الشهيد الذي لم يُسْتَشَهد… الرفيق بيار أبو جودة جبران
عبد المسيح. بيار. مارون. ماري تيريز. ريتا.
هكذا رغب جوزف أبو جودة أن يطلق على أبنائه، وبناته. أراد أن يكونوا كما من نشأ على الانغلاق والتعصّب، والمذهب والطائفة، ويرفض كل فكر وطني جامع، أو يقيم صلات الودّ والقربى مع الآخرين من غير طائفته.
كأنه أرادهم أن ينشأوا انعزاليين، يحملون السلاح في الحرب البشعة، يَسحلون ويقتلون ويعذبون من يقع بين أيديهم من أبناء المذاهب الأخرى. إذ لا مكان لهؤلاء حيث ترعرع ونشأ وأقفل نظراته وأذنيه وعقله عن كل شيء آخر.
إنما، لم يسمع عبد المسيح وبيار ومارون وماري تيريز وريتا كلام والدهم. لقد عصوا واتجهوا عكس ما أراد ورغب وصلى.
لقد هبط على عقولهم وعي آخر. قرأوا لهذا العظيم من أمتهم. آمنوا. اقتنعوا جيداً واتجهوا عكس ما نشأوا وتربوا، وكل منهم رفع يمينه، وبصوت يطلع من القلب والعقل والإرادة ردد قسمه ألف مرّة، وسار فرحاً بما اتخذ له ولعائلته من حياة جديدة.
لم التقِ الرفيق بيار أبو جودة جبران إلاّ قليلاً. فهو عمل في حقل التدريب والعسكر الذي لم أفقه منه سوى تلك الفترة في مخيّم الحزب عام 1958 في ضهور الشوير. كل مسؤولياتي وأعمالي الحزبية اتجهت نحو الإدارة.
وفي هذا القليل كان يلفتني ببشاشته، تواضعه، ترفعه، مناقبه، وبتجسيده في تصرفاته وتعاطيه ما أراده سعاده من أعضاء حزبه.
إنما سمعت عنه كثيراً. وأكثر عندما التقينا المئات من الرفقاء في الباحة خارج الكنيسة في بلدته «دير الحرف» وسمعت من الرفقاء الذين عرفوه ورافقوه في سنوات الحرب، وفي قدسية المواجهة مع العدو، وكلهم ينحنون لأعماله ويعترفون.
رفيقي جبران،
منحك حزبك وسام الواجب. نمنحك نحن رفقاؤك تسمية الشهيد الذي لم يستشهد. لقد كنت في الكثير من السنوات مشروع شهيد، ورغبت لو ترتفع في أي مواجهة، في أي معركة، في أي عملية مقاومة، إلى الشهادة، فتنضم إلى العديد من رفقائك الأبطال الذين قاتلت معهم في أحلك الظروف وأخطرها.
يؤسفني أنني لم أعرفك كثيراً إلّا بعد رحيلك. إنما أعدك أني سأجمع الكثير، ممن يعرفون عنك، فتبقى ملاحم نضالك قائمة، مستمرة وخالدة في حزبك، كما جميع الشهداء والمناضلين الأوفياء.