دردشة صباحية
يكتبها الياس عشي
تحمل ذاكرتي، أنا ابن اللاذقية، كثيراً من الأيام التي خرجنا بها، ونحن تلاميذ، إلى شوارعها، حينا احتجاجاً على وعد بلفور، وأحياناً كثيرة احتجاجاً على نكبة فلسطين، أو على غزو مصر، أو على المجازر الفرنسية المرتكبة بحق الشعب الجزائري.
وأكثر… ما من مناسبة إلا واعتبرنا فيها أنّ اليهود هم العدو الرئيس لنا بسبب احتلالهم فلسطينَ، وتشريدهم للملايين من الشعب الفلسطيني، فنمونا، وكبرنا، وشخنا، ولم تبارح القضية الفلسطينية وجداننا القومي والسياسي والنفسي… وحسناً فعل المهتمّون بتنشئتنا هذه، لأننا ما زلنا حتى اليوم نكافح، ونقدّم الشهداء، لتبقى فلسطين نقطة الارتكاز في الصراع القومي.
الآن أتساءل، وأنا أراقب المشهد التركي المعادي لسورية:
ـ لماذا اعتبرنا اليهود أعداءً لنا، وهم بالفعل أعداء، ولم نضع الأتراك في الخانة ذاتها يوم احتلّوا لواء اسكندرون الذي تبلغ مساحته خمسة آلاف كيلو متر مربّع، والذي يعتبر الشريان البحري الوحيد لمدينة حلب؟
ـ لماذا وقف السوريون موقف المتفرّج من جريمة اسكندرون رغم أنها ارتكبت قبل عشر سنوات من قيام الكيان العبري؟
ـ لماذا لم ندرّب على فكرة العداء للعثمنة الجديدة الوافدة إلينا بعباءة أتاتورك؟
ـ لماذا بقي احتجاجنا خجولاً ومحاصراً بطابع بريد من هنا نتذكّر فيه اللواء المنكوب، ودقيقة صمت من هناك نقف بها على الأطلال، وقصيدة عصماء وجوفاء لا تسمن ولا تغني؟
ـ ولماذا لم يقدِم نظام واحد من الأنظمة التي تعاقبت على حكم الشام منذ الاستقلال إلى اليوم، على قطع العلاقات الديبلوماسية مع الدولة التركية؟ وهذا الموقف اللامبالي من قضية اسكندرون أدّى حتماً إلى عدم اكتراث الدول العربية الأخرى بالموضوع، وإلى التسليم بحق الأتراك بملكية اللواء السليب.
ألف «لماذا»… ولا جواب، وإنما ثمة حقيقة لا مفرّ من مواجهتها وهي أنّ الأتراك ما كانوا ليجرؤوا على إشعال سورية بالأحقاد، وعلى احتلال جزء من أراضيها بواسطة الآخرين، وعلى تدمير مصانعنا وسرقتها، وعلى تجويع شعبنا، وعلى تحويله طوابير من النازحين الغارقين في الأوحال، أقول: ما كانوا ليجرؤوا على ذلك لو لم تكن البيئة السورية، في أكثر من مكان، حاضنة لهم، بل ومتآمرة معهم للانقضاض على أيّ شكل من أشكال الحكومات المدنية، وإحلال الأسلمة المتطرفة مكانها.
وحسناً فعل سعاده عندما خاطب القوميين قائلاً:
«اذكروا فلسطين وكيليكيا واسكندرون وقبرص وسيناء والأهواز».