من النشاط الحزبي إبّان حصار بيروت عام 1982
في العام 1982 كنت توليت مسؤولية عميد المالية. أذكر أن جهاز العمدة كان مؤلفاً من:
الأمين ابراهيم زين: وكيلاً
الأمين يوسف الدبس: ناموساً
الأمين حنّا قيصر: خازناً عاماً 1
الرفيقة هلا نابلسي: ناموساً
وكان الرفيق غسان الشومري سائقاً مرافقاً للعميد.
قبل أن يبدأ حصار بيروت من قبل الجيش «الإسرائيلي»، كان الوكيل والناموس قد انتقلا إلى البقاع فيما كنت بقيت مع حضرة الخازن والرفيقة هلا في بيروت.
أشهد للأمين حنّا قيصر استمراره في مسؤوليته رغم ما كانت تتعرّض له بيروت المحاصرة من قصف مدمّر يزيد من العذاب الذي كان يعاني منه الأهالي، وقد انقطعت عنهم المياه والكهرباء إلا لماماً، ومعهما أصناف الفاكهة والخضار ومواد تموينية كثيرة.
تبلغت قراراً من حضرة الرئيس 2 بسحب كل المبالغ المالية المتوفرة في المصارف، وأن لا نودع فيها أي مبلغ قد يحوّل إلى الحزب في تلك الأشهر الصعبة. وبالفعل تم ذلك. في الأيام الأولى وضعت الأمينة إخلاص عقيلتي المبالغ ضمن أوراق بلاستيكية ونايلون ووزعتها وسط التراب في أحواض «الزريعة» على الشرفة ورحت أفكر مع الأمين حنا، ترى هل يصح أن نبقي تلك المبالغ في الأحواض؟ وفي حال تعرّض منزلنا للقصف أو للحريق فماذا نفعل؟
قرّ الرأي أن نوزع المبالغ إلى منازل أمناء ورفقاء موثوقين بحيث أنه إذا حصل أي مكروه لمنزل أي منهم، تكون الخسارة نسبية ومحصورة بجزء من المبلغ الكبير. رحنا نوزّع المبالغ 50.000، 100.000، 150.000، 200.000 إلى المنازل لقاء أوراق استلام صغيرة يحتفظ بها الخازن العام ويسجلها على دفتر المحاسبة، كذلك كان يسجل كل المصاريف تباعاً.
إذ أسجل تقديري الكبير لتميّز الأمين حنا قيصر في تلك الأشهر الصعبة، لا يسعني أيضاً إلا أن أنوّه بالرفيق البطل غسان الشومري فدى الذي كان يؤمن جولات العميد في مناطق العاصمة. كما ينفذ توجيهات الخازن العام.
في تلك الأشهر عرفت الرفيق «فدى» جيداً. أشهد أنه قومي اجتماعي حقيقي، بجرأته، بأمانته، بنظاميته، بأخلاقه، فلم يتوقف عن الحضور إلى منزلنا في أي يوم، حتى في الأيام التي كانت تتعرض فيها بيروت إلى القصف الشديد، ولا إلى التوجه معي إلى مناطق خطرة.
وأشهد أيضاً للرفيقة هلا التي لم تتوقف يوماً عن متابعة عملها مخاطرةً بحياتها، تتنقل من مكان إلى آخر رغم القصف الذي كانت تتعرض له العاصمة.
وكنا إذ نحتاج إلى مبلغ معيّن، نتصل بالأمين أو بالرفيق الذي أودعنا لديه مبلغاً مالياً، فنسحبه أو نسحب جزءاً منه. والأمين حنا قيصر يسجل كل تلك الحركة.
بعد انتهاء الحاجة إلى هذا التدبير الاحتياطي، سحبنا ما تبقى من مبالغ مالية، وأودعت مجدداً بتصرف الخزانة العامة.
البيان المالي الذي أعدّه الخازن العام رُفع إلى المجلس الأعلى برئاسة الأمين مصطفى عزالدين الذي أخذ قراره بالمصادقة عليه ابراء ذمّة .
من كل المبالغ التي وزعت الى منازل أمناء ورفقاء، حصلت خسارة مبلغ 5000 ل.ل فقط. لقد اضطر الرفيق ع. ن. إلى الاستفادة منه، من أصل مبلغ 50.000 ل.ل. مودعة لديه.
اضطررت، حضرة العميد، وأنا مستعد لتسديد المبلغ أقساطاً.
لم نطالبه، وقد تفهمنا اضطراره إلى المبلغ في واقع صعب جداً.
ذكرت لي الرفيقة هلا النابلسي مؤخراً أنها عمدت مع الخازن العام إلى اتلاف الأوراق الصغيرة التي كانت
تضبط حركة الصندوق، بعد أن كان سجلها الأمين حنا على دفتر خاص بالمحاسبة، وذلك في مكتب الشركة التي كان يملكها ويديرها الفاضل يوسف والد الأمين ميشال خوري 3 . وكان الأمين حنا قيصر هو مسؤول المحاسبة في الشركة، ويعتمد المكتب لمزاولة عمله كخازن عام، مستفيداً من مخبأ استحدثه في مكان خفي لحفظ الأوراق.
عند دخول القوات «الإسرائيلية» إلى بيروت، أُمكن متابعة العمل المالي، وهنا أذكر بتقدير كبير الدور الذي قام به الرفيق طوني روكز 4 ، بين العميد وكان انتقل إلى مكان آمن، وبين مسؤولين ورفقاء كلما احتاجت المراكز الحزبية إلى مال.
عند خروجها من بيروت مندحرة، رحت أداوم في مستوصف عمدة العمل، تواكبني الرفيقة هلا، وينضم إلينا المواطن في حينه يوسف خيرالله الذي كان وهو مواطن يكلّف بأعمال كثيرة من قبل عميد العمل الأمين نصري خوري.
هكذا لم نترك رفيقاً كان مفرغاً في العمل الحزبي، إلا وقدمنا له ما يمكّنه من تدبر أمره في تلك المرحلة الصعبة جداً.
من الرفقاء الذين شهدوا على ذلك أذكر الرفيق محمد نحلة، الذي أعرف جيداً جرأته وتفانيه، وصموده في تلك الأشهر.
هوامش
1. حنا قيصر: من الجنوب السوري. للاطلاع على ما كتبت عنه الدخول إلى أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info. عاونه لفترة، الرفيق شوقي إبراهيم، والمتميز أيضاً بسويته الأخلاقية.
2. الأمين إنعام رعد في حينه كان يقطن وعائلته في حارة حريك، في منزل مجاور لدارة العلاّمة الشيخ محمد حسين فضل الله. فانتقلت العائلة إلى شقة في بناية مجاورة لمحلات «غوديز» في شارع فردان على مقربة من مركز الحزب في حينه.
3. كان يقع في البناية المجاورة للبناية التي يقطن فيها الأمين يوسف الأشقر في منطقة القريطم. وكان الأمين ميشال غادر إلى إحدى الدول العربية حيث أسس فرعاً للشركة، شهد نمواً ونجاحاً وما زال.
4. طوني روكز: من «باب مارع» البقاع الغربي . كان يتولى مسؤولية منفذ عام الطلبة الجامعيين. تعرّض للخطف وما زال مصيره مجهولاً. تميّز بجرأته، بثقافته القومية الاجتماعية، والتزامه المتفاني بالحزب.