حزب الله. كيف للرياض أن تبرّر ذلك أمام العقود التي وقّعت بين لبنان وفرنسا ولبنان وأميركا، وحتى شركات عالمية متعدّدة ستتوقف عن إنجاز ما جرى الاتفاق حوله؟ خاصة أنّ سيرورات هذا الأمر سبق أن انطلقت رسمياً؟
هل هذه الخطوة ستشكل بداية لحرب ستشنّها المملكة على لبنان المثقل بالأزمات الكبرى؟ وماذا يعني كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ القرار السعودي هو أول الغيث والآتي أعظم؟ وهل سيشكل القطاع الاقتصادي المالي الساحة الثانية التي اختارتها لتصفية حساباتها مع لبنان؟ وهل سنشهد رحيلاً ممنهجاً لرأس المال السعودي؟ وما هي تداعيات هذا الأمر على الاقتصاد؟ كيف ستنعكس هذه القرارات الكبرى على واقع السياسة المأزوم أصلاً في لبنان؟ وهل يعبّر ذلك عن صبّ المزيد من الزيت على النار المشتعل؟ وهل سيؤدّي إلى حصول انهيارات استراتيجية في مساحات الشراكة الوطنية وعلى رأسها حكومة الرئيس تمام سلام والحوار الثنائي والحوار الوطني؟
إنّ المملكة بحسب المعارض السعودي لـ«البناء» «ليست في وارد دعم الجيش بالمطلق، فهي تحاول إحداث انقسام داخلي وإشعال خلافات في لبنان، وتريد إبقاء هؤلاء الإرهابيين ورقة تستخدمها في وجه حزب الله عند الحاجة».